الثلثاء 24 حزيران (يونيو) 2008

حتى لا يساء فهم ما سيلي، لا بدّ من التأكيد على بعض النقاط.

أولا: لا جدال أن أفكار وقيم حقوق الإنسان هي إحدى أهم التطورات التي حصلت في الفكر الإنساني وأنه من اوكد واجباتنا تدعيمها وزرعها في ثقافتنا وجعلها جزءا لا يتجزأ منها.

ثانيا : لا جدال في أن منظمات حقوق الإنسان الوطنية والقومية والعالمية،لعبت ولا تزال دورا هائلا في معركة الكرامة،وأنه يجب ان نعترف لها بأياديها الكثيرة وتضحياتها الجسام.

ثالثا: أن منظمة العفو الدولي تحتل مكانا مركزيا ومكانة خاصة في قلوبنا جميعا ،-خاصة في قلوب من ساهمت في إنقاذهم مثلي من براثين الطغيان- وأنه لا حق لأحد في مطالبتها بأكثر ما تستطيع أو الخروج عن مهامها المحددة.

أما وقد أكدنا على كل هذا ، فإنه بوسعنا المواصلة والقول أنه لا يجب للفكر أن يتخلى عن حق وواجب النقد والتقييم وإلا نكون كمن استبدل مقدسات بمقدسات ومحرمات بمحرمات وأصنام بأصنام ، وفي هذا فخّ قاتل للقيم التي ندافع عنها وللآليات التي نعتمدها.

من هذا المنطلق نستطيع التعليق على التقرير الأخير الذي اصدرته منظمة العفو الدولي حول الوضع في تونس والذي نقرأ فيه جملا مثل.”استباحة حقوق الإنسان باسم الأمن…قضاء يفتقر إلى الاستقلال …انتهاك الحق في الدفاع …محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية…الانتهاكات داخل السجون…الانتهاكات ضدّ من أعيدوا…أو” إن مثابرة السلطات التونسية على إنكارالاتهامات التي ارتكبت على نطاق واسع وحديثها الذي لا ينتهي عن حقوق الإنسان”….الخ”.

وأخيرا لا آخرا التوصيات، وما أدراك ما التوصيات.أي جملة من المطالب المتكررة منذ عشرين سنة والتي تتوجه بها هذه الحركة الحقوقية،مع باقي جوقة المنظمات الوطنية والقومية،إلى نظام ضرب بها دوما عرض الحائط وسيواصل.

بصراحة ، لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أقرأ التوصيات الأمنستية. إنها نفس الموجة من الضحك الحزين التي تنتابني وأنا أقرأ بيانات نحتج ونطالب التي أصبحت سمة العجز الذي يطبع اليوم الحركة السياسية الحقوقية التونسية.

كأنك تتوجه لمجموعة من الذئاب المفترسة بالتوصيات التالية.

أولا: الكف حالا عن سرقة دجاج الناس وأكله الشيء الذي يتسبب له في الوجع وفقدان الحياة.

ثانيا تعويض الدجاج المسروق لأصحابه.

ثالثا الالتزام من هنا فصاعدا بأكل السلطة

السؤال هنا: ماذا نفعل عندما يتضح بالكاشف أن عشرين سنة من التوصيات لم تنهي الانتهاكات بل بالعكس حيث تعود اليوم بقوة لم نعهدها حتى إبان التسعينات؟

ماذا نفعل والسلطة الباغية تزداد يوما بعد يوم تقنية وتعنتا في خنق الرأي الحرّ،؟ولن أتحدث عن بقية الانتهاكات الأخرى وإنما فقط للتي تدخل في اختصاص العفو الدولي وكبرى منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية.

نعم ماذا نفعل تجاه ما يبدو فشلا ذريعا في كسر شوعة الانتهاكات ووقفها ثم إعادة القطار على السكة ليأخذ أخيرا الوجهةالصحيحة؟

بطبيعة الحال لا أنكر أن هناك نتائج حصلت على صعيد هذا الفرد أو ذاك.

لمداواة الإحباط الذي كان يتملكني في التسعينات،كنت أقول لنفسي لولا هذه حركية الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والتضحيات لمات لنا تحت التعذيب 400 وليس 40، لنواصل إذن.

صحيح أيضا أن هناك حالات قد تلعب فيها الإدانة والتوصيات دور الضغط المعنوي الفعال. لكن هذا لايقع إلا في أنظمة ديمقراطية ، أو على الأقل في طريق الإصلاح. أما ان نتوجه بتوصيات لنظام راديكالي ، متطرف ، عنيف مناور وكذاب يرفض كل إصلاح وكل صلح وكل مصالحة حتى مع أضعف حلقات المعارضة،كالنظام التونسي فهذا عين التصرّف السحري.

إما أننا نتعامل مع الواقع ويجب أن نأخذه كما هو ، والواقع هنا أننا أمام مجرمي دولة وإجرام الدولة ليس إلا صنفا من الإجرام ويجب التعامل معهم على هذه القاعدة….أو أن نعيش في الأوهام ومن جملتها أن أناسا بلا مشاعر وبلا ضمير،لا يستحون وإنما يخافون،سينتبهون لأغلاطهم وسيتحرك فيهم الضمير وسيسارعون لتنفيذ التوصيات .

لقائل أن يقول وبماذا توصي أنت الذي تريد الانتهاء مع أفعال نطالب ونوصي نتوجه بها للذئاب أكانوا حكام تونس أو أي بلد منكوب وموبوء بالدكتاتورية …طبعافي نطاق المنطق والأدوات الحقوقية.

سنة 1986 جمعت منظمة العفو الدولي في لندن بعض المثقفين والحركيين للتفكير في الوسائل وقلت ما أردده الآن ومنذ عشرين سنة في كل كتاباتي .
– الأسماء التي يجب أن تذكر في التقارير هي أسماء الجلادين قبل أسماء الضحايا.وهو ما فعله المجلس الوطني للحريات سنة 1999

– يجب الكف عن عدم التشخيص ، بل بالعكس يجب التركيز بوضوح على مسؤولية الأشخاص الثلاثة المسؤولين في كل بلد عن التعذيب وبقية الانتهاكات: الرئيس ، وزير الداخلية، المسؤول الأول عن المخابرات…دون تناسي مسؤولية المنفذين طبعا.

– يجب على الحركة الحقوقية أن تتقدم بقضايا في حق هؤلاء الأشخاص وغيرهم من الذين يتوصل البحث لتحديد مسؤولياتهم إلى كل المحاكم الممكنة وأن تناضل من أجل قبول محكمة الجنايات الدولية لشكاوى ضد مسؤولين في الحكم.

– يجب خلق جائزة معاكسة لجائزة نوبل واقترحت تسميتها بجائزة هتلر وتعطى سنويا لأبشع دكتاتور ( اقتراحي هذه السنة موقابي ) ويكون المحلفين فيها من أكبر الشخصيات الاعتبارية في العالم وتحاط بكل مظاهر الأبهة يوم منحها ويوضع الفائزون في قائمة عار البشرية.تبقى للتاريخ شاهدا.

جربوا هذه التوصيات وهي لا تكلف إلا شيئا من الجرأة وسترون أن الذئاب ستنكس رأسها

بعدها يمكن المرور لمرحلة أرقى كالسعي للحصول على إعلان أممي أن الدكتاتورية آفة من آفات البشرية مثل الاستعمار والعنصرية ومعاداة السامية وإن استئصالها مطلب ضروري لسلامة العالم وبقاء البشرية في أحسن الظروف.

كذلك يمكن العودة بفكرة تكوين المحكمة الدولية للديمقراطية التي تنظر في شرعية كل الانتخابات وتقرر أن انتخابات موقابي وبن علي غير شرعية وأن الرجلان سيحالان على المحكمة الدولية وأن دور كل الأنظمة عدم الاعتراف بنظام مبني على التزوير.

وفي الانتظار أن تنضج هذه الأفكار وأن تجد طريقها للتطبيق ، كما حدث ذلك دوما على مرّ التاريخ وكل الحالات يجب على الناس أن تتوصل للنتيجة التي تفرض نفسها.وهي أن النضال الحقوقي هو الساق الضرورية للانتصاب والمشي ، لكن الساق الثانية هي النضال السياسي وفي صورة الحال المقاومة المدنية السلمية.

يجب أن يكون واضحا للجميع أن دور حركة حقوق الانسان دكّ حصون العدوّ الاستبدادي…نفسيا ومعنويا ، لكن النضال السياسي هو الذي يشيل بن علي من قرطاج وزمرته من وزارة الداخلية وأجهزة البوليس ويضع بدلهم أناسا يفهمون ما معنى توصيات أمنستي



موقع منصف المرزوقي