بعد 25 جويلية 2021 وما تبعه من رفض الرئيس قيس سعيد لأي تشاركية في أي ملف كان، توقفت النقاشات بصفة كلية بخصوص كل الملفات، منها تلك التي انطلق الحوار بخصوصها منذ سنوات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومات المتعاقبة، خاصة حكومة يوسف الشاهد وبمشاركة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في بعض الأحيان، ومنها التي تتعلق باتفاقيات ممضاة أو المفاوضات والحق النقابي.
إصلاح الصناديق الاجتماعية
أهمّ الملفات العالقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة تقريبا، تلك المتعلّقة بإصلاح الصناديق الاجتماعية، وإخراجها من حالة العجز المالي المزمن الذي بلغ حدّ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بـ1200 مليون دينار مقابل حوالي 160 مليون دينار للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، مع ديون تتجاوز الـ6000 مليون دينار للصندوق الوطني للتأمين على المرض ”الكنام“، والذي بدوره يعاني من أزمة مالية وديون تجاه مسدي الخدمات رغم تحقيقه نظريا فائضا في حدود 1030 مليون دينار، وفق آخر تحيين في الأرقام الخاصّة بعجز الصناديق الاجتماعية في موفى سنة 2021.
حالة العجز المالي للصناديق الاجتماعية ومحاولات تجاوزها عبر صيغ وآليات متعددة، انطلقت منذ فترة حكم بن علي، وتواصلت بعد سقوط نظامه في 14 جانفي 2011، في شكل نقاشات وتبادل طرق وأفكار لإصلاحها بين أطراف الإنتاج الثلاثة، وهي الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة ، تم تطبيق بعضها على أرض الواقع بداية من الترفيع في سن التقاعد في القطاع العمومي وإقرار الضريبة الاجتماعية التضامنية التي أقرها قانون مالية 2018 والترفيع في المساهمات الاجتماعية لمنخرطي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، للعمال بنسبة 1 % والمشغّل بنسبة 2 %.
نظم الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، السبت 18 فيفري 2023 مسيرة احتجاجية تنفيذا لتوصيات هيئته الادارية. تحركات يسعى الاتحاد من خلالها الدفاع عن دوره النقابي والوطني أمام استهداف السلطة للمنظمة الشغيلة.
إلا أن عملية إصلاح الصناديق الاجتماعية لم تبلغ منتهاها، حيث توقفت بعد خلاف بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، حول الآليات والطرق التي تؤدي إلى تجاوز الأزمة المالية والهيكلية التي تعاني منها الصناديق الاجتماعية الثلاثة وخاصة الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث رفض الاتحاد العام التونسي للشغل بعض الحلول المقترحة من طرف حكومة يوسف الشاهد، المتعلّقة بالترفيع في مساهمة تقاعد العمال في القطاع الخاصّ وكذلك بجوانب مالية/ تقنية تؤدي إلى التخفيض في جرايات التقاعد عبر مراجعة ما يعرف بمردودية السنوات إلى درجة تخفيض جرايات التقاعد وحدّها الأقصى بنسبة يمكن أن تتجاوز الـ 10% لمنخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، على حدّ سواء.
فيما اعترض ممثلو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تقريبا على أغلب الآليات المقترحة من طرف الحكومة، حيث تعتبر ”منظمة الأعراف“ أن الحل يجب أن يكون جذريا أكثر من خلال تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية (وهو ما يشترك فيه مع اتحاد الشغل) وخاصة عبر الترفيع في عدد المساهمين من العاملين خارج الأطر القانونية، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة منخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من العاملين في القطاع الموازي.
إلا أنّ أهم اعتراضات اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، كانت تتعلق أساسا بالترفيع في المساهمات الاجتماعية للعمال بنقطة وللأعراف بنقطتين كما كان الحال بالنسبة إلى منخرطي صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية. كما رفضت منظمة الأعراف الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص، ممّا حصر تطبيق ذلك الاجراء على القطاع العام والوظيفة العمومية، بالترفيع في سن التقاعد إلى 62 سنة بصفة إجبارية و3 سنوات اختيارية.
التخفيض في كتلة الأجور
وفي اتجاه معاكس للترفيع في سن التقاعد لمحاولة سد عجز الصناديق الاجتماعية، وجدت الحكومات التي أدارت البلاد خاصة بعد انتخابات سنة 2014 نفسها أمام عدد مهول من الموظفين يناهز 670 ألف موظف وكتلة أجور مرتفعة بلغت حوالي 20.1 مليار دينار سنة 2022، ما يمثل حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة المقدر بحوالي 140.8 مليار دينار، مما جعل حكومة يوسف الشاهد تطرح التخفيض في كتلة الأجور كإحدى الإصلاحات الكبرى الاستراتيجية خاصة من خلال برنامج للخروج الطوعي.
وقد مثل برنامج الخروج الطوعي مقابل منحة خروج الذي يصاحب تجميد الانتدابات في القطاع العام والوظيفة العمومية، محل رفض من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرى أن حكومة يوسف الشاهد لم تعرف كيف تدير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار آنذاك في النقطة المتعلقة بالتخفيض في كتلة الأجور، إذ يعتبر اتحاد الشغل أن ممثلي الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم يحسنوا شرح وضعية البلاد في علاقة باحتواء الدولة لجزء من اليد العاملة النشيطة والانعكاسات الاجتماعية لتجميد الانتدابات والتسريح أو الخروج الطوعي، بل وتذهب المنظمة إلى حد طرح العمل على الترفيع في الناتج القومي الخام لتنخفض نسبة كتلة الأجور من قيمته الجمليّة بكل بساطة.
حاليا، وفي ظل تجميد الحوار والنقاشات بين المنظمة والسلطة، لا يزال اتحاد الشغل على موقفه في مقابل مواصلة حكومة الرئيس قيس سعيد في تنفيذ خطة التسريح والخروج الطوعي بالتوازي مع تجميد الانتدابات للضغط أكثر ما يُمكن على كتلة الأجور، عبر طرح برنامج خصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السنّ القانونية، ويشمل أعوان الجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات العمومية ذات الصبغة غير الإدارية وكذلك أعوان الهيئات الدستورية والهيئات العمومية المستقلة، مع وضع هدف بتسريح حوالي 6 آلاف عون سنويّا على امتداد 4 سنوات.
وقد أصدر الرئيس قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن عددا من النصوص القانونية لتنظيم البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية، بداية من المرسوم عدد 21 لسنة 2021 المؤرخ في 28 ديسمبر 2021 المتعلق بقانون المالية لسنة 2022، والأمر الرئاسي عدد542 لسنة 2022 المؤرخ في 13 جوان 2022 المتعلق بضبط الفئات المعنية وإجراءات وصيغ وأجال تطبيق البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية، وقرار رئيسة الحكومة المؤرخ في 16 جوان 2022، وأخيرا المنشور عدد 13 المؤرخ في 5 جويلية 2022.
إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية
كان توجه الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد منذ سقوط نظام بن علي في 2011، طرحُ بيع جزء من المؤسسات والمنشآت العمومية كحلّ لتغطية العجز المالي الذي عانت منه ميزانية الدولة خلال السنوات الماضية من جهة، والتخلي عن العبء المالي لتلك المؤسسات والمنشآت العمومية الواقع على عاتق الدولة بضخ مئات الملايين من الدينارات سنويا لتمكينها من المواصلة وتفادي إفلاسها من جهة أخرى، مع بعض الاستثناءات القليلة التي تمثل الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد أبرزها باعتبارها مصدر دخل مالي مهم للدولة، ما جعلها تحتل لائحة مطامع عدد من رجال الأعمال مع المحافظة على صبغتها الاحتكارية بطبيعة الحال.
لكن تلك السياسة، وكما هو معلوم تتعارض كليا مع قناعات الاتحاد العام التونسي للشغل وخلفياته الإيديولوجية التي تصب جميعها في خانة المحافظة على دور الدولة الاجتماعي وكفاعل اقتصادي من خلال المؤسسات والمنشآت العمومية ودعم مداخيلها من خارج دائرة الضرائب. كما أنّ التفويت في المؤسسات والمنشآت العمومية من وجهة نظر اتحاد الشغل سيعني في حالات كثيرة تمكين الخواص من احتكار السوق في مجالات عديدة، منها تحكّمه بالأسعار وما يمكن أن يمثله من خطر على المقدرة الشرائية للتونسيين المتدهورة بطبيعتها.
ومنذ عام 2014 تقريبا دخل الاتحاد العام التونسي للشغل في نقاشات مع الحكومات المتعاقبة على القصبة منذ ذلك التاريخ، في أطر متعددة عل أبرزها لجنة 5 زائد 5، للخروج باتفاق شامل بخصوص مستقبل ما يقارب 101 مؤسسة ومنشأة عمومية تعاني من أزمات مالية مزمنة وفق ما أحصاه كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، على أهمها شركة الخطوط الجوية التونسية التي لا تزال ترفض الإمضاء على اتفاقية السماوات المفتوحة للمنافسة الشرسة التي ستجد نفسها في مواجهتها، وهي التي لا قدرة لها على الوقوف في وجه جودة خدمات شركات الطيران العالمية وسعرها.
ففيما يخص شركة الخطوط الجوية التونسية وجد الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومات المتعاقبة، وخاصة حكومة يوسف الشاهد، أن الحل البديل عن التفويت في تلك الشركة هي إعادة هيكلتها وإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة في إدارتها والتسريح الطوعي للعمال، قبل المرور إلى وضعها في حلبة المنافسة مع شركات الطيران العالمية بإمضاء اتفاقية السماوات المفتوحة، لكن دون الحديث عن التفويت فيها، وهو ما يرفضه الاتحاد العام التونسي للشغل قطعيا.
وينسحب ذلك الرفض على كل المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعاني من عجز مالي مزمن، مما جعل النقاشات صلب لجنة 5 زائد 5 أساسا تتمحور حول النظر في وضعية ما تمّ إحصاؤه من 101 مؤسسة ومنشأة عمومية تعاني خسائر مالية، حالة بحالة للخروج بخطة إنقاذ على المدى المتوسط تنتهي بالمحافظة على ديمومة المؤسسة أو المنشأة وعموميتها، ولم لا تحويلها إلى مصدر دخل ينعش ميزانية الدولة سنويا عوض إنهاكها كما كان الحال خلال تلك السنوات وحتى حاليا.
لكن، لم يكن لكل الاجتماعات الماراطونية التي عقدها ممثلو اتحاد الشغل في لجنة 5 زائد 5، مع ممثلي الحكومة، أي أثر عملي ولم تطبق أي خطة لإصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية، لتنقطع كل النقاشات تقريبا قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 مع توتر العلاقة بين المنظمة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد آنذاك وتركيز الكل على الاستحقاقات الانتخابية لتلك السنة.
لكن يبدو أنّ الرئيس قيس سعيد، بعد 25 جويلية 2021، الذي نفى مرارا وتكرارا الأخبار التي تفيد بتوجهه لبيع عدد من المؤسسات والمنشآت العمومية، قد أعاد إحياء ملف إنقاذها، وفق ما هو مُعلن، ووضعها على لائحة مهام الحكومة منفردة دون تشريك أي جهة مهما كانت في نقاشات صيغ انتشال المؤسسات والمنشآت العمومية، والتي كان أولها الشركة العامة للمقاولات والأشغال والمعدات SOMATRA-GET، التي عقدت حكومة أحمد الحشاني اجتماعا في 24 أكتوبر 2023 بخصوص وضعيتها، تلاه اجتماع آخر مع الرئيس قيس سعيد بعد أيام لطرح ما خرج به الاجتماع الوزاري لإنقاذ تلك الشركة، وغيرها من المؤسسات والمنشآت العمومية التي اعتبر قيس سعيد أنها تعرضت لسياسة تفليس ممنهجة بهدف التفويت فيها.
تنقيح قانون المؤسسات العمومية
في سياق متصل بوضعية المؤسسات والمنشآت العمومية ونقاشات صيغ إنقاذها من الإفلاس، انطلقت منذ سنوات نقاشات لتنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989 والمتعلق بالمساهمات والمنشآت العمومية، عُقدت عديد الاجتماعات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة خاصة خلال تولي يوسف الشاهد رئاسة الحكومة، إلا أنه وبعد 25 جويلية 2021 تعطّلت المفاوضات بخصوص التنقيحات المزمع إدخالها على القانون رغم عقد اجتماعات بين ممثلي اتحاد الشغل وحكومة نجلاء بودن.
وقد انتهت أو بالأحرى توقفت المفاوضات والنقاشات بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة نجلاء بودن للخروج بصيغة توافقية لتنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989 والمتعلق بالمساهمات والمؤسسات والمنشآت العمومية في 29 نوفمبر 2022 بعد أن انسحب ممثلو المنظمة من اجتماع مع الحكومة بعد أن ”تأكدوا من ان هدف دعوتهم، هي التسويق بأن اتحاد الشغل شارك وموافق على التعديل من خلال صور الاجتماع التي كانت ستنشرها الحكومة ووزاراتها“، وفق قول أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي خلال كلمة ألقاها بتجمّع لقطاع النقل في نهاية نوفمبر 2022 أمام المقر المركزي لاتحاد الشغل، لتواصل بعدها حكومة نجلاء بودن في النهج الذي تخوف منه الاتحاد العام التونسي للشغل بمصادقة مجلس الوزراء في 9 فيفري 2023 على مرسوم لتنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989 والمتعلق بالمساهمات والمؤسسات والمنشآت العمومية.
تنقيح قانون الوظيفة العمومية
النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية بمقتضى القانون عدد 112 لسنة 1983 المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 المنقّح بمقتضى القانون عدد 83 لسنة 1997 والقانون عدد 20 لسنة 2003، مثّل كذلك أحد الملفات التي دأبت الحكومات المتعاقبة على تسويتها بصفة تشاركية مع الاتحاد العام التونسي للشغل منذ وجود الهيئة العليا للوظيفة العمومية وبعدها وزارة الوظيفة العمومية.
حيث يضع الاتحاد العام التونسي للشغل تنقيح القانون العام للوظيفة العمومية الذي يتضمّن أكثر من 150 فصلا، على رأس أولياته نظرا لأهميته الاستراتيجية في إصلاح قطاع الوظيفة العمومية، وقد تواصلت النقاشات بخصوص التنقيحات بعد 25 جويلية 2021، ليقع الاتفاق بين ممثلي اتحاد الشغل والحكومة على الجزء الأكبر من التعديلات، في مقابل بعض الخلافات.
إلا أن النقاشات والمفاوضات بخصوص تعديل وتنقيح القانون العام للوظيفة العمومية بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة نجلاء بودن توقّفت منذ مارس 2023، تاريخ آخر اجتماعات بين الطرفين، ليبقى ملفّ تنقيح القانون العام للوظيفة العمومية مفتوحا وعالقا بين المنظمة الشغيلة والحكومة.
المنشور 20/21
أحد أهم أسباب الإضراب في القطاع العام الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل في 16 جوان 2022 وما تلاه من إقرار الهيئة الادارية للمنظمة لإضراب آخر يشمل القطاع العام والوظيفة العمومية بصفة منفصلة، كان المنشور 20 لسنة 2021 الذي أصدرته رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 9 ديسمبر 2021، وما ينص عليه من تحجير على الوزارات والإدارات من التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة.
بعد تجاوز جزئي للخلافات بين اتحاد الشغل وحكومة بودن ومن ورائها الرئيس قيس سعيد، وتحديدا خلال إمضاء اتفاق في 15 سبتمبر 2022 تضمن عددا من النقاط أهمها الزيادة في الأجور، تعهدت نجلاء بودن بإصدار منشور جديد بدل المنشور 20، ينهي ما يرى فيه اتحاد الشغل ضربا للحوار الاجتماعي وحق المفاوضات الجماعية بين هياكله وممثلي سلط الإشراف.
ولكن فوجئ الاتحاد العام التونسي للشغل بإصدار رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 4 نوفمبر 2022، لمنشور تحت عدد 21 لا يختلف كثيرا عن المنشور السابق، حيث اعتبر اتحاد الشغل أنه يحافظ على نفس فلسلفة المنشور 20 في ضرب العمل النقابي وحق المفاوضات الجماعية، بتحديد طريقة تفاوض الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية مع الطرف النقابي، من ضرورة التقيّد بخمس خطوات عند التفاوض أهمها دراسة الطلبات المقدمة من النقابات او من مركزيّتهم النقابية من قبل وزارة الإشراف وإجبارية حضور ممثل عن وزارة المالية كلما كان للمطالب مفعول مالي.
كما نص المنشور 21 كذلك على أنّ كل وزير يرأس جلسة تفاوضية مطالب بدعوة عضو من المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، مشدّدًا على ضرورة صياغة محاضر الجلسات بوضوح تام مع توقيع جميع الحاضرين عليها وفي حال عدم احترام جميع كل هذه الإجراءات فإنّ أي اتفاق يعتبر ملغى، ما جعل الاتحاد يطالب بإلغاء المنشور، ليصبح أحد أهم الملفات العالقة بين المنظمة والسلطة القائمة إلى حدود اليوم.
عمال حضائر ما بعد الثورة
يمثل ملف عمال حضائر ما بعد الثورة، أكبر ملفات التشغيل الهش، وما يقابله اتحاد الشغل من مطالبة بتسويته، ما أدى بعد سنوات من المفاوضات والشد والجذب إلى إمضاء اتفاق مع حكومة هشام المشيشي في 20 أكتوبر 2020، نص أساسا على انتداب نهائي لعمال الحضائر ممن يبلغون من العمر أقل من 45 سنة على 4 دفعات سنوية، تنتهي سنة 2024. فيما أفضت المفاوضات آنذاك إلى وجوبية الخروج الطوعي للفئة العمرية 55/45 من عمال الحضائر ما بعد سنة 2011، البالغ عددهم 15.200 عامل مقابل تمكينهم من منحة تبلغ حوالي 20 ألف دينار.
آلية عمل الحضائر من متنفّس إلى مأزق
لم تنشأ آلية العمل في الحضائر عقب الثورة، بل كانت أحد الحلول المتّبعة من قبل الدولة بعد الاستقلال، لامتصاص البطالة خصوصا بالنسبة لليد العاملة المتدنيّة التكوين. ولكنّ هذه الآلية تحوّلت من متنفّس إلى مأزق عقب سنة 2011 مع الطفرة التي عرفتها الحضائر على مستوى الكمّ، حيث تم ادماج عشرات الآلاف من المعطّلين عن العمل كمحاولة لتخفيف الاحتقان الاجتماعيّ.
لكن، وبغض النظر عن رفض جزء من تلك الفئة العمرية لإجراء الخروج الطوعي وما تبعه من مصادقة البرلمان السابق في 25 ماي 2021 على قانون عدد 27 لسنة 2021، لا يزال الإجراء حبرا على ورق ولم يقع تمكين العمال المعنيين من ”صك المغادرة“ وتطبيق الاتفاق.
وهو نفس الشأن فيما يتعلق بانتداب الفئة العمرية الأقل من 45 سنة على دفعات، حيث توقف مسار تطبيق الاتفاق في تلك النقطة دون الانطلاق في انتداب أي دفعة من الدفعات الأربع رغم تضمين تعهد الحكومة بغلق الملف في اتفاق 15 سبتمبر 2021 الممضى بين نور الدين الطبوبي ونجلاء بودن.
ملفات ومحاور ثقيلة تهم الشرائح الاوسع من التونسيين، كالصناديق الاجتماعية وحوكمة المؤسسات والمنشآت وثنائية تضخم كتلة الأجور ووقف الانتدابات، تواصل ترحيلها من حكومة إلى أخرى إلى أن انقطع التفاوض فيها على بكرة أبيها. ما يعكس الدور الثانوي للنقابات والشركاء الاجتماعيين في الواقع السياسي الذي فرضه الرئيس إلى حين تغير قد يطول انتظاره، يعيد حاجة قرطاج إلى النقابات والمنظمات المدنية، كما حصل غداة 25 جويلية 2021 ومسارعة سعيد إلى استقدام الفاعلين الاجتماعيين بحثا عن دعمهم في لعبة المحافظة على كرسي الحكم.
iThere are no comments
Add yours