رأيت المئات من النّاس الذين تعرّضوا للتعذيب، البعض منهم كانوا ضحايا تنكيل بطريقة وحشيّة إلى غاية أنّي أجد صعوبة في تصوّر جلّاديهم أشخاصا زاولوا نفس نوعيّة مدرستي أو قرأوا نفس الكتب التي قرأتها- آنا بوليتكوفسكايا

تحصّل الشاب الطاهر الملّيتي البالغ من العمر 19 سنة على شهادة الباكالوريا دورة جوان 2011 لكنّ يد الجلّاد في تونس لم تترك لأمّه الوقت لتفرح بنجاح إبنها

تُوفي الطاهر الملّيتي يوم الإثنين 1 أوت 2011 المُوافق ل 1 رمضان مع السّاعة الواحدة صباحا بعد أن تعرّض للتعذيب من طرف أعوان الشرطة أمام منزله ثمّ في مركز شرطة حيّ الزهور 4 بالعاصمة التونسيّة ليلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى الرابطة. شهادات جيران و عائلة الشاب تُشير أنّه تعرّض مساء 22 جويلية 2011 للإعتداء بالعنف الشديد خصوصا من طرف عون الشرطة في مركز حيّ الزهور مروان اليحياوي ثمّ تمّ إطلاق سراحه مع الساعة التاسعة و النصف ليلا أي بعد حوالي ساعة من إيقافه، حسب الشهادات المُتواترة خرج الطاهر الملّيتي من مركز حيّ الزهور و أنفه ينزف مُردّدا لوالدته “لقد إنتهيت بعد ما فعلوه بي في مركز الشرطة”
يوم السّبت 23 جويلية تعكّرت حالته الصحيّة ممّا دفع والدته لنقله إلى مستشفى الرابطة مع الساعة الثالثة و نصف صباحا حيث نُقل إلى القسم 18 أين لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الإثنين 1 أوت 2011.
رغم توفّر شهادة طبيّة تُؤكّد أنّ الطاهر الملّيتي كان في صحّة جيّدة قبل تعرّضه للتعذيب فإنّ نتيجة التشريح تنصّ على أنّ الملّيتي تُوفّي بسبب السّرطان !

لنا أن نتساؤل إذا هل فعلا الطاهر الملّيتي تُوفّي بسبب السرطان أم أنّ سرطان الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب لا يزال قائما بطريقة مُضحكة مُبكية ؟
و لنا أن نتساؤل أيضا هل يتواصل إفلات الجلّادين من العقاب حتّى بعد تولّي الحكومة الجديدة مهامّها ؟
طرحناتساؤلات حول ملفّ التعذيب على الأستاذ نور الدين البحيري وزير العدل الحاليّ فأجابنا بردّ غامض و مُتناقض، حيث أنكر وصول ملفّ الطاهر الملّيتي و سمير المطوي لوزارة العدل ثمّ إسترسل عبر إدانة غفلة المسؤولين عن حالات التعذيب التي حصلت بعد 14 جانفي وكأنّ السيّد البحيري يُريد تقديم مسألة مُحاسبة الجلّادين على أنّها تطوّع و نفل و ليست واجبا و فرضا على مسؤولي الدّولة…
.. كما عرضنا نفس الإشكالات على وزير حقوق الإنسان و العدالة الإنتقاليّة الأستاذ سمير ديلو الذي إسترسل في العموميّات و لم يقدّم برنامجا عمليّا للتعامل مع ملفّات التعذيب.

من ناحية أخرى حاورنا السيّد محمّد القوماني خال الشابّ الطاهر الملّيتي الذي أكّد على مسؤوليّة وزارتي الداخليّة و العدل في قضيّة الملّيتي و توجّه برسالة إلى وزير العدل تدحض إدّعاءه أنّ ملفّ القضيّة لم يصل إلى الوزارة و تُأكّد تواطئ وزارة العدل مع وزارة الداخليّة لطمس الحقائق