ما ابهرني دوما في نظام عصابات الحق العام الذي يتحكم فينا طاقته على الكذب( وعلى عكس الواقع باتهام خصومه برذيلته كما هو الحال في التعامل مع الموساد والاستقواء بالخارج والفساد الخ) .

أن تضطر كل السلطة للكذب فأمر بديهي، وأن نضطر نحن الأشخاص إلي شيء منه، من يقول العكس؟

لكن كذب بن علي وأبواقه من نوع آخر : كذب فجّ ، مفضوح، مضحك ، سخيف، مسترسل، متواصل، بلا حياء ، بلا ذوق ، بلا تكلّف ، كذب بلاهة واستبلاه…كذب أطفال متخلفين ذهنيا.إنه كذب من نوع هناك ثلاثة شموس في السماء ،والقمر مكعب والشمس الثالثة لا تغرب أبدا، والقمر المكعب أخضر طوال شهر رمضان الذي يصومه الهندوس والمريخيين كما أوصاهم بذلك سيادة الرئيس حامي الملة والدين.

عينة من هذا الكذب أتحفنا بها شخص يدعى بن سعد دعاه فيصل القاسم في الاتجاه المعاكس ليلة 22 حزيران وكان الموضوع مهزلة ” الانتخابات” في الوطن العربي وفي تونسنا المنكوبة بأمثاله وبسيده

هذا الدكتور ارتكب في أقل من ساعة عددا هائلا من الأكاذيب تلقفت بعضها .

– أنه حصل في فرنسا استفتاء على النقاب ؟ من سمع منكم بهذا الاستفتاء ؟

-أن في تونس ستة ملايين موقع أنترنت، مما يعني إذا تركنا جانبا الأطفال والشيوخ كل تونسي بطالا وعاملا يدويا له موقع ( بالطبع نسي أن يقول أن سيده منع السكايب ومنع فترة الفايس بوك وأن أغلب المواقع ومنها موقعي مغلق)

– أن هناك في تونس عشرة ألاف منظمة مجتمع مدني . طبعا من نوع جمعية أحباء الكذب وجمعي السكيرين التائبين وجمعية السكيرين التائبين الكذابين وبقية الجمعيات الوهمية التي اختلقتها المخابرات . فاته بالطبع أن يقول أن الرابطة مشلولة منذ عشر سنوات ومجلس الحريات ممنوع وحرية وإنصاف محاصرة وكل المؤسسات المستقلة التي تعد على الأصابع مستهدفة بالمنع والتضييق والخنق.

– أن المعارضة تنقد ولا تعطي برامج والحال أن برامج أحزاب المعارضة ومنها المؤتمر موجودة منذ سنوات وأن شخصا مثلي أو مثل راشد الغنوشي وحمة الهمامي لا يستطيع المشي في الشارع فمن أين له ولغيره أن يدعو لبرنامج .

– أن من يتقدمون ضد بن علي ليسوا كومباررس والترشح لا يطرح مشكلة . نشي أن يقول أن من ترشحوا من خارج الأحزاب

الكارطونية حتى ولو كانوا ب”اعتدال “بن جعفر والشابي منعوا من التقدم، وأنني دخلت السجن أربعة اشهر لارتكابي محظور الترشح .

– أن خمس مائة ألف تونسي لم يصوتوا لبن علي في ” الانتخابات” الرئاسية الأخيرة . أول مرة اسمع هذا الرقم . ليقل لنا الكذاب كم كانت نسبة المشاركة الحقيقية . حسب أخباري لم تتجاوز 17 في المائة من كل المرسمين أي أن كل المصوتين لم يصلوا الخمس مائة ألف المذكورة .

– لكن أخطر واكبر كذبة لهذا الكذاب قوله أننا نتدرج على سلم الديمقراطية وفي نهايته سنصل يوما التداول (متى ؟ قال ستين سنة ليست شيئا في حياة الشعوب، ربما بعد ستة قرون )

أولى مراحل صعودنا السلم في تأني وسلامة هي ” الدربة” ، يقصد التدريب لأن الدكتور يخترع ألفاظه ككل العباقرة . وطوال العشرين سنة الأخيرة دربنا سيده خطوة خطوة على الديمقراطية. هكذا من توليه وساحة الحريات تتوسع يوما بعد يوم وعدد الجرائد المستقلة يتزايد وعدد ونفوذ جمعيات المجتمع المدني يرتفع وكل انتخاب يزيد من ” دربتنا” . بطبيعة الحال هذا الكذاب هو أول من يعلم أن سيده لم يضعنا على درب مسار ديمقراطي كما ادعى وإنما على درب مسار استبدادي شهد مصادرة كل حرياتنا التي حققناها في الثمانيات وهدم ما بنينا من مؤسسات مستقلة وعبث بالدستور لفرض الرئاسة مدى الحياة كل هذا وهو يزكم أنوفنا بفساده وفساد عائلته .واليوم بعد نهاية الشوط الأول من “الدربة ” نحن نعيش وضع انسداد واختناق وتوقف واحتقان لا أحد يعلم كيف سينتهي.

لا شك أن هناك أكاذيب أخرى ( آه نسيت حب بن علي لبورقيبة وكيف كان يزوره في كل مناسبة) ، لكن المهم ليس عدد وحجم ما تفوه به هذا البوق من أكاذيب. أي وسيلة أخرى يملكها هؤلاء المساكين للدفاع عن وجودهم في مكان هم أقل الناس جدارة بالتواجد فيه. شعارهم بما أوصى به سيد البروبغندا النازي قوبلز : اكذبوا ، أكذبوا ، لا بد أن يبقى شيء.

من حسن الحظ أنه قانون لم يمنع قوبلز يوما من الانهيار وأنه لم يبق شيئا من أكاذيبه . بعد ساعة من “التعذيب ” وأنا اسمع صاحب الدربة يعتدي بالفاحشة على الحقيقة ، كم أثلج صدري حكم النظارة الصارم : 97 في المائة يعتبرون “الانتخابات ” في بلداننا صورية وكان نفس الرقم قبل وبعد دفاع الكذاب الصغير عن سيدّ الأكاذيب . ضحك الرجل ضحكة صفراء لأن الرقم تغير في فاصلة ما واعتبر ذلك نصرا مبينا .

هم يكذبون علينا وعلى العالم طول الوقت بصحة الرقعة المعروفة ، لكن ماذا عنا ؟ إلى متى سنتركهم يكذبون وإلى متى سنكذب على أنفسنا بخصوص قدرة إصلاح ناس كهؤلاء؟

متى ستعيدون يا توانسة للكلمات معناها وللقيم جوهرها ؟ متى ستغضبون للشرف ، للحقيقة …لتونس حتى ينتهي هذا الكابوس

منصف المرزوقي