على غرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بدأ منصف الماطري حياته المهنيّة كأحد أفراد النواة الأولى لضبّاط الجيش التونسي الذّين تكوّنوا في المدرسة العسكريّة الفرنسيّة سان سير. هذا الشاب المولود في تونس العاصمة في20 نوفمبر سنة 1934، وعلى عكس “رفيق سلاحه”، اختار مبكّرا أن يخوض تجربة الانقضاض على الحكم لتشهد مسيرته المهنيّة نهايتها سنة 1963 بفشل المحاولة الانقلابيّة على الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة سنة 1962، وقضاء المحكمة العسكريّة بإعدامه رفقة 13 عسكريّا اتُهموا بالمشاركة في هذه العمليّة.

حكم نجا منه هذا الشاب الذي لم يتجاوز سنّه حينها 29 سنة، ليعود مجدّدا بعد 1987 حتى يكون أحد أبرز المقرّبين من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. قرب تحوّل إلى قرابة بعد زواج ابنه صخر الماطري من سيرين بن علي ليبدأ مسيرة جديدة في عالم المال والسياسة، ولتنتهي مجدّدا في المنافي وأروقة المحاكم بعد سقوط صهره وصديق شبابه في جانفي 2011.

العبور من رواق الموت

أقلّ من شهر كان كافيا، ليتغيّر مسار حياة الضابط منصف الماطري مع بدأ الاعتقالات في 19 ديسمبر 1962 حتّى تاريخ النطق بالحكم والقضاء بإعدامه وعدد من رفاقه في الجيش في 17 جانفي 1963، ضمن ما يعرف بالمحاولة الانقلابيّة للأزهر الشرايطي سنة 1962. حكم نُفّذ على عجل فجر 24 جانفي من نفس السنة في حقّ المُدانين، باستثناء المنصف الماطري ومحمد قيزة بعد إبدال حكمهما من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة وليخفّض مجدّدا في حقّ الضابط السابق الماطري إلى 10 سنوات. هذا الشاب الذّي ينحدر من عائلة الماطري، لم يكن عمّه سوى محمود الماطري، أوّل رئيس للحزب الحرّ الدستوري الجديد. قرابة لعبت دورا حاسما في انقاذ رأس المنصف وتمتّعه بعقوبة مخفّفة في واحدة من أبرز المعارك التي واجهها بورقيبة للحفاظ على نظامه.

بعد خروجه من السجن سنة 1973 وعزله من منصبه في الجيش، حاول المنصف الماطري استئناف حياته بتأسيس شركة “أدوية” بالشراكة مع شقيقه الطاهر الماطري سنة 1983 تاركا مهنته المتواضعة في شركة تجاريّة، إلاّ أنّ انطلاقته الحقيقيّة كانت بعد ذلك التاريخ بأربع سنوات بعد وصول صديقه زين العابدين بن علي إلى سدّة الحكم في 7 نوفمبر 1987.

الإنغماس في النظام الجديد

العودة المباشرة إلى عالم السياسة لمنصف الماطري كانت سنة 2005 بعد تعيينه في مجلس المستشارين لثلاث سنوات. تعيين جاء مباشرة بعد زواج نجله محمد صخر الماطري من ابنة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي سيرين بن علي سنة 2004. زواج اختلطت فيه علاقات الصداقة القديمة وارتباط عائلة الماطري بمنظومة الحكم ونجاح أعمال منصف الماطري الذي تحوّلت شركته “أدوية” إلى أحد أكبر الشركات المصنّعة للأدوية في البلاد.

علاقة القرابة الجديدة والمباشرة ببن علي، انعكست على أعمال عائلة الماطري وخصوصا محمد صخر الماطري. لكنّ الأب لم يقاوم اغراءات السلطة والنفوذ لينغمس بدوره في أعمال الحاشية وليستغّل مصاهرته للرئيس لينال نصيبه من الثروة.

هذا الأخير لم يكتفي بمجال صناعة الأدوية، فعدا شركته الأمّ التّي تطوّر راس مالها إلى 12.3 مليون دينار سنة 2011، وشركة المواد الصيدلانية المشعة التي أسّسها سنة 2005. انخرط منصف الماطري في لعبة الاستيلاء على الأملاك العموميّة وتغيير صبغتها، من خلال ما أثبتته اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة من تورّطه في تغيير صبغة أراضي في 7 مقاسم بالمنطقة الصناعية “خير الدين” في نوفمبر 2007 والتي اقتناها من نجله صخر الماطري قصد انجاز مشاريع صناعية بسعر 100 دينار للمتر الواحد ومن ثمّ التنصّل من تنفيذ شروط العقد وتحقيق مرابيح ناهزت 850 الف دينار. كما عمد سنة 2006 إلى استغلال قرابته برئيس الجمهورية لاستصدار الامر عدد 1299 وتغيير صبغة عقار من منطقة خضراء الى عمرانية في منطقة البحيرة بعد اقتنائها من شركة البحيرة للتطهير ولاستصلاح والاستثمار التّي تمتلك الدولة نصف رأسمالها محقّقا أرباحا ناهزت 30 مليون دينار.

القضايا المتعلّقة بمنصف الماطري لم تتوقّف عند هذا الحدّ، حيث يواجه تهمة المتاجرة في القطع الأثرية بعد أن تمّ حجز العديد منها في حديقة منزله في شهر ماي 2011. سلسلة من الجرائم انتهت بهذا الضابط السابق في الجيش التونسي إلى الهروب خارج البلاد قبيل أيّام من سقوط نظام بن علي، ومصادرة ممتلكاته التي من أهمّها 30% من أسهم شركة “أدوية” و20% من أسهم شركة المواد الصيدلانية المشعّة إضافة إلى منقولات تابعة إليه بعقاره الكائن بطبربة وأخرى تتعلق بإقامة خليج الملائكة. أمّا المحافظ الماليّة، فلم تستطع الدولة وضع يدها إلا على 4 ملايين دينار.