mehdi-jomaa-ghannouchi

بقلم خولة العشي،

في حين يتساءل عدد من أعضاء المجلس التّأسيسي ومن بينهم سامية عبو المنشقة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة عن الجهة التي تقف وراء تعيين مهدي جمعة وحكومته إثر إجبار حكومة الترويكا على الإستقالة، تتردّد مؤخّرا تصريحات تفيد بإمكانيّة مواصلة حكومة جمعة لمهامّها بعد الإنتخابات القادمة، الأمر الذي لم يجد له العديد تفسيرا مقنعا خصوصا وأنّ أغلب الأطراف السياسية تنتظر الإنتخابات القادمة لتحاول الفوز بكراسي السّلطة بدعوى قدرتها على إنقاذ البلاد من الأزمات التي تمرّ بها.

إمكانية مواصلة مهدي جمعة وحكومته لمهامّهم بعد الإنتخابات هي فرضيّة جاء على لسان رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي يوم 4 ماي الفارط الذي قال في تصريح إذاعيّ :

إذا حققت حكومة المهدي جمعة نتائج طيّبة وأثبتت نجاحها في قيادة البلاد، فلا مانع في بقائها على رأس السلطة بعد الإنتخابات وهذا الأمر هو موضوع توافق خصوصا وأنّ تونس غير مهيأة في هذه الفترة لحكم الحزب الواحد.

رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي

غير أنّ الغنوشي لم يذكر الأطراف التي تتوافق مع حزبه في هذا الطّرح.

يوم 6 ماي الجاري أكّد القياديّ بحزب نداء تونس محسن المرزوقي في تصريح إذاعيّ أيضا أنّ حزبه لا يمانع في بقاء حكومة مهدي جمعة في الحكم في حال نجاحها وذلك بقطع النظر عن نتائج الإنتخابات القادمة، نافياً أن يكون قد تمّ التنسيق مع حركة النهضة في هذا الخصوص.

هذا التطابق في المواقف بين الحزبين الأكثر شعبيّة في تونس بخصوص مسألة الإبقاء على حكومة بن جمعة إثر الإنتخابات يبدو غامضا للبعض ويطرح أكثر من تساؤل حول ما وراء هذا الموقف وإمكانيّة وجود ضغوط خارجية للإبقاء على مهدي جمعة وحكومته، والأهم هو التساؤل عن جدوى الإنتخابات القادمة إن لم تفضي إلى حكومة جديدة بناءا على ما سيختاره الشعب.

وبالعودة إلى دستور تونس الجديد نذكّر أنّ تعيين الحكومة بعد الإنتخابات القادمة يتمّ بناء على الفصل 89 الذي ينصّ على الآتي:

تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتيْ الخارجية والدفاع.

في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الإنتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يُعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها.

الفصل 89

وحول حقّ أعضاء المجلس النواب القادم في المشاركة في الحكومة القادم ينصّ الفصل 90 من الدّستور على التّالي:

يُمنع الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية مجلس نواب الشعب. ويضبط القانون الإنتخابي كيفية سدّ الشغور.

ولا يجوز لرئيس الحكومة ولا لأعضائها ممارسة أية مهنة أخرى.

الفصل 90

الفصل 89 يفسّر إذا إمكانيّة إعادة تزكية حكومة بن جمعة قانونيا ودستوريا رغم أن الإتفاق الذي تمّ في إطار الحوار الوطني يمنعه وأعضاء حكومته من التّرشّح للإنتخابات. فرغم عدم ترشّحهم إلاّ أنّ الأغلبية النيابية بإمكانها لاحقا أن تقوم بتعيينهم. وهنا يمكن الحديث عن إغفال الحوار الوطني أو تغافله عن التنصيص على منع البرلمان القادم إعادة تعيين حكومة التكنوقراط التي تمّ تعيينها فقط من أجل تصريف أعمال البلاد في الفترة التي تسبق الإنتخابات.

أمّا الفصل 90 فقد يقدّم ربّما تفسيرا منطقيّا لقرار كل من حركة النهضة ونداء تونس مساندة فرضية بقاء حكومة مهدي جمعة بعد الإنتخابات. فالدستور الذي أفرز نظام حكم شبه برلماني حسب تصريح عدد من أساتذة القانون الدّستوري ترجّح كفّة النائب بخصوص أخذ القرارات الهامة والتحكم في مصير البلاد على كفّة عضو الحكومة الذي يبقى محل مساءلة وتتبع من البرلمان وتبقى إمكانية سحب الثقة منه واردة وسهلة التنفيذ.

ورغم تعارض تصريحات ممثلي حزب النداء وحركة النهضة حول حصول توافق بينهما بخصوص مسألة الإبقاء على حكومة بن جمعة فإنّ التفسير المنطقي الوحيد الذي يمكن أن يشرح أسباب تبنّي هذا الموقف المشترك هو عدم توصّل الحزبين إلى اتفاق يقضي بإحداث حكومة مشتركة تجمعهما نظرا لعدم وجود نقاط التقاء في مواقفهما وايديولوجيتمها، وهما المرشّحين للحصول على نسب متقاربة في الإنتخابات القادمة. فترشيح حكومة مهدي جمعة سيجنّبهما ربّما أي صراع حول تشكيل الحكومة القادمة ويجنّبهما خصوصا الإضطرار إلى الدخول في تحالفات لا تناسب توجهاتهم.

من جهة أخرى قال النّائب في المجلس التّأسيسي عبد الوهاب معطر عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في تصريح لنواة أنّ :

التوافق بين حركة النهضة وحزب النداء يعود لتأثر هذين الحزبين بإملاءات “المصالح الأجنبية” التي تفرضها بعض الدول التي تسعى لاستغلال ما تمر به البلاد من أزمات لوضعها تحت وصايتها. وتدخل هذه التوافقات في إطار مساعي أطراف عديدة لإعادة إنتاج المنظومة القديمة بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقتصادي.

عبد الوهاب معطر

كما وضّح معطر أنّ ” حكومات التكنوقراط التي قبل بها حزب المؤتمر تحت ضغط التخويف من الفراغ تشكّل عادة لتنفيذ أجندات خارجيّة ترفض الحكومات ذات المشاريع السياسية تنفيذها نظرا لأنها تتعارض مع المبادئ الأساسية والتي من أهمّها : المحافظة على سياسة الدولة، الحفاظ على النسق الثوري والانسجام بين التونسيين في إعادة الإعمار بإمكانيات ذاتيّة تضمن حقوق المهمّشين والجهات الدّاخليّة.” كما أضاف ” إنّ حركة النّهضة، دخلت في توافقات مع قوى مضادة للثورة نتيجة إكراهات داخلية وخارجيّة ضمانا لمصالح حزبيّة ضيقة جدّا وقراراتها تخصّها وحدها ولا تلزم بقيّة الاحزاب التي ستعمل إثر الإنتخابات على تشكيل حكومة غير خاضعة لأيّة إملاءات.”