في الطريق إلى مجلس نوّاب الشعب الذّي قد يتحوّل خلال الفترة المقبلة إلى قبلة السياسيّين والإعلاميّين بعد تدخّل رئيس الجمهوريّة ومحاولته الدفع نحو حسم الصراع تحت قبّة باردو، لم يكن الطقس ليشذّ عن المناخ السياسيّ العام في البلاد التّي تعيش على صفيح ساخن منذ أسابيع. فجأة ومع الخطوة الأولى داخل أروقة البرلمان، يتحوّل الجو المشدود والصاخب الذّي يحاصر الجميع في مواقع التواصل الإجتماعيّ وفي وسائل الإعلام إلى حالة من الهدوء المريب.

يوسف الشاهد، الباجي قائد السبسي و محمد الناصر، 5 جويلية في قصر قرطاج

حركة النهضة على الربوة

كانت المحاولة الأولى للاتصال بأحد نوّاب حزب نداء تونس فاشلة، إذ تفرّق جلّ من قدم منهم بين اللجان بحسب المساعدة الإداريّة التّي لا تعلم متى يعودون ومتى تنتهي اجتماعاتهم. إجابة دفعتنا إلى الانتقال إلى مكتب كتلة حركة النهضة أين التقينا النائب محسن سوداني. كان السؤال الأوّل حول قراءة النائب وكتلته لطبيعة الأزمة السياسيّة الراهنة وارتداداتها على ما يُعرف بمنظومة التوافق، ليجيب محدّثنا قائلا “في البداية لا بدّ من تشخيص الأزمة بدقّة، فالمسألة برمّتها لا تتعلّق بخلاف صلب الإئتلاف الحاكم ولا بصراع بين حركة النهضة ونداء تونس بقدر ما هي خلاف بين شقّ من هذا الحزب والحكومة، من هنا فلا خطر على منظومة التوافق” ليستطرد النائب محسن سوداني مشدّدا “لا بدّ من التأكيد أنّ التوافق لا يعني التماهي، فلحركة النهضة قراءتها وتقييمها الخاصّ لأداء الحكومة وتصوّراتها للحلول الممكنة بالتشاور طبعا مع شركائها في الحكم”. الحديث عن شركاء الحكم نقلنا إلى الحوار الذّي أجراه الباجي قائد السبسي يوم الأحد الفارط، ليعلّق محدّثنا قائلا “تدخّل رئيس الجمهوريّة كان ضروريّا للتقدّم خطوة نحو إيجاد مخرج ما للأزمة. خصوصا وأنّه المؤسّس التاريخيّ لحزب نداء تونس ونعتقد أنّه كان محايدا خلال حواره الأخير واتخّذ مسافة من جميع الأطراف المتنازعة”.

أمّا عن مستقبل رئيس الحكومة ومغزى ممانعة حركة النهضة لتغييره، فيجيب النائب محسن سوداني موضّحا “لا بدّ من التطرّق أوّلا لبعض القراءات الخاطئة التّي تسوّق أنّنا ننتصر ليوسف الشاهد، فنحن لسنا متشبّثين بشخص بعينه، بل ما يعنينا بالأساس هو الاستقرار سواء على مستوى العمل الحكوميّ أو الوضع العام للبلاد”. ويُذكر في هذا السياق أن المكتب السياسي لحركة النهضة أصدر بيانا يوم الاثنين الفارط دعا من خلاله يوسف الشاهد إلى التعهد بعدم الترشح لرئاسيات 2019 والقيام بتحوير وزاري جزئي من ضمنه سد الشغورات الحالية.

مشروع تونس: “أساس الأزمة في منظومة الحكم وآلية التوافق”

من مكتب كتلة حركة النهضة، وفي انتظار انتهاء اجتماعات نوّاب نداء تونس، انتقلنا إلى مكتب حركة مشروع تونس، لنلتقي هناك بالنائب رابحة بن حسين التّي حمّلت الأزمة الراهنة إلى نظام الحكم المعمول به منذ المصادقة على الدستور في جانفي 2014، لتوضّح قائلة “الحزب الأوّل في البلاد بعد الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة السابقة عاجز حتّى عن تمرير بعض القوانين الأساسيّة دون التفاهم مع حركة النهضة”، مضيفة “هذا التوافق أصاب أجهزة الدولة بالشلل وانعكس سلبا على الحكومة والصالح العام ككلّ. وفق المنظومة الراهنة لا أحد يحكم ولا أحد يتحمّل المسؤوليّة ويُحاسَب”.

الموقف الراديكاليّ من منظومة التوافق دفعنا إلى محاولة استجلاء موقف حركة مشروع تونس من حكومة يوسف الشاهد. هنا تقول محدثتنا “موقفنا لم يتغيّر وسنصوّت لصالح سحب الثقة من الحكومة الحالية إذا ما اختار رئيسها القدوم إلى مجلس النوّاب لحسم الأزمة الراهنة”، لتضيف “موقف حركة مشروع تونس ليس ضدّ شخص بعينه بل ضدّ سياسات تسبّبت في تأزّم الواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ وضبابيّة المشهد السياسي، كما نعتبر قرار الشاهد مفصليا في نجاح الضربة الإرهابية الأخيرة نظرا لما انجرّ عن إقالة وزير الداخليّة السابق لطفي ابراهم من ارتباك صلب المؤسّسة الأمنية”. مع انتهاء حوارنا مع النائب رابحة بن حسين توجّهت مجدّدا إلى مكتب كتلة نداء تونس وهو الطرف الرئيسيّ في الأزمة السياسيّة الراهنة. ومرّة أخرى تعلمني مساعدة إداريّة ثانية أنّ النوّاب أنهوا أشغال اللجان، لكنّهم مشغولون باجتماع داخلي آخر مع رئيس الكتلة سفيان طوبال إلى أجل غير معلوم. اعتبرت هذه الإجابة رفضا لبقا للحديث معنا.

المعارضة: “معركة الشقوق لا تعنينا ولن نكون أدوات لتصفية حسابات”

في الطريق إلى المشرب اعترضني النائب عن كتلة التيّار الديمقراطيّ نعمان العشّ، فاغتنمت الفرصة لأسأله عن قراءته لطبيعة الأزمة الراهنة، فأجاب “من المفروض أن تدعم الأحزاب الحاكمة هذه الحكومة كي يتحقّق حدّ أدنى من الانسجام الذّي يمكّنها من تحقيق برامجها الإنتخابيّة. لكنّ الصراع اليوم يُدار وفق منطق الغنيمة حول الإستحقاق الانتخابي لسنة 2019”. أمّا عن تدخّل رئيس الجمهوريّة يوم الأحد الفارط فقد علّق النائب نعمان العشّ قائلا “الباجي قائد السبسي جاء ليُحمّل المسؤوليّة للجميع ولكنّه استثنى نفسه منها. في حين أنّه طرف فيها، فهو من جاء بوثيقة قرطاج 1 التّي أزاحت رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد وأتت بيوسف الشاهد إلى القصبة” ليسترسل محدّثنا موضّحا وجهة نظره بخصوص دعوة رئيس الدولة رئيس الحكومة الحالي إلى الاستقالة أو التوجّه نحو مجلس نوّاب الشعب لتجديد الثقة، قائلا “هذه مجرّد مناورة سياسيّة. فالرئيس نسي أو تناسى الفصل 99 الذّي يُخوّل له عرض الحكومة على البرلمان لتجديد الثقة، إذ تجاهل الرئيس الإشارة إليها في حواره المتلفز ولم يتبادر للصحفيّيْن الذّين حاوراه أن يطرحا السؤال”.

في المقابل، يؤكّد محدثنا أنّ “التيّار الديمقراطيّ لن يسمح باستغلاله في هذا الصراع، نحن لم نرشّح يوسف الشاهد ولم نُصادق على حكومته وغير معنيّين بإزاحته أو تجديد الثقة فيه. إذ أننا على يقين أنّ هذا الصراع لا يعني المعارضة بشكل مباشر فهي معركة بين أجنحة الإئتلاف الحاكم”. هذا الموقف يتماهى مع ما ذهب إليه النائب عن الجبهة الشعبية نزار عمامي، الذي أعطى المعركة عنوانا واحدا قائلا “يتمحور الصراع حول طموحات يوسف الشاهد المرتبط بحركة النهضة ودوائر النفوذ المالي الدوليّة من جهة والاستعداد لعمليّة التوريث في معسكر حافظ قائد السبسي وأبيه من جهة أخرى”، مضيفا “رحيل الشاهد صار أمرا ضروريا، وحتى حركة النهضة قد بدأت في بعث إشارات توحي بإمكانيّة التخلّي عنه وما تمارسه من عمليّة تمطيط في حسم موقفها ليس سوى مناورة لنيل المزيد من الضمانات والمكاسب في أي حكومة مرتقبة”.

في الطريق إلى باحة الاستقبال، التقيت النائب عن الكتلة الديمقراطيّة عماد الدايمي، فاستهلّ النقاش قائلا “ملامح الصراع واضحة للجميع فهي تتمحور حول خلافة الباجي قائد السبسي في الحزب والدولة. ولكنّ ما يؤسف هو أنّ هذه الأزمة أسقطت باقي الملفّات الاقتصادية والإجتماعيّة”، ليضيف معلّقا حول الحوار الأخير لرئيس الجمهوريّة “الباجي كان دوما جزءا من المشكلة ولن يستطيع المجيء بحلّ يتضارب ومصالح ابنه”. هنا تدخّلت لأسأله عن السيناريوهات المحتملة في حال قدوم رئيس الحكومة إلى مجلس نوّاب الشعب، ليجيبني مؤكّدا “الشاهد يعمل منذ فترة على تعزيز نفوذه داخل الحزب وهو ما نجح فيه عبر استمالة ثلثي نوّاب النداء إلى صفّه ولدينا معلومات أن رئيس الحكومة استجاب لعدد من شروط النوّاب للاصطفاف معه ومن ضمنها الإستقالة المقنّعة لمفدي المسدّي ومهدي بن غربيّة في انتظار استقالة إياد الدهماني”، ليختم قائلا “الشاهد لن يأت إلى مجلس النوّاب إلاّ بعد ضمان النصاب الذّي يخوّل له مواصلة نشاطه على رأس الحكومة، مستندا إلى تحالف أو دعم من حركة النهضة”.