أولئك الذين مروا بمراكز الاحتفاظ يدركون أكثر من غيرهم أن الامور لا تسير وفق هوى التشريعات الوضعية وعباقرة القانون…في تونس لازال الايقاف بعد الثورة فعل مقاومة والمطالبة بالمعاملة الانسانية بدعة تتنافى مع الحقوق الكونية.صراع من أجل إثبات الذات.هنا حيث تواجه العامة آلة فوضت لنفسها أوسع الصلاحيات و امضت بادواتها الخاصة صكا يسمح بسحب مستلزمات التأديب والاذلال أينما شاءت وكيفما تريد .الدولة إذا ما استعملت الزوجة والام لتركيع أرباب البيوت وهددت بقطع الأرزاق مقابل الصمت .الدولة التي تمعن في تلفيق التهم و تمتهن “المنكر والمحرم ” في غرف البحث والتحقيق لا يجب أن تهاب صاحب الحق في ضيافتها متهم بايعاز من المتنفذين وأصحاب المال أو لمرض في النفوس تصبح بكل بساطة مارقة على حد تعبير ويليام بلوم.
يوم 14 جانفي شاهد العالم عبرات العون فترائ المشهد للبسطاء إيذانا بالعودة إلى الرشد وتوبة تحمل في رمزيتها إعتذارا من دولة الجريمة المنظمة لمواطنيها. الأمر أكثر تعقيدا مما كنا نظن. بعد عامين ونيف لازل السيف مسلطا على رقاب من لم ترتكب يداه ولا لسانه بل لازال الشاكي يتحول إلى ضحية تأدب على مواطنتها.
مراد الامام موظف بسيط في شركة النقل العمومي لم يكن لخبراء القانون أن يسمعوا له لغطا ولا خبرا لولا أن التعذيب لم يكسر روحه فاختار أن يفكر بصوت عال. لم يكن في حسابه أن التعرض لحادث سير يمكن أن يجلب له من الويلات ما لم يتوقع و يشتهي.
إستقل سيارة أجرة لقضاء شأن شخصي لكنها اصطدمت في طريقها بشاحنة . مباشرة بعد خروجه من المستشفى في الثالث من شهر أوت من العام المنصرم كان لابد له أن يتوجه للمصالح المختصة لرفع دعوة قانونية بمنطقة الحرس المروري المنصف باي في قاعة الإنتظار إقترب منه مجهول يجادله في ضرورة سحب الشكاية .إكتشف فيما بعد أنه صاحب الشاحنة…
“كان من البديهي أن أرفض لكوني متضررا ولا موجب للتراجع عن الشكوى…أمام اصراري تقدم العون راع التفاوض ليعرف فحوى ما تداولنا في شأنه وان كنا قد توصلنا وديا إلى حل.رافقه إلى المكتب العدلي والايادي المتشابكة توحي بان الفرص لن تكون متكافئة في هذا اليوم .في الأثناء اكتشفت أن لا سند لي في هذا المكان بعد أن حاول صاحب الشاحنة إثارتي لفظيا على مرء ومسمع من الطرف الاداري .الرسالة الاولى التي التقطها لم تكن إيجابية بالمرة ،يبدو أنا الاستعراض الحميمي لم يكن تلقائيا “باش نعرف علاش قادم…”
الانتظار أسلوب متداول للارباك وبعث التردد في القناعات والقرارات. ليكن للضحية متسع من الوقت ليقلب حاله من الأوجه كافة .الأمر أشبه بالكوليزيوم حيث يجمع نيرون المسيحيين ليمارس في حقهم التعذيب النفسي . تصطك سلاسل الاسود لفترة يعتقد فيها المرتد أنه على وشك أن ينهش ويباد .لكن نيرون وبعد أن يستمتع بهذا المشهد يطلب أن يأتي له بوحش أكثر ضراوة وجوع.بعد حوالي ساعة جاء” الملازم “.دعي مراد إلى موعد أخر بعد 5 أيام على الساعة الواحدة بعد الزوال .”الح العون أن لا أتخلف .لم أكن أعرف ما سر هذا الاصرار فكان من الممكن أن يهتم بالملف أي إداري أخر…”
يوم 8 أوت كان الوضع مشحونا منذ البدء.خلاف بين العون وأحد المواطنين الذي يطالب باسبقيته في معالجة ملفه.
“طلبت من المرؤوس أن يلتزم بما تم الاتفاق عليه مع رئيسه.فتح حينذاك قاموس السوقية على مصراعيه “أقعد وإلا أخرج نيك”…
المراكز في الواقع ليست إدارة كغيرها من الادارات بل جهازا له نظام عمل خاص و نواميسها تختلف عن باقي الادارات.تركة خلفتها الدكتاتورية قوامها العنجهية حيث يرسم الجلادون صورة رمزية لرؤسائهم بحيث تصبح كل أوامرهم مطاعة.
.”تلقيت على صدري سيلا من الضرب و الركل المبرح ودفعت حتى سقطت أرضا و كيل لي من الشتم ما تيسر على مرء الجميع.لم يأبه أحد بصراخي حتى أن زميلة لهم لم تخجل ولم تعر إعتبارا لالامي . المسألة بسيطة في نظرها. “قوم نيك أرقد في داركم…” .بصقوا علي وأنهال الجميع بالركل “كان صاحب الشاحنة موجودا على عين المكان وإتضح لي انني استدعيت كي اسحب شكواي بالقوة بعد أن فشل التفاوض “قلتلكم راهو كذاب ودهاش والشهادة الطبية ألي جابها مدلسة…” كان بصدد تحريض معارفه من أعوان .في لحظة هيء لي أنه المسؤول الأول. تجمعوا حولي كما الذباب وأنا جثة تعتعها التعنيف والصدمة
أثناء الركل سقطت بعض أوراقه النقدية ، التفوا على وجهه كي لا يشاهد السرقة وسلبوه ما يملك.
توسل مراد أن يتم نقله إلى المستشفى . إلتقط هاتفه لطلب الاسعاف (198) لكنهم رفضوا . الجماعة على علم حتى أن مخاطبه عبر الهاتف دعاه إلى الكف عن التمثيل . سحب الهاتف منه عندما طلب المساعدة من زملائه في باب عليوة فصادروا الجهاز بعد أن جلس أحد الأعوان عل صدره حد الاختناق وكأنه يضاعف غضبة و يستريح ليستأنف ما بدئه . وكأننا على اثر هوس الامبراطور تيبريوس. ويل لمن كان في مرمى بصره وهو غاضب, حتى وإن كان أحب الناس إليه يأمر بالقائه في البحيرة الراقدة فيتحول قبل أن يصل إلى كتلة لحم وعظام مهشمة
“لم تكف الأيادي عني إلا عند مجيء الضابط( رئيس المركز) انهالوا عليا مرة أخرى فاصبحت لا أفكر إلا في الهرب من هذا الجحيم “.استجمعت قواي وهرولت في إتجاه الباب دفعته وخرجت .كان شخص يجري خلفي وأنفار يصيحون “شدوه شدوه .”على بعد أمتار سقطت .ضربت إلى أن فقدت الوعي. بللوني بمياه الحنفية في الطريق العام .هناك شخص كان دائما الحضور في البرامج التلفزية توقعت أن ينقذني أو أن يطلب منهم أنا يكفوا لكنه لم يحرك ساكنا. تبولت ووعدت بالطاعة دون جدوى…”
أرجع مراد إلى المكتب, قيدوه,
“ضغط العون على الإصفاد ليمعن في تعذيبي . في الأثناء أغمي علي بعد أن اشتدت الأوجاع إلى حد لا يطاق. كنت كلما استفيق اجد نفسي في مكان أخر .انتفخت يداي و عندما استفقت في الساتيام وجدت نفسي متهما بخلع باب المنطقة …..”
أثناء البحث “جاء التعذيب” كما يقول مظفر النواب . “نقلت إلى بوشوشة ثم إلى المرناقية أين قضيت سبع أيام دون وجه حق “
كم من مواطن لا اقترفت يداه ولا لسانه مازال سياخذ ظلما بفعل الساحرات اللواتي حرقنا في ستراسبورغ ولورين وبرن لكونهن كما زعم الأساقفة مصدرا للشر والوباء . كم من المواثيق وقعت الترويكا كما وقع بن علي دون أن ترى النور في السلوك.
مراد إهتدى إلى الحل و إختار أن يواجه جلاديه بعد أن فشلوا في إنتزاع الارادة و العزيمة …
«Tout homme qui a du pouvoir est porté à en abuser; il va jusqu’à ce qu’il trouve des limites.» Montesquieu, L’Esprit des lois, 1748.
notre problème c’est qu’on n’arrive pas à établir les limites éthiques ou de contrôles.
tant qu’on ne mènera pas une vraie campagne de sensibilisation et tant que ce genre de comportements demeure dans l’impunité totale on arrivera pas à avancer.
il ne suffit pas d’énoncer les valeurs il faut les matérialiser et créer les mécanismes qui permettent de contrôler l’étendu de leur application.
les grandes démocraties souffrent également de quelques débordements mais ils réagissent rationnellement pour les empêcher. ils filment les gardes à vues, ils s’orientent vers la présence immédiate d’un avocat, le droit de voir un médecin………des mesures de nature à limiter les abus.
je pense que les problèmes de la violence et du respect de la dignité humaine dépasse l’institution policière c’est un vrai problème de société. il faut un travail plus en profondeur qui passe essentiellement par l’éducation et l’école.