Code du Statut Personnel 3

حركة النهضة والمساواة في الإرث: أزمة المراجعات الفكرية

الدعوة الأخيرة التي أطلقها الرئيس قايد السبسي حول الرغبة في تغيير أحكام الميراث في اتجاه المساواة بين الجنسين، فاجأت الإسلاميين لأنها لم تكن متوقعة في مثل هذا الظرف الذي يطغى عليه الجدل الانتخابي والسياسي. وبعثرت الاستراتيجيا الإسلامية في إدارة الشأن الداخلي، التي يحكمها مبدأ تأجيل المراجعات العقدية من أجل الحفاظ على الوحدة السياسية للحركة. هذا التأرجح يدعو إلى ضرورة التأمل في ممكنات المراجعة العقدية لإسلاميي تونس وحدوده الفكرية، هل تغيرت نظرتهم لقضية المساواة بين المرأة والرجل؟ ماهي المخارج السياسية والإيديولوجية التي يبحثون عنها من أجل تأمين التوازن بين الضغط العقدي للقاعدة وبين الترويج لصورة الحركة الحداثية والديمقراطية؟

بورقيبة بين التاريخ وتزلف ”البورقيبيين الجدد“

تزامنا مع الاحتفاء بالذكرى 60 لاستقلال تونس، عادت الخطابات الإحيائية المنادية ببعث الإرث البورقيبي وترميمه على نحو طقوسي، مُنتقية أفضل الصور من سيرة الرئيس الحبيب بورقيبة، الموشّحة بالألقاب والنياشين من قبيل “المجاهد الأكبر” و”باني تونس الحديثة” و”منقذ الأمة”. هذه الخطابات رغم طابعها التمجيدي الصارخ فإنها تنكرت للزعيم بورقيبة، لأنها طردته من مجال التاريخ وأسكنته فراديس “اللاّ تاريخ”، إذ جعلت منه أيقونة لا تصلح إلا لحشد الهمم في المناسبات العابرة، وفي أهون الأحوال يُرجَى من بورقيبة أن ينتصب تمثالا ضخما في أكبر شوارع البلاد، قد يكلف ميزانية الدولة 650 ألف دينار.

الغنوشي على خطى الفكر البورقيبي

طرح الغنوشي على ساحة الفكر الاسلامي في موضوع احداث التغيير الاجتماعي مبدأ العمل ضمن نطاق “الاستطاعة” للخروج من عدة معضلات ومآزق اجتماعية، ثقافية، سياسية وفكرية، ضاربا عرض الحائط بالكم الهائل من الفكر السلفي الأحادي الرؤية، وهو ذات المبدأ الذي نادى به واعتمده بورقيبة تحت شعار “العمل المرحلي”. ولئن اعتمد الغنوشي على الاجتهاد في تفسير وتأويل بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مثل : “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ” أو “لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” أو “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ”، فقد اهتدى بورقيبة بوعيه وعلمه وثقافته الإسلامية الى هذا المبدأ في احداث التغيير باعتباره مسألة منطقية وبديهية في علم سياسة المجتمعات.