مجلس نواب الشعب أورد على صفحته الرسمية أنّ اللجنة ناقشت مقترح القانون المتعلّق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني فصلاً فصلاً، وتداولت في ماهية الأفعال التي من شأنها أن تدخل في إطار التطبيع، واقترحت تعديلات تتعلّق بتحديد مفهوم التعامل المباشر أو عبر وساطة مع الكيان الصهيوني. النوّاب أكدوا على ”ضرورة توفّر الركن القصدي في هذه الجرائم“، إلى جانب إقرار عدم سقوط التتبعات عن مرتكب جريمة التطبيع بالتقادم، إلى جانب مناقشة مزيد تشديد العقوبة عند محاولة ارتكاب جريمة التطبيع والعَوْد.

مقترحا القانون السابقين حول تجريم التطبيع (الأول قدمته كتلة الجبهة الشعبية في برلمان 14-19 والثاني من اقتراح الكتلة الديمقراطية في برلمان 19-21) لا يختلفان في شكلهما وجوهرهما عن المبادرة التي تناقشها لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان، فالأفعال المجرّمة هي نفسها، والعقوبات الماديّة هي نفسها، وإجراءات إثارة الدّعوى هي نفسها، ولكنّ الفرق في الزمن السياسي الّذي جعل تجريم التطبيع أولوية تشريعية طلب فيها النوّاب استعجال النّظر، حتى يُناقش هذا المقترح ويُصادَق عليه في أجل خمسة عشر يومًا.

ما طرحه النوّاب حول تشديد العقوبات وحول الأفعال المستوجبة للعقوبة فيما يخصّ التطبيع أو المساعدة عليه يفرض تصوّر جملة من الوضعيات وكيفيّة تعامل المشرّع معها، والتكييف القضائي للجرم المرتكب في مرحلة لاحقة، في صورة المصادقة على المبادرة التشريعية واعتبارها قانونًا من قوانين الدّولة.

24 أكتوبر 2023، لجنة الحقوق والحريات تصادق على مقترح قانون تجريم التطبيع – مجلس نواب الشعب

فكّ العزلة: نيّة طيّبة وفعل مكروه

في 03 أوت 2023، ألغت إدارة مهرجان الحمامات حفل الفنانة آمال المثلوثي إثر إقامتها ثلاث حفلات في القدس ورام الله وبيت لحم في إطار فعاليات مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب الذي نظمه معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بالشراكة مع مركز يبوس الثقافي. الفنانة أكدت في تدوينة لها كتبتها وهي في مخيّم جنين أنّ ”حملة ب.د.س الفلسطينية تؤيد حضوري في فلسطين ولا تعتبر زيارة السجين تطبيعا مع السجان، إنما هي كسر للحصار وفك للعزلة الفكرية الثقافية للفلسطينيين“، مُضيفةً أنّ ”معهد ادوارد سعيد المركز الثقافي الرمز، للكفاح ضد الاحتلال والذي يحيي حفلات مع فنانين عرب منذ 30 سنة وسبق ان شارك فيه لطفي بوشناق وأنور براهم“.

من جهته، يعتبر عبد الرزاق عويدات عضو كتلة الخط الوطني السيادي صاحبة المبادرة التشريعية المتعلقة بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني دخول الأراضي المحتلّة تطبيعًا، مهما كانت النوايا من وراء ذلك. ”إذا ذهب فنّان إلى الأراضي المحتلّة، فإنّه حتمًا سيحلّ بمطار بن غوريون، ومن سيأذن له بالدّخول هو ممثّل لسلطة الكيان الصهيوني، في هذا الحال يُعدّ الفنّان مطبّعًا“، يقول عويدات، موضّحًا أنّ الحديث عن القصديّة في هذا السياق غير مطروح لأنّ الوقائع تثبت أنّ من قصد الأراضي المحتلّة كان واعيًا بما يقوم به. ”تريد أن تموّه وتقول إنّك ذاهب لعرب 48؟ هذا غير صحيح“، يضيف رئيس الكتلة.

17 أكتوبر 2023، البرلمان يصدر بيان مساندة للشعب الفلسطيني – مجلس نواب الشعب

وفي المقابل، تضامن نقيب الفنانين ماهر الهمامي مع آمال المثلوثي، إلى جانب النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة التي برّأت المغنّية من تهمة التطبيع، فيما دعا نقيب الفنانين إلى جبر ضررها المعنوي.

تجريم التطبيع العلمي والأكاديمي

في 12 أفريل الماضي، تراجع المجلس العلمي لكلية الآداب والفنون والإنسانيات عن إسناد صفة أستاذ متميز للحبيب الكزدغلي إثر ورود اسمه ضمن المشاركين والمنسقين لملتقى بباريس يمتدّ من 16 إلى 18 أفريل من تنظيم جمعية تاريخ اليهود بالبلاد التونسية، مع جامعات إسرائيلية. وذكّر المجلس العلمي في بلاغه برفضه القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، داعيًا الأساتذة الواردة أسماؤهم ضمن قائمة المشاركين إلى عدم التورط في المشاركة في مثل هذه الندوات.

من جهتها رفضت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي أن يتمّ إدراج أسماء باحثين وباحثات من تونس مقرونة باسم مؤسساتهم الجامعية التونسية إلى جانب أسماء باحثين منتمين إلى جامعات من دولة الاحتلال، مؤكّدة أنّ ”الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل تؤكد رفض إقامة أيّة علاقات أكاديمية من أي نوع، بين المؤسسات الجامعية التونسية ومؤسّسات إسرائيلية جامعات كانت أو كليات أو هياكل بحث، ودعت الجامعيات والجامعيين التونسيين إلى الالتزام بهذا المبدأ.“

وفي محاولة لرفع الحرج بعد صدور مواقف مستنكرة لهذا التطبيع الأكاديمي، يقول الكزدغلي إنّ موقفه ينسجم سياسيّا مع موقف الدّولة التونسية المناهضة للعنصرية والاحتلال الإسرائيلي ولكنّ ذلك لا يمنعه بصفته الأكاديمية من المشاركة في ملتقيات مع أساتذة من الكيان المحتلّ بحضور تونسيين وبتنظيم من جمعية تونسية في اختصاص التاريخ. وكانت هذه المواقف الملتبسة لأستاذ التاريخ سببا في تعليق عضويته من حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي في 11 نوفمبر 2018 إثر تداول معلومات حول ترؤّسه مركز دراسات تاريخية لفرع جمعية ذات ارتباطات صهيونية تحت يافطة جمعية تونسية.

”هناك فرق بين المشاركة في مؤتمر عُقد في الأراضي المحتلة وآخر عُقد خارج الأراضي المحتلّة. منظمة الأمم المتحدة مثلا تضمّ ممثّلين عن تونس وعن الكيان الصهيوني، وستجمعهم قاعة واحدة واجتماع واحد، وهذا لا يُعتبر تطبيعًا لأنّ تونس تتعامل مع منظمة خارج الأراضي المحتلّة ولا تقع تحت تصرّف الكيان الصهيوني. التطبيع هو الاجتماع بشكل انفرادي مع ذلك الشخص الصهيوني وتبادل الحديث معه“، يوضّح عضو كتلة الخط الوطني السيادي لنواة، في محاولة لتفسير الفرق بين المشاركة في مؤتمرات وملتقيات أممية وبين لقاءات خاصة تجمع بين تونسيين وأفراد محسوبين على الكيان المحتلّ في مكان واحد.

المهرجانات ووسائل الإعلام: المؤاخذة لجهة التنظيم

في 02 أوت 2010، تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمغنّ تونسي وهو يهتف بحياة بنيامين نتنياهو. تمّت دعوة هذا المطرب مرات متواترة في وسائل الإعلام، بصفته مثيرا للجدل لا يرى حرجًا في زيارة الأراضي المحتلّة. ”الفنّان يُعاقب ولكنّ الوسيلة الإعلامية التي استضافته لا تؤاخَذ قانونيّا“، يُفسّر عبد الرزاق عويدات، مضيفًا أنّ الأمر يختلف لو ساعدت وسيلة الإعلام الفنّان على الحضور في الأراضي المحتلّة. ”إذا أرسلت التلفزة الوطنية مثلا فنّانا إلى الأراضي المحتلّة فإنّها تُعتبر مساعدة على التطبيع، وهي بذلك مُجرَّمة بمقتضى المبادرة التشريعية“.

18 أكتوبر 2023، متظاهرون يرفعون العلمين التونسي والفلسطيني مطالبين بتجريم التطبيع

أمّا إذا بثّت إذاعة ما أغنية لفنّان صهيوني، ”فعلى الإذاعة التبليغ على المذيع الّذي فرض على المستمعين عمليّة تطبيعيّة، ويتولّى وكيل الجمهورية بمحكمة تونس بإثارة الدّعوى ضدّه“، يقول عويدات. ”عندما يتمّ تنظيم حفل يحضر فيه فنّانون داعمون للاحتلال، فإنّ الشخص الّذي لديه مسؤولية قانونية في تنظيم التظاهرات الثقافية هو من يتحمّل المسؤوليّة، فالمؤاخذة القانونية تؤول إلى منظّم الحفل أو المهرجان“، يقول عويدات لنواة.

بعيدًا عن الصلابة القانونية في الحديث عن التطبيع وماهيته، ورغم حساسيّة الظرف في ظلّ تواصل العدوان الصهيوني على غزة، وجب حسم النقاط الرمادية، حتّى لا تُثار في كلّ مرّة وتجرّ معها خلافات لتسجيل نقاط سياسيّة وأخلاقيّة. فعكس المبادرات السابقة الصادرة عن كتل معارضة للسلطة تفتقت قرائح نواب الحكم وقتها لإيجاد مبررات وأدها، تبدو الطريق معبدة هذه المرة لانسجام المقترح مع تصريحات الرئيس سعيد ومواقفه المعلنة بشأن التطبيع، حتى لا يتحول الموضوع عنوانا أخر للشعوبية السياسية.