لقد غذى الفشل الذريع الذي حققته حركة النهضة منذ وصولها الى الحكم، بتسجيلها نتائج كارثية على النطاقين الاقتصادي والامني، حقد التونسيين على هذا الحزب والاحزاب الاسلامية عامة وبما أن حزب النهضة يساند الجهاديين في سوريا فقد اختار العلمانيون مساندة بشار الأسد واصفين إيّاه بأنه حامي العلمانية. لكن الحقيقة الجغرافية وبعد هؤلاء عن سوريا جسديا يمنعهم من تبيان الحق من الباطل ويحجب عنهم رؤية أهوال ما يسلطه النظام السوري على معارضيه. فالنظام السوري اخترع أساليب تعذيب لم يسبقه اليها أبشع الأنظمة الفاشية على مر الازمان. ويبرّر التونسيون موقفهم بقولهم أن الأنظمة الديكتاتورية هي شرّ لا بدّ منه في البلدان العربية وأن على الشعب السوري أن يرضخ لهذا الواقع وأن يحافظ على جلاده بناءاً على هذا التفكير. لكنهم يجهلون، أو ربما يتجاهل بعضهم، أن في البلدان العربية يُعذب السجناء السياسيون وسجناء الرأي لإجبارهم على الاعتراف بذنوب لم يرتكبونها لكن في سوريا الأسد يمسي التعذيب فنّا يمارس على الاجساد ويتلذذ به الجلادون فيتفننون فيه بحثا عن الشعور باللذة والانتشاء فحسب كما يتفق على قوله المحللون المختصون في شؤون المنطقة. ففي شباط/فبراير ٢٠١٣ قصف بشار الاسد قرًا سورية بصواريخ سكود الروسية الصنع في سابقة ليس لها مثيل اذ لم يسبق أن قصف نظام شعبه بهذه الطريقة. ويصنف العلمانيون التونسيون هذه المعلومات ضمن الدعايّة الاعلامية التي يسوّقها مناهضو النظام. و بعكس اللبنانيين فالتونسيون لم يتذوقوا شتى ألوان التعذيب من النظام الأسدي ويبقى حكمهم على الأزمة حكم المراقب الأجنبي حتى وان اشتركوا مع السوريين في لغة الضاد.
ويبقى المثقفون التونسيون بعيدون كلّ البعد عن المثقفين السوريين الذين تحملوا العذاب والابعاد القسري والغربة بعيدا عن وطنهم جراء أحكام تعسفية أصدرها بحقهم النظام البعثي وبعد أن قضوا سنين من عمرهم في ردهات سجون النظام يساندون ثورة شعبهم وينتظرون بفارغ الصبر سقوط طاغية دمشق ولا يترددون في الافصاح عن ذلك في مقالاتهم وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
فلم يعد اذن من الغريب أن نرى العلمانيين التونسيين يرفعون علم سوريا البعثية خلال مراسم دفن المعارض التونسي اليساري شكري بلعيد في شباط/فبراير من العام الحالي والذي أشارت أصابع الاتهام في مقتله الى حزب النهضة الاسلامي المتطرف و في المقابل يصبح بديهيا أن نرى الاسلاميين التونسيين يرفعون علم الثورة السورية في مظاهرتهم المضادة. فشكري بلعيد كان يدافع بشراسة عن النظام الأسدي على شاشات التلفزة التونسية كونه نظام مقاومة وممانعة ضدّ اسرائيل وضدّ الامبريالية رغم أن الحقيقة الميدانية تبين أن جبهة الجولان لم تشهد اضطرابا ولا رمي حجرا واحد منذ أيام الأسد الأب ولم يساند النظام السوري حليفه حزب الله على الأرض خلال مواجهته الأخيرة مع اسرائيل سنة ٢٠٠٦.
ويتجلى هنا مثال على الفرق الشاسع في قراءة الأحداث بين المشرق والمغرب مثالا يجعل مقولة تقديم العالم العربي ككيان متناسق محلا للشك.
أسمى عبد الكريم : صحفية مختصة في شؤون الشرق الاوسط وهي من أصل لبناني ومتخرجة من الجامعة اليسوعية ببيروت. تواصل حاليا ابحاثها في مجال الاعلام والعلوم السياسية بجامعة باريس.