من ضمن ما كشفته هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي هو وجود ”غرفة سوداء“ في وزارة الداخلية تحتوي على وثائق تم نقلها من مقر مدرسة تعليم السياقة لصاحبها مصطفى خضر إلى وزارة الداخلية دون محضر حجز ودون علم فرقة الشرطة العدلية ولا قاضي التحقيق المتعهد بالقضية. ولم يتم الاعتراف الرسمي بوجود هذه الغرفة إلا بعد تنقل قاضي التحقيق في قضية الشهيد محمد البراهمي إلى وزارة الداخلية وحجزه للصناديق الكرتونية والاكياس التي تتضمن كما هائلا من الوثائق ونقلها إلى مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بتاريخ 13 نوفمبر 2018.

ماهي قصة ”الغرفة السوداء“ بوزارة الداخلية؟

من خلاف بين صاحبة عقّار ومُؤَجّر، إلى معطى محوريّ في أخطر حادثتي اغتيال في التاريخ المعاصر لتونس. هكذا بدأت قصّة الغرفة السوداء التّي أعلنت عن وجودها لأوّل مرّة هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 02 أكتوبر 2018. هذه الغرفة الغامضة في أحد طوابق وزارة الداخليّة التونسيّة، والمغلقة منذ 19 ديسمبر 2013، تاريخ القبض على مصطفى خضر، ظلّت أبوابها الموصدة إلى حدود 09 نوفمبر 2018، تحجب عن القضاء مئات الوثائق التّي كادت تطمس الحكاية الحقيقيّة لإغتيال الشهيد محمد البراهمي.

النهضة والاغتيالات السياسية: مصطفى خضر، الجزء الظاهر من جبل الجليد

استنادا على تقارير هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، التّي اطلعت على ملف القضية وما تضمنه من محاضر ومحجوزات، تبيّن أنّ مصطفى خضر، لم يكن مجرّد شخص استحوذ على بعض الوثائق من وزارة الداخليّة. فهذا الرجل الذّي أشرف على تأمين مؤتمر حركة النهضة التاسع بقصر المعارض بالكرم في جويلية سنة 2012، حسب هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، لم يكن مجرّد حافظ للنظام خلال مؤتمرات الحركة، بل أحد خطوط اتصالاتها الأمنية وأذرعها الاستخباراتيّة.

قضية مصطفى خضر واغتيال البراهمي: المسار الزمني

بعد سنة و4 أشهر تقريبا من إلقاء القبض على مصطفى خضر ومداهمة محلّ اتخّذه في الظاهر مدرسة لتعليم السياقة وجعل منه مقراً لنشاطاته الاستخباراتية، صدر حكم ابتدائي في شأنه في 18 مارس 2015 بالسجن 8 سنوات وشهر بتهمة ”اختلاس أوراق وأشياء مودعة بخزينة محفوظات ومسلمة لأحد أعوان السلط العمومية ومسك دون صك صحيح لبضاعة خاضعة لقاعدة اثبات مصدر“. حكم أيّدته محكمة الاستئناف في 1 نوفمبر 2016، دون الوصول إلى إجابة حول حقيقة اغتيال الشهيد محمد البراهمي. إلاّ أنّ كشف وجود ما عُرف بالغرفة السوداء في 2 أكتوبر 2018، وقرار قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب معاينتها وحجز محتوياتها في 9 نوفمبر 2018، غيّر مسار القضيّة ليتمّ توجيه تهمة ”المشاركة في القتل العمد“ إلى مصطفى خضر في 10 جانفي 2019.

مثّلت الطلقات التي اخترقت جسدي شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 06 فيفري و25 جويلية 2013، شارة بداية لإعادة ترتيب المشهد السياسيّ. لكنّ يوم 02 أكتوبر 2018، تاريخ إعلان هيئة الدفاع عن الشهيدين عن وجود “غرفة سوداء” حجبت عن القضاء منذ ديسمبر 2013 مئات الوثائق التّي كادت تطمس حقيقة اغتيال الشهيد محمد البراهمي، سيخطّ فصلا جديدا في مسار قضيّة الشهيد البراهمي. هذا المعطى أثار ردود أفعال متباينة للأطراف المتداخلة، كلّ من موقعه، تحسّبا لارتدادات سياسيّة قد يكون هذا الملّف أحد مفاتيحها الرئيسيّة.