بقلم :

د. محسن التليلي: استاذ محاضربالجامعة التّونسيّة

د. زياد بن عمر : استاذ مساعدبالجامعة التّونسيّة

ظلّت الجامعة التونسيّة منذ عقود طويلة تعاني من هيمنة النظام السياسي القائم بالبلاد عن طريق أعوانه من الحزب الحاكم ممّن كانوا يحملون صفتَيْ الحزبي والجامعي. واستمرّ الأمر وتكرّس أكثر في عهد بن علي الذي استبدّ بالجامعة واستخدم التجمّعيّين فيها والانتهازيّين المتحالفين معهم من اليمين واليسار لتوظيفها لفائدة نظامه ومآربه… وكان الجامعيّون التجمّعيّون وحلفاؤهم الانتهازيّون سواعد لتكريس الإقصاء ضدّ النزهاء من الجامعيّين الذين أرادوا خدمة العلم والمعرفة وندّدوا بكلّ التدخّلات والتوظيفات وتدنّي المستوى… وظلّت الجامعة في عهد النظام السابق تعاني من مظاهر السياسات العشوائيّة وسوء التصرّف والمحسوبيّة والتفرقة والتهميش والإقصاء تحت مبرّرات مختلفة تتستّر بالعلم والأكاديميّات. ومن تجلّيات تلك المظاهر السلبيّة ما كان يحدث من حين لآخر من تلاعب بالترقيات والمناظرات والتعينات التي تُديرها اللوبيّات السياسيّة والإداريّة… وقد انعكس هذا الوضع السلبي على مستوى الشهائد الجامعيّة التونسيّة التي بدأت تفقد مصداقيّتها في الجامعات العالميّة… ومن المؤسف أنّ الجامعة التونسيّة التي تأسّست منذ أكثر من نصف قرن باتت غير مُرتّبَة ضمن الجامعات العالميّة المُحتَرَمَة….

اليوم وبعد الثورة وما أحدثته من هزّة عنيفة كشفت للعيان حجم التجاوزات الخطيرة التي كانت بلادنا عرضةً لها في كلّ الميادين والقطاعات ومنها قطاع التعليم العالي فاجأتنا وزارة التعليم العالي بأمر انتخابي للجامعة التونسيّة بتاريخ 09 جوان 2011 يكرّس النظام الانتخابي السابق القائم على التفرقة بين الأصناف الجامعيّين وإقصاء بعض الأصناف من حقّ انتخاب رئيس الجامعة، وهو مطلب ناضل من أجل تحقيقه كلّ الجامعيّين بمختلف درجاتهم لأنّه يهمّهم ويعنيهم جميعا من دون استثناء… إنّ انتخاب رئيس الجامعة من طرف أساتذة التعليم العالي دون بقيّة الأصناف من المساعدين والأساتذة المساعدين والأساتذة المحاضرين… هل يعني أنّ بقيّة الأصناف لا تنتمي لنفس الجامعة ولا تهمّها مشاكلها وأوضاعها ومستقبلها؟ أو هي فاقدة للأهليّة والجدارة والكفاءة؟ هل ستتخلّى عنهم الجامعة باعتبارهم قاصرين حتّى عن المشاركة في انتخاب رئاسة الجامعة أم سيكونون تابعين لها فقط يأتمرون بأوامرها؟.. ما هذا الإقصاء الذي لا مبرّر له، حتّى من الناحية العلميّة، فضلا عن الناحيتَيْن الأخلاقيّة والمبدئيّة؟ ما هذه التفرقة “المُهينة” التي تنضاف للتفرقات السابقة بين صنفَيْ أ وب، تلك البدعة الغريبة؟… أهذا هو جديد الوزارة المؤقّتة وهديّتها للجامعيّين بمناسبة الثورة العظيمة التي أطاحت بالدكتاتور؟.. لماذا لم تُبق الوزارة الأمر على حاله إذا كانت عاجزة عن أخذ قرارات جريئة ومناسبة للمستحقّات والطموحات الديمقراطيّة التي ينشدها كلّ جامعي حرّ وكريم في بلد حرّ وكريم؟ فإلى متى يظلّ الجامعيّون مسلّمين بأمرهم لمجموعات متموقعة في الوزارة قادت التعليم العالي التونسي إلى ما هو عليه اليوم من تدنّ تحكمه اللوبيّات التجمّعيّة والانتهازيّة والوصوليّة عل حساب مصالح الأغلبيّة الجامعيّة المناضلة من أجل تعليم وطني ديمقراطي وبحث علمي رائد ينفتحان على ماهو أرقى عالميّا من الناحيتين العلميّة والإنسانيّة؟…. الحلّ الآن في اعتماد الانتخاب المباشر الذي اقترحه أغلب الجامعيّين لأنّه يضمن قاعديّة الانتخاب وديمقراطيّته ويُعطي الشرعيّة الضروريّة للهياكل المُتَخَبة ويُلزمها باحترام المقترحات والتوجّهات في انتظار تعميق الاستشارة الجماعيّة لإعادة النظر الجذري في واقع التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا باعتباره قاطرة التقدّم وحامي مبادئ الثورة التي استشهد من أجلها خيرة شباب وطننا…