ugtt-fmi

في انتظار جلسة المصادقة على قانون المالية لسنة 2017، ومع اشتداد الأزمة وتزايد الخلافات بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد منذ نشر مشروع قانون المالية في 15 أكتوبر الفارط، أصدر صندوق النقد الدولي بيانا تضمّن الاستنتاجات الأولية المستخلصة من زيارة بعثته الخاصّة إلى تونس خلال الفترة الممتدّة بين 28 أكتوبر و10 نوفمبر من السنة الجارية. وتتمثّل مهمّة هذه البعثة في معاينة مدى تقدّم تنفيذ الحكومة التونسيّة للنقاط الواردة في اتفاق ”تسهيل الصندوق الممدد“ القاضي بإسناد قرض بقيمة 2.8 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة، إضافة إلى التباحث حول الإصلاحات الاقتصادية الأساسية في المرحلة المقبلة.

هذه الزيارة التي تتزامن مع احتدام جولة لي الأذرع بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول الإجراءات الخاصّة بتجميد الأجور والتراجع عن الزيادات المقرّرة لسنتي 2016 و2017 في مشروع قانون المالية المنتظر، زادت من حالة الاحتقان باعتبارها تأتي في سياق تكثيف الضغط على الحكومة للمضي قدما في تبنّي مشروع المالية ودفعها ربّما لمزيد التصلّب إزاء الاتحاد العام التونسي للشغل.

صندوق النقد الدولّي يحثّ على التسريع في تنفيذ إملاءاته

أصدرت بعثة صندوق النقد الدولي التي ترأسها بيورن روتر في 11 نوفمبر 2016، بيانا بخصوص الاستنتاجات الأولية المستخلصة بعد زيارتهم لتونس خلال الفترة الممتدة بين 28 أكتوبر و10 نوفمبر الجاري. هذه الزيارة الثانية بعد أقلّ من أربعة أشهر من المهمّة الميدانية التي أدّاها فريق خاص من نفس الهيئة المالية الدولية خلال منتصف شهر جويلية الفارط، كان الهدف الأساسي منها بحسب البيان المنشور متابعة نسق تقدّم السلطات التونسية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ومناقشة السياسات اللازمة لاستكمال المراجعة الأولى لبرنامج تونس الاقتصادي في ظل اتفاق ”تسهيل الصندوق الممدد“ إضافة إلى وضع الأولويات قصيرة الأجل بهدف احتواء الزيادات السريعة في الدين العام الذي تتجاوز 60% من إجمالي الناتج المحلي.

الانطباع العام لبعثة صندوق النقد الدولي حسب البيان الأخير، كانت الرضا بشكل عام عن ”الانضباط“ التونسي في تنفيذ حزمة الإجراءات المقترنة باتفاقية القرض الأخير، خصوصا بعد تسريع عمليات المصادقة على مشاريع القوانين الخاصّة بالقطاع المالي والبنكي ومجلّة الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ. لكنّ البيان نقل من جهة أخرى مطالبة الحكومة التونسية بالإسراع في المضي قدما نحو تبنّي مشروع قانون المالية لسنة 2017، وإقرار إجراءات ضريبية جديدة واعتماد استراتيجية شاملة ”لإصلاح الوظيفة العمومية“ وفق ملحق ”الخلاصات الاولية لمهمة 12-19 جويلية 2016“ الصادر في 16 جويلية 2016 والتّي تمّ تضمينها في مشروع الميزانية العمومية للدولة لسنة 2017.

الحكومة بين ضغط صندوق النقد الدولي والمواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل

ورقة خبراء صندوق النقد الدوليّ حول استراتيجية هيكلة قطاع الوظيفة العمومية، تمّ تبّنيها بشكل شبه كامل في مشروع قانون المالية لسنة 2017. وللتذكير، نصّ مشروع الميزانية في ملحق الأحكام العامّة على تأجيل صرف قسط سنة 2017 بعنوان البرنامج العام للزيادات في الأجور والمقدّرة ب600 مليون دينار، إضافة إلى تأجيل صرف قسط سنة 2017 بعنوان البرنامج الخصوصي للزيادات في الأجور بقيمة 315 مليون دينار. هذه الإجراءات تتناقض مع الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول الترفيع في الأجور في القطاع العام.

بعد يومين من تقديم مشروع المالية لسنة 2017، أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا عبّر من خلاله ”عن رفضه المطلق لكلّ الإجراءات التي سبق أن حذّر من اتخاذها والتي جاءت في مجملها مثقلة لكاهل الأجراء وعموم الشّعب معمّقة للحيف المسلّط عليهم“، وليخصّ منها بالذكر تأجيل الزيادات في القطاع العام وفق الاتفاقات السابقة. كما اعتبر أنّ الحكومة انحرفت عن النقاط الواردة في وثيقة قرطاج و”التفّت على ما تضمّنته من تعهّدات والتزامات“. كما ندّد الاتحاد بما اسماه بالخضوع للإملاءات الخارجية المجحفة، محمّلا ”الحكومة وكلّ الأطراف المشكّلة لها مسؤولية زعزعة الاستقرار الاجتماعي“، ليختم بدعوة ”كلّ الشغّالين في جميع القطاعات إلى التجنّد للدّفاع عن حقوقهم ومنع تحميلهم فشل السياسات المتّبعة وفرض احترام التعهّدات. ويدعو كلّ الهياكل النقابية إلى التعبئة والاستعداد للنضال من أجل حقوق العمّال بكلّ الطرق المشروعة.“

المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، لم يكتفي بالبيان الأوّل، إذ تجنّد أعضاؤه لتحشيد النقابات والمنخرطين واعدادهم لجولة محتملة من التصعيد ضدّ حكومة يوسف الشاهد. وقد تواصلت التحرّكات النقابيّة منذ منتصف شهر أكتوبر الفارط في عدد من الجهات عبر وقفات احتجاجية واجتماعات خطابية ترأسها عدد من أعضاء المكتب التنفيذي في عدد من الجهات على غرار نابل وسوسة ومدنين والكاف والقصرين وغيرها. وفي نفس الإطار، دأب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على توجيه الرسائل التحذيرية للحكومة في مختلف الوسائل الإعلاميّة، محذّرا من عواقب التعنّت في مسألة تجميد الزيادات وليشدّد على موقف الاتحاد من هذه القضيّة موضحا أنّه لا تراجع عن الاتفاقيات المبرمة ورافضا لأي حوار مع الحكومة ما لم تسقط خيار تجميد الأجور. كما لم تنجح الوساطات في تليين موقف المنظّمة النقابية، حيث لم يفضي الاجتماعان اللّذان جمعا رئيس مجلس النواب محمد بالناصر والأمين العام للاتحاد حسين العبّاسي في تقريب وجهات النظر أو تخفيف الاحتقان.

أمّا بخصوص المهمّة الأخيرة لصندوق النقد الدولي، فقد علّق الاتحاد العام التونسي للشغل على صفحته الرسمية مساء اليوم الاثنين 14 نوفمبر 2016، مبيّنا أنّ موقفه من مسألة تجميد الزيادات في الأجور ثابت لم يتغيّر، وأنّه نقل موقفه بوضوح إلى وفد صندوق النقد الدوليّ، مشدّدا أنّه لن يقبل وساطة هذا الأخير في الأزمة الراهنة ولن يشارك في ايّ وفد يتوّجه نحو هذه الهيئة المالية الدوليّة. وقد فهم الاتحاد العام التونسي للشغل، أنّ البعثة الأخيرة ليست بمعزل عن الأزمة الراهنة بينه وبين الحكومة، بل تأتي في سياق تكثيف الضغط على السلطات لدفع المواجهة قدما وفرض إملاءاتها.

الموقف الحاسم من المحاولة الحكومية لتمرير توصيات صندوق النقد الدولي بخصوص إعادة هيكلة الوظيفة العمومية، والتصعيد الأخير تجاه صندوق النقد الدولي، قبيل أيّام من مناقشة مشروع قانون المالية في مجلس النواب في 18 نوفمبر الجاري، يضع الحكومة في موقف صعب إزاء أوّل مواجهة حقيقيّة مع المنظّمة النقابية الأكبر في البلاد، خصوصا وأنّ محور الصراع سيكون قطاع الوظيفة العمومية التّي أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل سابقا أنّها خطّ أحمر لن يسمح بالمساس بها تحت أيّ ظرف.