يضع اعتراف عبد الحميد الجلاصي حدّا لإنكار حركة النهضة الاعتراف باستعمالها للعنف وارتكابها لعمليات حرق وتفجير وتشكيل تنظيم مسلّح. إذ دائما ما تتّهم حركة النهضة خصومها بالتشويه وتلطيخ سمعتها لدى التونسيين، وأن لا علاقة لها بالعنف من قريب أو من بعيد.

جهاز سرّي مسلّح

وكان منفّذ عملية باب سويقة والعضو سابقا في حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليا) كريم عبد السلام اعترف خلال لقاء في إذاعة شمس أف م إنه كان وراء مقترح استهداف لجنة تنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي بباب سويقة سنة 1991، وأنه خطط للعملية بمشاركة قياديين في الحركة الإسلامية أمثال منجي الرعاش وعماد المغيربي والهادي السعيدي ومصطفى حسين. وقد كانت قيادة الحركة، حسب عبد السلام، على علم بهذه العملية وغيرها من العمليات المسلّحة والعنيفة على غرار افتكاك أسلحة لأمنيين والاعتداء على مواطنين بمادة ماء الفرق في كل من جندوبة والكرم. وجاءت هذه العمليات  في سياق خطة صادقت عليها هياكل الحركة في مؤتمرها، وغايتها استهداف النظام حينها. الأخطر من كل ذلك هو ما جاء في اعترافات منفّذ عملية باب سويقة من أن حركة النهضة “كان لها جهاز خاص أمني واستخباراتي وجهاز سرّي مسلّح، كان تحت مسؤولية وتوجيه قيادات حالية في حركة النهضة وأن هذا الجهاز السري للحركة ما زال موجوداً”.

كريم عبد السلام

وتفجّرت قضية الجهاز السري لحركة النهضة في أكتوبر 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة لجهاز سرّي أمني مواز للدولة، متورط في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم حزب حركة النهضة. وحسب فريق الدفاع عن الشهيدين فإن الوثائق تتضمن مكالمات هاتفية ومراسلات بين المتهم الرئيسي في اغتيال بلعيد والبراهمي، مصطفى خضر، المحكوم عليه بالسجن ثماني سنوات، وبين وزيري العدل والداخلية، وهما نور الدين البحيري، وعلي العريض، في ذلك الوقت والقياديان في حركة النهضة.

المسار القضائي

تم فتح بحث تحقيقي في قضية الجهاز السري بتاريخ 31 ديسمبر 2019 وحسب هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجه الاتهام لأشخاص مرتبطين مباشرة بحركة النهضة على غرار مصطفى خذر المشرف الأمني على أول مؤتمر لحركة النهضة بعد الثورة ورضا الباروني عضو المكتب التنفيذي للحركة وكمال العيفي رئيس المركز الإسلامي بباريس وعضو الحركة والطاهر بوبحري مستشار وزير الداخلية علي العريض في حكومة الترويكا.

وتؤكد  المحامية وعضو الهيئة  إيمان قزارة أنه تم استدعاء رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والإستماع له من قبل الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب بالعوينة بخصوص ما يعرف بالجهاز السري. وأفادت قزارة أنّه بخصوص الشكاية التي تقدّمت بها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي حول الجهاز السرّي لحركة النهضة، فإنّه تمّ الإستماع إلى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في إدارة القضايا الإرهابية  ”بوصفه أوّل المُشتكى بهم” بتاريخ 2 نوفمبر 2019. كما تم فتح بحث تحقيقي في محكمة أريانة للنظر في الجرائم من أجل الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي في ما يعرف بقضية الجهاز السري والغرفة السوداء، وكانت هيئة الدفاع قد قامت بطعن لدى محكمة التعقيب في حيادية وكيل الجمهورية بتونس بشير العكرمي. وقد وافقت محكمة التعقيب على استجلاب الملف إلى محكمة أريانة في 14 جويلية 2020 وتم فتح تحقيق في قضية الجهاز السري والغرفة السوداء وتم توجيه اتهامات ل17 شخصا ينتمون إلى حركة النهضة إضافة إلى أمنيين.

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي

الغنوشي يردّ

في رده على هذه الاتهامات، اعتبر راشد الغنوشي  أن شهادة عبد السلام بخصوص عملية باب سويقة، “ليست سوى مجرد محاولة بائسة ويائسة لتحويل حركة سياسية تعد الحزب الأكبر في البلاد، إلى حالة وقصة أمنية، عبر محاولة ربطها بالإرهاب”.

وتدعي حركة النهضة دائما أنها حركة مدنيّة وسلمية وأن لا علاقة لها بكل الاتهامات التي توجه لها باستعمال العنف. لكن الاعترافات الأخيرة لكريم عبد السلام تفنّد ما حاولت النهضة تسويقه وأساسا حلّ الهيكلة القديمة. إذ لم يعلن عن التفكيك النهائي للجهاز السري الذي تم بعثه في 1991 بعد تجربة التنظيم الخاص في إطار “الخطة الاستثنائية” التي أشرف عليها القيادي عبد الكريم الهاروني. وتتضمن هذه الخطة التسليح وتجميع العتاد البشري للاستعداد لعمليات نوعية. كما ذكر كريم عبد السلام مسؤولين آخرين عن هذه المرحلة وهم قيادات مثل الحبيب اللوز والعجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني والصحبي عتيق وعبد الحميد الجلاصي.

هذا الأخير لم ينف أقوال كريم عبد السلام بل أكّدها من خلال الاعتراف بمسؤوليته السياسية والأخلاقية وخاصة الاعتراف بهيكلة حركة النهضة القديمة بما فيها الجهاز السري الموازي الذي مازال موجودا، “طالما أن الحزب لم يعلن عن تفكيكه”.