soura jama3ia lel mocherikin fl mahrajen

عاشت مدينة قليبية ليلة البارحة على وقع فعاليات اختتام المهرجان الوطني للأدباء الشبان في دورته السابعة والعشرين الذي نظمته جمعية منارة الأدب بقليبية والذي انطلق منذ يوم 16 أوت في برمجة متنوعة ومتوازنة. ضمّ المهرجان مسابقة في النص الفرنسي وفي النثر والشعر.

الاختتام شهد تلاوة لجان التحكيم للتقارير عقبها توزيع الجوائز على الفائزين ثم سهرة موسيقية مع فرقة “أجراس” لعادل بوعلاق التي تفاعل معها الجمهور وردّد أغانيها.

دورة كانت ناجحة بجميع المقاييس لكنّ نجاحها أخفى وراءه صعوبات كبيرة لاقتها الهيئة المديرة لتحويل هذا المهرجان من تصوّر إلى واقع ملموس. “نواة” واكبت الحدث ونقلت لكم ما يلي:

الدورة 27: برنامج ثري ومتنوع

لم يخف المواكبون لهذه الدورة من المهرجان الوطني للأدباء الشبان بقليبية استحسانهم البرنامج الذي يدل على أن المهرجان قد جدّد في نفسه وفي آليات العمل الثقافي ابتداء بالخروج من الفضاءات المغلقة إلى الفضاءات المفتوحة وانجاز خيمة شاطئية بحمام الأغزاز دارت فيها فعاليات أمسية اليوم الثاني من الملتقى، وصولا إلى الانفتاح على الفنون الأخرى من خلال العروض المقدمة.

شعار هذه الدورة أيضا حافظ على نفس المسار الذي اتجه فيه المهرجان بعد الثورة وهو تكريم رموز أدبية مناضلة على غرار منور صمادح وعبد القادر الدردوري. شعراء الطليعة هم الذين حملوا اسم هذه الدورة والطاهر الهمامي كان الأنموذج الذي تناولت المداخلات النقدية تجربته من الناحية الجمالية والنضالية أيضا. تقول السيدة أم كلثوم بن سليمان رئيسة جمعية منارة الأدب بقليبية:

“نحن لا نؤمن بمقولة “الفن من أجل الفن” وتكريمنا لهؤلاء يأتي في إطار ترسيخ ثقافة المقاومة الأدبية والفكرية في زمن نشهد فيه انتشار الرداءة في شتى المجالات الفنية. إن تجربة هؤلاء المبدعين لم تخلو من الجمال بقدر ما حملت من التزام وانحياز لهموم وقضايا الشعب الحارقة وهذا ما ننشد ترسيخه لدى الأجيال القادمة حتى ننأى بهم عن السقوط في السطحية والفعل الأدبي الجميل مع الانحطاط الفكري.”

المشاركون يبدعون في مداخلاتهم خلال ورشات العمل

عبّر السيد محمد الجابلّي عضو لجنة تحكيم مسابقة النثر عن فرحه بالمشاركين في هذه الدورة والذين كانوا جدّيّين في الحضور والانضمام للورشات أين تمّت مناقشة النصوص المشاركة. كما انبهر بمستواهم الثقافي وبجرأتهم في النقد وطريقة تناولهم للنصوص لتتحول الورشات إلى فضاء لتبادل المعلومات والأفكار. إضافة إلى ذلك لاحظ السيد محمد أنّ المشاركين قبلوا النقد بصدر رحب دون تشنج أو تعصّب بالرأي وهذا في اعتقاده هو الهدف الأساسي لإقامة المهرجان حيث تسعى لجنة التحكيم إلى العمل على مشاريع أدباء لكنها تسعى جاهدة في نفس الوقت إلى ترسيخ ثقافة قبول الرأي الآخر أيضا.

لجان التحكيم تسرّ من تفاعل هيئة المهرجان مع مقترحاتهم

أشار الفنان الناصر الرديسي عضو لجنة التحكيم في مسابقة الشعر إلى أن هذا الحضور هو الأول له في هذا المهرجان. وكان قد أعلمنا بأن لجان التحكيم قدّمت لهيئة المهرجان جملة من المقترحات العملية في سبيل الدفع قدما به والمتمثلة في تعديل طريقة توزيع جوائز مسابقة الشعر من ثلاث جوائز، أولى وثانية وثالثة، إلى جائزة في الشعر العمودي وجائزة في قصيدة النثر وجائزة في الشعر الشعبي. إذ يعتبر السيد الناصر أنّ لكل نمط شعري جمهوره وميزاته الخاصة وضوابطه ولا يمكن نصرة نمط على حساب الآخر. كما أشار إلى أهمية الشعر الشعبي وما يمثله من مادة أساسية للأغاني التونسية التي باتت تفتقر في أغلبها إلى الكلمة الجميلة ناهيك عن اللحن. ودعا الناصر الهيئة المديرة للعمل على نشر أعمال المهرجان الذي سيزيد من اشعاعه وتوثيق المجهود الذي يبذل من أجل الأجيال القادمة وحتى لا يبقى مجرد احتفال فولكلوري يمحى من الذاكرة بمجرد انتهائه. وعبّر السيد الناصر عن سعادته بأخذ هيئة المهرجان هذه الملاحظات على محمل الجد وتأكيدها على الاستجابة لها ابتداء من الدورة القادمة وهو ما يدل على أن هؤلاء المسؤولين هم فعلا جنود للعمل الثقافي.

سياسة تجفيف المنابع ووزارة الثقافة تتنكر للملتقى

ونحن نتحدث مع السيدة أم كلثوم رئيسة جمعية منارة الأدب بقليبية أشارت إلى أنّ هذا المهرجان العريق شهد عديد المضايقات خاصة منها المالية حيث قامت الهيئة المديرة بمراسلة وزارة الثقافة طلبا للدعم منذ أواخر ديسمبر 2012 ولكنها لم تحصل على الرد إلا قبل انطلاق المهرجان بشهر تقريبا. المبلغ الذي رصد كان هزيلا بالمقارنة مع حجم المهرجان وأصالته وما يقدّمه من خدمات للشبان المبدعين من تأطير وتهذيب لتجربتهم وهو 1000 دينار لا يكفي لتغطية ولو جزء صغير من تكلفة المهرجان.

رفضت الهيئة المديرة هذا المبلغ واعتبرته إهانة للمهرجان وللأدب بصفة خاصة حيث بات يعتبر من آخر اهتمامات وزارة الثقافة في حين حظيت جمعيات عديدة بدعم كبير رغم قلة نشاطاتها. المساعدات المالية الوحيدة التي تلقاها المهرجان من المؤسسات الثقافية كانت عن طريق المندوبية الجهوية للثقافة بنابل والتي تكفّلت بتوفير العروض المدعّمة إضافة إلى مبلغ مالي صغير وكذلك بلدية قليبية التي ساهمت أيضا بمبلغ محترم ولولا التفاف مكونات المجتمع المدني من الجمعيات والاتحاد الجهوي للشغل ورابطة الكتاب الأحرار، تقول السيدة أم كلثوم، لما كتب لهذه الدورة أن ترى النور وتعتقد أنّه تم اتباع سياسة تجفيف المنابع على المهرجان من قبل أطراف لم يعجبها الخط الذي اتبعه المهرجان بعد الثورة. وأكدت على أنها ترأست هذه الجمعية لأنها تحمل مشروعا ثقافيا يهدف إلى تربية الناشئة على حب الكتاب والمطالعة وعلى انتاج أدب قادر على الاستجابة لتطلعات الشعب التونسي. كما سبق وشُنّت حملة على هيئة المهرجان إثر الانتهاء من الدورة السادسة والعشرين من جهات مختلفة حسب السيدة أم كلثوم بهدف تشويهه والحد من شعبيته وعزل أعضاء جمعية منارة الأدب عن المواطنين بقليبية.

إنّ ما شدّنا في هذا المهرجان هو النجاح الذي حققه بالقليل الذي توفّر له. ونستغرب فعلا تقاعس وزارة الثقافة في دعم مهرجان يعتبر من أعرق الأعراس الأدبية في تونس إضافة إلى الاجيال التي مرّت من منابره وصارت أعلاما تضيء صورة تونس في الداخل والخارج. وفي ظل ما ذكرنا من أزمة مالية هل سنشهد ميلاد الدورة الثامنة والعشرين؟