seddik-songe-colored

حاورته: صفاء متاع الله،

كان علينا الانتظار لبعض الوقت قبل أن يطالعنا بابتسامته المعهودة متمتما بعبارات اعتذار مقتضبة.. انتحينا ركنا في منزله الصغير وجلسنا إلى طاولة مستديرة… كان هادئا كعادته ينتظر سيل أسئلتنا الموعودة.. تحدث إلينا فأسهب في الحديث.. متحمّس ومحبط في آن يجاهد من أجل كبت تألمه من الأحداث الأخيرة.. رأيه في أحداث الشعانبي و تصريحات الحكومة و عن الهزات الاخيرة، تحدّث، ثمّ كشف لنواة عن تصوره الذي ينوي تقديمه إلى الشعب التونسي والمجتمع المدني للخروج بالبلاد من هذه الأزمة. الدكتور يوسف الصديق لم يتخلى عن حياده في قراءته لكن ذلك لم يمنع من أن يكون نقده شفافا، واضحا في مواقفه كما لم يكن من قبل. إليكم الحوار:

• كيف تلقيت خبر اغتيال الشهيد محمد البراهمي؟

كنت في باريس حينها وتأثرت كثيرا لأنّ محمد البراهمي صديقي ونشترك في قراءتنا للواقع العربي وفي السبل الممكن اتباعها للنهوض بهذا العالم الذي يملك خصائص مشتركة كاللغة والرقعة الجغرافية والهوية خاصة. وأعتبر أنّ رحيل البراهمي هو خسارة كبيرة للعالم العربيّ ككل.

• حسب رأيك، من اغتال محمد البراهمي؟

بالنسبة لي أحمّل المسؤولية كاملة للترويكا وعلى رأسها حركة النهضة التي إن لم تكن متورطة بصفة مباشرة في اغتياله فإنها متورطة بطريقة غير مباشرة، فالنهضة ساهمت في انتشار الإرهاب في تونس من خلال سكوتها عن العنف الذي بدأ منذ صعودها إلى دفة الحكم، فهي التي رفضت حل روابط حماية الثورة ذراعها التي تضرب بها خصومها السياسية كلما وقعت في مأزق وهي التي دافعت عن المتشددين دينيا وعن الإرهابيين الذين أعلنوا انتماءهم لتنظيم القاعدة وهي التي لم تتخذ موقفا حاسما تجاه ممارسات هذه المجموعات المتشددة والتي تمثل قاعدتها الانتخابية للأسف الشديد. هذه الحكومة بان بالكاشف أنها فشلت في تسيير الدولة وأعتقد أن الوقت قد حان لترحل. أقولها بصراحة: الغنوشي هو بيت الداء في تونس مع احترامي له في شخصه إلاّ أنه كان المدافع الأول عن الإرهاب في تونس وعليه أن يتحمل مسؤولية تساهله مع هؤلاء الذين باتوا يهددون نمط عيش التونسيين وحياة المواطنين وسلامتهم. وعليّ أن أشير إلى أنّه حتى الذين ساهموا في صعود النهضة إلى الحكم قد باتوا متأكدين اليوم أنها لم تكن في حجم المسؤولية التاريخية وأذكر خاصة الباجي قايد السبسي والذي صرّح في إحدى المرات أنه هو الذي مكّن النهضة من الصعود إلى الحكم وكذلك عياض بن عاشور وذلك من خلال وضع قانون انتخابي يخدم مصلحتها دون غيرها طمعا في خلق كتلتين تتناوبان على الحكم مثلما يحصل في أمريكا بين الجمهوريين والديمقراطيين.

• ما رأيك في خطاب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بعد الحادثتين الأليمتين؟

بالنسبة لعلي العريض كان مرتبكا وخائفا وخطابه الذي طغت عليه لهجة التهديد أكبر دليل على إفلاس حركة النهضة سياسيا خاصة. وأظن أنّ خطابه القادم سيكون أكثر ارتباكا على اعتبار أنه كان أكثر الحريصين على تأكيد أنّ أحداث الشعانبي انتهت وأنه لم يعد هناك وجود للإرهابيين وها نحن نشهد استشهاد تسعة من جنودنا الأبرار بطريقة وحشية تدل على أنّ مرتكبها يكنّ حقدا كبيرا لهذه المؤسسة الوطنية ومن ورائها الشعب التونسي. أعتقد أنّ العريّض الذي يريد أن يقنعنا أنّ تونس ستنتهي بسقوط النهضة ليس رجل أزمات وهو غير كفء لإدارة هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس.
وبالنسبة لخطاب المرزوقي كان متأثرا بما حصل في البلاد من تطورات أليمة لكنه أثبت أنّه بات عاجزا عن اتخاذ أي موقف ولا حتى القيام بتفعيل صلاحياته الضيقة جدا. وهذا طبيعي بما أنه محاط بمستشارين يعملون لفائدة حركة النهضة بطريقة مباشرة مثل عماد الدايمي رئيس حزبه الآن وعزيز كريشان وغيرهم من الأسماء التي لم تضع مصلحة الوطن نصب أعينها بل غلّبت المصالح الذاتية ومصلحة حركة النهضة قبل كل شيئ.

• دكتور يوسف، أنت كنت من القلائل الذين اهتموا في هذه المرحلة برسم معالم واضحة لتصور قد يخرج البلاد من الأزمة التي تعيشها الآن، لو تحدثنا قليلا عن هذا التصوّر؟

أوّلا، لا يمكنني الحديث عن هذا التصور قبل الاتفاق على أنه هناك اليوم شرعيّتان في تونس: شرعية الصندوق من جهة وشرعية الشارع الذي يعبّر عن رفضه لما وصلت إليه تونس والذي أفرز ما يسمى بجبهة الانقاذ الوطني والتي جمعت عددا هاما من مكونات المجتمع المدني. إنّ الشرعية الثانية جاءت بها الحاجة الملحة للتغيير في ظل فشل شرعية الصندوق في حماية مواطنيها وتحقيق مطالب ثورتهم المجيدة. وهنا يجدر بي أن أنبّه إلى ضرورة العمل على عدم السقوط في الفراغ السياسي حتى لو كانت فترته قصيرة، لذا أعتقد أنه على الشارع مواصلة الضغط على الشرعية الأولى من أحزاب ومجلس تأسيسي عن طريق الاحتجاجات السلمية التي اعتبرها مشروعة ومنطقية حتى يجبرها على تمرير السلطة للشرعية الثانية. وهنا يبدأ تصوّري، في البداية يجب أن تكون الشخصيات التي ستكون جزءا من هذه الحكومة مستقلة عن الأحزاب السياسية استقلالا تمام ويشهد لها بذلك. ثانيا عليها أن تلتزم قانونيا بعدم الترشح إلى الإنتخابات دورتين على الأقل بعد إتمام مهامها. ثالثا لا يجب أن يتجاوز أعضاء اللجنة التي ستشرف على إتمام صياغة الدستور الخمسين فردا، وهنا أتصور أنه من الضروري أن يتم تقسيمهم كالآتي: عشرون شخصية من الحقوقيين والمختصين في القانون الدستوري خاصة وهم أكثر العارفين بعبارة القانون وما تنجرّ عنها من تحميل للمسؤولية. وعشرون آخرون من المختصين في الاقتصاد في جميع الميادين والقطاعات الحيوية بتونس وعليهم أن يكونوا من الملمين بأدق تفاصيل وحيثيات وواقع الاقتصاد في تونس وبعمرانها وتراثها … كما أرى من الضروري وجود خمسة من اللجنة مختصون في البلاغة والصياغة حتى لا نسقط في انتاج فصول قابلة للتأويل كما هو الحال في دستور التأسيسي. وأخيرا لا أرى مناصا من وجود خمسة من المفكرين أصحاب النظرة الشمولية والذين يدركون جيدا ما يحتاجه المجتمع التونسي وما يصلح به وما هو زائد عنه لأنهم مختصون في علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس الاجتماعي … هناك مسألة أخرى ضمّها تصوّري وهي مؤسسة رئاسة الجمهورية التي لا يجب أن يستفرد بها شخص واحد خاصة خلال هذه الفترة الحرجة بل تشرف عليها لجنة متكونة من ثلاثة أو خمسة شخصيات وطنية يُشهد لها بالكفاءة وتتعهد على العمل من أجل مصلحة الوطن لا غير كما تكون لها الصلاحيات الكاملة وهي التي تتكفل بعملية تعيين الحكومة التي سيكون دورها تصريف أعمال والتي لا يجب أن تتجاوز الخمسة عشر وزارة على أقصى تقدير. هذه اللجنة التي ستشرف كما ذكرنا على اتمام صياغة الدستور ورئاسة الجمهورية والحكومة ستعمل خلال ستة اشهر أو تسعة أشهر كأقصى تقدير على إعادة الأمن للبلاد ومقاومة الارهاب من جهة وعلى اتمام الدستور وإنزاله للاستفتاء ثم الإعداد للانتخابات القادمة إلى جانب تصريف الأعمال.

• هل تعتقد أنك يمكن أن تكون ضمن هذا المشروع إن كتب له الانجاز؟

نعم أستطيع أن أكون ضمن لجنة رئاسة الحكومة على اعتبار التزامي الحياد منذ صغري حيث لم أنخرط في أي حزب كان ولا تهمني الأحزاب بقدر ما تهني تونس ثمّ إنّ المفكر يمتاز بحسن الاصغاء إلى الشارع لأنه يعتقد أنه جزء منه. أنا منحاز بطبعي لتونس وللـ”زوالي” وأظن أني قادر على الاضافة من ذلك المنطلق والحفاظ على الحياد والموضوعية في اتخاذ القرارات كما فعل شارل ديغول في فرنسا في زمن ما.

حاولنا استدراج الدكتور الصديق ليذكر لنا بعض الأسماء التي يمكن أن تكون ضمن هذه الحكومة القادمة حسب رأيه فامتنع عن الاجابة فارتأينا ذكر بعض الأسماء والاكتفاء بإجابة نعم أو لا منه.
وهنا أعرض الدكتور عن وجود أبو يعرب المرزوقي أو رجاء بن سلامة أو ألفة يوسف في هذه الحكومة أو اللجنة بينما وافق على مقترح الدكتور هشام جعيّط الذي اعتبره كفاءة يجب أن يفتخر بها الوطن.