ghannouchi-essebsi-tiers-blocage

اعترفت حركة النهضة إثر صدور نتائج الإنتخابات التشريعية 2014 بهزيمتها أمام حزب نداء تونس وهنّأت منافسها السياسي بالفوز. هذه الهزيمة التي لم تكن متوقّعة لدى قيادات النّهضة وأنصارها، أحدثت نقلة نوعية في المشهد السياسي. فالإستقطاب الثنائي الذي فرضته المنافسة بين حزبي حركة النهضة ونداء تونس طيلة السنتين الماضيتين وتقارب نسب نجاحهما لدى تقارير المنظمات المهتمة بسبر الآراء جعل من إمكانية التكهن بفوز أحدهما أمرا غير ممكن. نتائج الإنتخابات أخذت بعدا سياسيا واجتماعيا أيضا حيث اعتبره البعض فوزا للفكر التقدمي أو “البورقيبي” مقابل تراجع تأثير “المشروع الديني.”

يمنح دستور تونس الجديد حسب الفصل ال89 منه للحزب أو الإئتلاف الحزبي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس نواب الشعب الحق في تكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. ويمكّن هذا النصّ الدستوري حزب نداء تونس – في صورة عدم وجود منافسة من طرف إئتلافات حزبية أخرى – من تشكيل الحكومة القادمة. وقد كان القيادي بحزب النداء لزهر العكرمي قد طمأن أنصار حزبه، خلال تصريحات إعلامية، بحصول حزبه على الأغلبية الكافية التي تمنحه الحق في تعيين الحكومة الجديدة. هذا في حين لم تكن مساعي حركة النهضة في هذا الإتجاه هامّة بما يكفي للحديث عن إمكانية نجاحها في استقطاب عدد كاف من الفائزين في الانتخابات التشريعية من أجل تشكيل الحكومة. وقد تحدّث عدد من قياديي حركة النهضة عن إمكانية تموقع حركة النهضة ككتلة معارضة في البرلمان القادم.

بعض المتابعين للشأن السياسي من المقرّبين لحركة النهضة حاولوا التقليل من أهمية هذه الهزيمة. تحدّث البعض عن القوة التي ستميّز عمل حركة النهضة ككتلة معارضة، في حين أكّد آخرون أنّ حصول حركة النهضة على “ثلث” المقاعد بالمجلس التأسيسي (73 مقعدا) بضم بعض مسانديها من الفائزين في الانتخابات إلى صفوفها، سيمكّنها من تعطيل بعض قرارات الكتلة الفائزة استنادا إلى ما يخوّله الدستور ل”ثلث” النواب من بعض إمكانيات الأخذ بزمام القرارات النيابية. ولفهم مدى “هذه القوة النيابية” التي يمنحها الحصول على ثلث المقاعد كان من الضروري العودة إلى ما جاء به الدستور في هذا الخصوص، هذا النص الذي ساهمت حركة النهضة، بحصولها على الأغلبية في انتخابات 2011، في التأثير على أغلب ما جاء فيه.

ثلث ” غير معطّل”

تحدّثت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مؤخّرا عن قدرة حركة النهضة، بحصولها على “الثلث المعطّل” في مجلس نواب الشعب، على تعطيل المصادقة على القوانين الأساسية. وبالعودة إلى ما جاء في الدستور في هذا الخصوص فإنّ الفصل 64 يفنّد هذه المعلومة حيث ينص على أنّ التصويت على القوانين الأساسية يتمّ بالأغلبية المطلقة لا بأغلبية الثلثين.

يصادق مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضائه على مشاريع القوانين الأساسية، وبأغلبية أعضائه الحاضرين على مشاريع القوانين العادية، على ألّا تقل هذه الأغلبية عن ثلث أعضاء المجلس.
الفصل 64

ووضّح الخبير في القانون الدستوري شوقي غداس في تصريح ل”نواة” كيفية استفادة الكتلة الحاصلة على “الثلث المعطّل” من هذه “الورقة الرابحة” خلال تفاعلها في إطار مهمتها البرلمانية. ووضّح غداس أن الحصول على “الثلث المعطّل” يقتضي الحصول على 73 مقعدا في مجلس الشعب التونسي الذي يتركب من 217 نائبا. وتستفيد الكتلة الحاصلة على هذا العدد من المقاعد من هذه الميزة فيما يتعلّق أساسا بالتصويت على الفصول التي تتطلّب موافقة أغلبية الثلثين. فبحصول حركة النهضة مثلا على 73 مقعدا يستحيل على بقية الكتل مجتمعة تحصيل ثلثي مقاعد البرلمان وبالتالي فإن التصويت على القوانين والقرارات التي تتطلب أغلبية الثلثين يبقى رهين موافقة حركة النهضة.

وبالعودة إلى فصور الدستور، فإنّ مجال استخدام حركة النهضة ل”الثلث المعطل” ينحصر في بعض الإجراءات من بينها نذكر ما جاء في الفصل 88:

يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التتبعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى.
الفصل 88

ويبيّن هذا الفصل قدرة حركة النهضة في صورة حصولها على “الثلث المعطل” على وقف قرار إعفاء رئيس الجمهورية إذا قرّرت الأغلبية في مجلس الشعب عزله. وبالنّظر إلى واقع الإستقطاب الثنائي الذي تشهده الانتخابات الرئاسية، فإن فرضية إمكانية حصول لائحة لوم من أغلبية المجلس النيابي المُقبل ضد رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي في حالة فوره بالرئاسية تبدو غير ممكنة، على خلاف المنصف المرزوقي، المرشح “الخفي” لحركة النهضة، حيث يمكن أن تنطبق عليه هذه الفرضية مما يمكّن حركة النهضة من تعطيل عملية إعفائه في صورة حدوثها.

وتبرز محدودية فعالية “الثلث المعطل”، الذي من المرجح أن تحوزه النهضة، في مسألة إعفاء الحكومة. وينص الدستور على قدرة ثلث نواب مجلس الشعب على رفع لائحة لوم لإقالة الحكومة غير أن هذه الإقالة لاتتمّ إلاّ بموافقة أغلبية نواب الشعب أي 109 صوت. وينسحب هذا التنصيص أيضا على مقترح إقالة أحد أعضاء الحكومة.

ويوضّح الفصل 97 من الدستور هذه المسألة كالآتي:

يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس.
ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89.
في صورة عدم تحقق الأغلبية المذكورة، لا يمكن أن تقدم لائحة اللوم مجددا ضد الحكومة إلا بعد مُضي ستة أشهر.
يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة بعد طلب معلل يقدم لرئيس المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، على أن يتم التصويت على سحب الثقة بالأغلبية المطلقة.
الفصل 97

ووضّح الخبير في القانون الدستوري شوقي غداس أيضا لنواة أنّ إمكانيات استعمال أية كتلة نيابية ل”الثلث المعطّل” ضعيفة جدا نظرا لأنّ أهم القرارات والقوانين التي نص عليها الدستور تتمّ المصادقة عليها بالأغلبية المطلقة. وبيّن غداس أنّ حديث بعض قياديي حركة النهضة عن اختيارهم البقاء في المعارضة لا يعود حقا لقرار سياسي بل هو حقيقة فُرضت على هذا الحزب بحكم عدم تقديم حزب نداء تونس الفائز في الانتخابات التشريعية لأي مقترح تحالف مع حركة النهضة ممّا يجعلها آليا في صفّ المعارضة.

حركة النهضة توضّح: لا نرغب في التّعطيل

في حديث أجرته معه نواة أكّد عضو مجلس شورى حركة النهضة نجيب الغربي أنّ تموقع الحركة في المعارضة ليس اختيارا بل يعود لما فرضته نتائج الإنتخابات. وبيّن أنّ حركة النهضة التي حصلت على 69 مقعدا لم تجد صعوبة في الوصول إلى العدد الذي يمكنها من بلوغ الثلث النيابي متكتما على هوية النواب الجدد الذين قدّموا هذا الدعم للحركة.

وأكّد الغربي أنّه “رغم حصول حركة النهضة على هذا الثلث فهي لا تُبيّت النية لتعطيل أي أطراف أو حكومات، بل هي تعمل على تباحث الطرق الكفيلة بجعلها طرفا قادرا على المساهمة في إنجاح الحكومة والبرلمان القادمين.”

وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد أكّد في تصريح لإحدى الصحف اليومية أنّ “النهضة سوف تكون الثلث الميسّر وليس المعطّل، فحركة النهضة منفتحة على كل المبادرات التي تضمن مصلحة البلاد.” فهل يمكن اعتبار هذا الخطاب “العقلاني” الذي انتجهته حركة النهضة منذ إسقاط حكومتها وتعيين “حكومة التكنوقراط” بالبراغماتية السياسة لحركة مارست الحكم، أم أنه يدخل في خانة سياسة تلميع صورة الحزب داخل تونس وخارجها. فحملات التشويه التي طالت الحركة في السنتين الفارطتين بسبب اتهامها بالتهاون في مكافحة الإرهاب أو دعمه، والتخويف من عودتها للساحة السياسة سواء في الحكومة أو في المعارضة يبدو أنها أجبرت قيادة النهضة على انتهاج خطاب فيه الكثير من “التسامح” والتنازلات والدعوة إلى الحوار والتوافق.

فحركة النهضة التي تطمئن التونسيين بأنّها لن تستعمل “الثلث المعطّل” ضدّ مصلحة البلاد، هي فعليا غير قادرة على التعطيل بالنظر إلى عدم أهمية هذا “الثلث” فيما يتعلق بالقوانين والقرارات الهامة. وحين يطمئن رئيس حركة النهضة الشعب التونسي بما لا يخيف سياسيا وقانونيا ودستوريا، في حين أنه كان من الأجدر أن يوضّح قدرة حزبه على استعمال هذا ال”ثلث” إذا اقتضت مصلحة البلاد ذلك، فإنّ ما يمكن أن يقال عنه هو “مكره أخاك لا بطل.”