يبدو الوضع داخل إتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية مثيرا للاستغراب والتساؤل في آن واحد، فالمنظمة تجاوزت آجال عقد مؤتمرها العام الـ17 بحوالي سنتين دون أي توضيح لأسباب عدم الانطلاق إلى حدود اليوم في مسار تجديد الهياكل المفترض انتهاؤه بانتخاب مكتب تنفيذي ورئيس جديد للمنظمة التي يعيش منظوريها من رجال الأعمال على وقع ضغط السلطة ووصمهم بربط الثروة والأعمال بالفساد و”نهب مقدرات الشعب“.
ضغط من طرف السلطة السياسية ورئيس الجمهورية قيس سعيد على رجال الأعمال وإيداع عدد منهم السجن وإصدار أحكام في حق عدد آخر، وسط صمت مطبق لمنظمتهم ورئيسها سمير ماجول الذي يتهمه شق كبير من منظوريه بالتسبب في تعطيل المنظمة وشللها وفتح الباب أمام السلطة لابتزازه ولو بطريقة غير مباشرة.
عهدة المكتب التنفيذي الحالي لمنظمة الأعراف ورئيسها سمير ماجول إنتهت قانونيا منذ جانفي سنة 2023، المفترض أن يكون تاريخا لعقد المؤتمر العام للمنظمة، والذي يسبقه مسار يستمر حوالي سنة لتجديد هياكلها، من إتحادات جهوية ومحلية للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والغرف والجامعات القطاعية، والتي إنتهت عهدتها كذلك منذ بداية سنة 2022.
ففي هذا الظرف الذي تمر به البلاد كان من المفترض أن تلعب منظمة الاعراف دورا أكبر سواء على المستوى الوطني أو بالاضطلاع بدورها في الدفاع عن مصالح منظوريها الذين تحمل السلطة نسبة هامة منهم مسؤولية ارتفاع الأسعار وفقدان بعض المنتجات من الأسواق. هكذا يتلخص رأي المطالبين للقيادة الحالية لاتحاد الاعراف ورئيسه سمير ماجول بالإسراع بعقد المؤتمر العام، مقابل شق آخر يعتبر أن الحل الأنسب في ظل الوضع الحالي هو ترك الوضع على ما هو عليه لتجنب أي توترات محتملة يمكن ان تنعكس سلبا عليهم خاصة أن سياسة ماجول هي المهادنة التامة مع السلطة التي يبدو أنها تضع رجال الأعمال على قائمة أعدائها.
حالة عطالة تامّة
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الأعراف توفيق العريبي، اعتبر في حديث مع ”نواة“ أن المنظمة تعيش حالة عطالة تامة رغم ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة إحترام القانون الأساسي والنظام الداخلي وعقد المؤتمر العام للمنظمة وإعادتها للاضطلاع بدورها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد نظرا لان اتحاد الأعراف عبر غرفه المهنية يبقى الشريك الأول للدولة في رسم سياساتها الاقتصادية. كما تابع العريبي، أنه في ظل إستنتاجات السلطة مثلا في علاقة بنقص توفر بعض المواد في السوق أو ارتفاع ثمنها، وربطها بالإحتكار والمضاربة، كان من المفترض، فتح نقاشات بين ممثلي الحكومة والغرف المهنية التابعة لإتحاد الأعراف للخروج بأسباب واقعية لذلك النقص في بعض المواد وإيجاد صيغ حقيقية لتجاوزه دون تحميل جهة واحدة مسؤوليته.
وفق عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الأعراف، فقد طالبت عديد الهياكل بعقد المؤتمر العام، ولكن ماجول واصل صم أذنيه عنها، فمثلا عقد مجلس الاتحادات الجهوية للأعراف، عددا من الاجتماعات طالبوا على إثرها رئيس المنظمة سمير ماجول بالعودة لاحترام القانون الاساسي والنظام الداخلي وتشريك الهياكل في تسيير دولايب إتحاد الاعراف والانطلاق في مسار تجديد الهياكل وعقد المؤتمر العام، ولكن ردة فعل مركزية منظمة الاعراف كان القطيعة مع ذلك الهيكل ورئيسه قطيعة تامة.
وأكد العريبي، أن سياسة الرئيس الحالي لاتحاد الأعراف وإنغلاقه على نفسه أدى إلى إضعاف المنظمة وتهجير الكفاءات وانسلاخ عديد الهياكل القطاعية عنها، كالنسيج والتعليم العالي والتعليم الخاص والنقل بكل أصنافه وغيرها، بالإضافة إلى شلل تام في بعض هياكله، كالإتحاد الجهوي للأعراف بالمهدية الذي حصل خلاف بين أعضاءه، وتم رفعه للقضاء للبت فيه.
ولكن القضاء رفض البت في الخلاف الحاصل بين أعضاء اتحاد الأعراف الجهوي بالمهدية، باعتبار ان لجنة الطعونات والاخلاقيات صلب المنظمة لم تجتمع بخصوص الاشكال ولم تبد رأيها فيه قبل إحالته للقضاء كما تنص القوانين الداخلية لمنظمة الأعراف، وفق العريبي الذي أكد أن الأمثلة على عطالة المنظمة عديدة.
مخالفات منذ البداية
خلال المؤتمر العام السابق، المنعقد في منتصف جانفي 2018، تم تجديد الثقة في سمير ماجول كرئيس للغرفة الوطنية للمصبرات الغذائية، وإنتخاب مكتب تنفيذي جديد آلت فيه رئاسة المنظمة لماجول كذلك، خلفا لوداد بوشماوي، بعد توزيع المهام صلب المكتب التنفيذي الجديد لإتحاد الأعراف.
كان ذلك الاجتماع المخصص لتوزيع المهام، هو الاجتماع الوحيد للمكتب التنفيذي الحالي للمنظمة، ومن حينها إنطلقت مخالفات رئيس إتحاد الاعراف سمير ماجول للقانون الأساسي والنظام الداخلي للمنظمة التي يرأسها والذي يفرض عقد اجتماع المكتب التنفيذي مرة كل شهر، وهو ما لم يحصل، وفق ما أكده لـ”نواة“ عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الأعراف توفيق العريبي.
وكما الحال لعدم التقيد بما تنص عليه قوانين المنظمة في علاقة باجتماعات المكتب التنفيذي، لم يدع سمير ماجول منذ توليه الرئاسة لأي اجتماع لهيئة من هيئات القرار في المنظمة سواء المجلس الوطني المفترض وفق القانون الأساسي عقده مرة كل 6 أشهر والمجلس الإداري الذي يجب عقده مرة كل شهرين، ليتواصل ذلك التمشي إلى حدود اليوم وينتهي بغلق ماجول باب المنظمة على نفسه. هذا وقد حاولت ”نواة“ التواصل مع رئيس منظمة الأعراف سمير ماجول للحصول على توضيح منه حول أسباب تأخر انعقاد المؤتمر العام للمنظمة، إلا أنها لم تتحصّل على أي ردّ.
مخاوف من الإقصاء
عدم إنعقاد سلطات القرار بعد المؤتمر العام السابق لاتحاد الأعراف، أدى إلى عدم انتخاب لجنة الأخلاقيات والطعون، وهي التي تضمن حسن أخلاقيات المسؤولين في الإتحاد وتقصي من النشاط كل من تعلقت به ممارسات لا تحترم أخلاقيات المهنة أو جرائم اقتصادية كالاحتكار والوفاق الإجرامي على الأسعار، وهي تضمن أيضا ديمومة المنظمة لأنها تعد انتخابات كل الهياكل للمؤتمر المقبل. وتُرجع بعض الأطراف داخل المنظمة عدم إنتخاب لجنة الأخلاقيات والطعون بعد المؤتمر العام الـ16 لاتحاد الأعراف، إلى تفادي سمير ماجول احتمالية إقصائه من منصبه نظرا للحكم الصادر ضده من مجلس المنافسة لارتكابه جريمة الإخلال بقواعد المنافسة كرئيس للجامعة الوطنية للمصبّرات الغذائية.
في 10 ماي سنة 2018 أصدر مجلس المنافسة قرارا، تحصّلت ”نواة“ على نسخة منه، بإدانة 24 شركة متخصّصة في إنتاج معجون الطماطم والغرفة الوطنية للمصبّرات الغذائية التي تضمّهم، على إثر ثبوت إتباعهم سلوكا تجاريا مخلاّ بالمنافسة عبر إقرار اتفاق بينهم يقضي بترفيع وتوحيد الأسعار في معجون الطماطم، بعد أبحاث وتقصي قام بها مجلس المنافسة لحوالي 4 سنوات.
الصفحة لى والصفحة الأخيرة من قرار مجلس المنافسة بإدانة شركات معجون طماطم اتفقت على ترفيع الاسعار وتوحيدها.
حيث تعود القضية التي تم البتّ فيها سنة 2018، إلى سنة 2014 تاريخ تقدّم المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بشكاية إلى مجلس المنافسة بوجود تسعيرة موحدة على كافة أصناف وماركات الطماطم المروجة بالسوق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2014، أي مباشرة بعد إنهاء العمل بالنظام الإستثنائي المتعلّق بالتحكم في سعر الطماطم المعجونة الذي تم العمل به بين سنتي 2010 و2013. كما أصدرت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية، حُكما في 14 جويلية 2020 تحصّلت ”نواة“ على نسخة منه، ينصّ على تثبيت قرار مجلس المُنافسة وما خلص إليه من وجود اتفاق بين شركات إنتاج الطماطم، ومن بينها شركة تعود لعائلة سمير ماجول ويديرها بنفسه، رافضة بذلك إستئناف الغرفة الوطنية للمصبرات الغذائية التابعة لمنظمة الأعراف لقرار مجلس المنافسة ضدّها.
الصفحة الأولى والصفحة الأخيرة من قرار الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية رفض استئناف غرفة المصبرات وتثبيت قرار مجلس المنافسة في حق 24 شركة من بينها شركة سمير ماجول
مخاطر في التصرّف في أموال المنظمة
كما تشمل أهم الاخلالات التي شهدتها منظمة الأعراف خلال عُهدة رئيسها الحالي سمير ماجول عدم إنتخاب لجنة مهمة أخرى، وهي لجنة الرقابة المالية والتصرف في المال العام، والتي تضطلع بمراقبة التسيير المالي اليومي للاتحاد، وتقدم تقاريرها الى المكتب التنفيذي والمجلس الوطني وتقترح الموافقة على الميزانية وعلى المصاريف والحسابات، بالإضافة الى تعيين مراقب الحسابات باقتراح من المكتب التنفيذي.
عدم انتخاب هذه اللجنة يعني أنها لم تعيّن مراقب الحسابات حسب ما ينص عليه القانون، وبالتالي فليس لتقاريره أي صبغة قانونية أو شرعية ولا يمكن اعتمادها من أي جهة كانت، وفق ما أفضت إليه استشارة قانونية قامت بها الجامعة الوطنية لمؤسّسات البناء والأشغال العمومية التابعة لمنظمة الأعراف وتحصلت ”نواة“ على نسخة منها، والتي خلصت كذلك إلى ان الغياب التام للجنة الرقابة المالية ينزع كل الشرعية عن التصرف في أموال الإتحاد وخصوصا الجزء المتأتي من المال العام ويفاقم خطر المحاسبة الجزائية خاصة بعد إنتهاء العُهدة الحالية.
فالمنظمة، التي تصنفها الدولة كأحد المنظمات الوطنية الثلاثة، مع كل من إتحادي العمال والفلاحة، تتمتع بدعم عمومي من مال دافعي الضرائب يبلغ سنويا حوالي 5 مليون دينار، وهو ما يجعل التصرف فيه معقدا وخاضعا للقوانين الداخلية للمنظمة والقوانين الوطنية، وفق ما أفضت إليه تلك الإستشارة التي تمت لدى مكتب مختصّ في التوقي من المخاطر.
وقد دعت جامعة مؤسسات البناء، إثر عرض نتائج تلك الإستشارة على منظوريها خلال جلسة عامة عادية مُنعقدة في ماي الماضي، رئيس اتحاد الأعراف ومكتبه التنفيذي، إلى الإسراع في تحديد موعد انعقاد المؤتمر الـ17 لتجاوز تلك الوضعية المُقلقة والمثيرة لشبهات عديدة.
سوء حوكمة منذ تولي ماجول
منظّمة أنا يقظ تعرضت للوضع بمنظمة الأعراف في بيان صادر عنها في 29 ديسمبر 2021، وندّدت بالوضع الّذي يشهده اتحاد الأعراف:
من سوء حوكمة وتصرّف خلال مدّة تولي سمير ماجول للرئاسة في جانفي 2018 حيث لم يقم بدعوة المجلس الوطني للإنعقاد منذ ذلك التاريخ بالرغم من أن النظام الأساسي يفرض اجتماعه مرة كل 6 أشهر على الأقل نظرا لكون المجلس الوطني أعلى هيئة في الإتحاد حسب القانون الداخلي فهو الّذي ينظر ويصادق على الميزانيّة السنويّة وينتخب الهيئات.
وأضافت أنا يقظ أن ”عدم انتخاب أعضاء لجنة الرقابة الماليّة يجعل كلّ التقارير الماليّة للاتحاد الّتي لم يتمّ اعدادها خارجها هي تقارير باطلة وغير شفّافة“، كما أشارت المنظمة إلى ما رأت فيه عمل سمير ماجول على ”تحصين نفسه ضدّ أي إجراءات تأديبيّة وعقابيّة خاصة أنّ شركة مصبرات ”ماجول“ أدينت من قبل مجلس المنافسة بجريمة القيام بممارسات مخلّة بالمنافسة مما أدى إلى ارتفاع سعر علبة الطماطم بنسبة 75% بين سنتي 2014 و2017“.
كما تعرّضت الجمعية في نفس البيان إلى قرار وزارة التجارة وتنمية الصادرات، خلال فترة تولي هشام المشيشي لرئاسة الحكومة، بدعم معجون الطماطم عند التصدير من مال دافعي الضرائب متسائلة عن دور إتحاد الأعراف ورئيسه في كواليس إتخاذ قرار دعم معجون الطماطم عند التصدير الصادر في 22 فيفري 2021.
كما طالبت أنا يقظ وزارة التجارة وتنمية الصادرات بتطبيق قرارات مجلس المنافسة على الشركات المتورطة في الممارسات المخالفة للقانون ومزيد العمل على البحث في السلوكات المخلة بالمنافسة في قطاعات أخرى، ووجهت دعوة لمحكمة المحاسبات بالتعهّد والقيام بمهمة تفقد رقابيّة على حسابات وتصرّف منظمة الأعراف.
موفّى أكتوبر 2024، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيس اتحاد الأعراف سمير ماجول بقصر قرطاج ليذكّره بحرص الدولة على تأمين الشروط الضرورية التي تكفل للباعثين الخواص بأن يعملوا في ظلّ مناخ آمن بعيدا عن الابتزاز أو التوظيف، لقاء دعا فيه سعيّد رئيس اتحاد الأعراف إلى الانخراط الكامل في معركة التحرير الوطني بالتخفيض في الأسعار، في حين أن مجلس المنافسة والمحكة الإدارية أدانا ماجول وشركته وغرفة المصبّرات التي ترأسها بالتوافق على الترفيع في الأسعار وتوحيدها في ضرب صريح للمنافسة. شهر قبل ذلك اللقاء، كان ماجول قد صعد إلى رئاسة اتحاد الغرف العربية للصناعة والتجارة والزراعة المنعقد بالدوحة خلفا للبحريني سمير عبد الله ناس مؤكدا أنه سيضع تجربة اتحاد الاعراف التونسي ورصيده في خدمة اتحاد الغرف العربية. هذا التناقض الصارخ بين ما تروجه البيانات الرسمية والواقع المثبت بالحجج والبراهين يغنينا عن أي تعليق إضافي في علاقة بواقع اتحاد الأعراف وحالة العطالة التي تكبل هياكله.
iThere are no comments
Add yours