armee-av-habib-bourguiba
ساحة إبن خلدون/ شارع الحبيب بو رقيبة تونس العاصمة اليوم، أين كانت تتمركز قوات الجيش الوطني منذ الأيام الأولى للثورة.

أكّدت مصادر عسكرية رفيعة المستوى لموقع “نواة” انّ تعليمات عليا عاجلة التنفيذ أعطيَت يوم الثلاثاء 20 أوت الجاري لكافّة الوحدات العسكرية المنتشرة في شتّى جهات البلاد للانسحاب من المواقع والمقرّات التي تحرسها (ولايات، معتمديات، بلديات، مراكز تجارية كبرى ادارات حكومية و منشئات عمومية …) والالتحاق فورا بأفواجها وثكناتها.

و أفادت مصادرنا وثيقة الاطّلاع انّ الجنرالات والاطارات العليا والقادة الميدانيين كانوا قد شرعوا في تنفيذ التعليمات الصادرة عن الفريق محمد صالح الحامدي رئيس أركان جيش البرّ انطلاقا من حوالي الساعة العاشرة من الليلة الفاصلة بين الثلاثاء و الأربعاء مع اعطاء تعليمات جديدة تتمثّل في اجتناب تنقّل العسكريين أو تجوالهم خارج الثكنات خلال الفترة القادمة مرتدين الزيّ العسكري.

ووفق مصادرنا الخاصّة فقد تمّ الانتهاء من تنفيذ التعليمات بشكل شامل في عدد من مناطق الجمهورية مع تمام الساعة منتصف الليل من الليلة المذكورة في انتظار الانتهاء من بقية المناطق.

و تتزامن هذه الخطوة غير المعلنة مع اقدام رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة على اجراء تغييرات شملت عددا من الخطط الحساسة في القيادة العسكرية تمّ الاعلان عنها رسميا في بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 22 أوت الجاري.

و شملت التسميات الجديدة التالية :

– أمير اللواء بشير البدوي رئيسا لأركان جيش الطيران خلفا لأمير اللواء محمد نجيب الجلاصي الذي عين مديرا عاما للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي بوزارة الدفاع الوطني.

– أمير اللواء النوري بن طاوس مديرا عاما للأمن العسكري خلفا لأمير اللواء بالبحرية كمال العكروت الذي عين ملحقا عسكريا بالخارج.

– أمير اللواء محمد النفطي متفقدا عاما للقوات المسلحة. و ذلك بداية من يوم 22 أوت 2013.

ويبدو، بحسب ما أفادتنا به مصادرنا، أنّ هنالك خلافات أو عدم انسجام بين رُؤيَتَي المؤسسة العسكرية و السلطة السياسية و تقييمهما للأحداث السياسية و الأمنية التي ترمي بظلالها على البلاد خلال الفترة الراهنة خاصّة في ما يتعلّق بحدود تدخّل الجيش و طبيعة الدور الذّي يفترض به أن يلعبه لتعديل الساحة السياسية سواء من خلال حماية الاحتجاجات الميدانية المدعومة من فصائل المعارضة السياسية أو من خلال التصدّي لها و عدم السماح لها بانجاح حملة “ارحل” التي تستهدف التعيينات الحزبية (النهضوية) في مؤسسات الدولة.

وقد اضطرّ المرزوقي، وفق تأكيدات مصادرنا، الى استدعاء وزير الدفاع الوطني رشيد الصباغ يوم الأربعاء (أي صبيحة تنفيذ الانسحاب العسكري من الشوارع) للتشاور معه حول مسائل يُفترض أنّها على صلة بأداء المؤسسة العسكرية.

يذكر أنّ المؤسسة العسكرية كانت قد قامت مطلع الشهر الجاري بخطوة وُصفَت بغير المسبوقة في مستوى تعاملها مع الشأن الأمني للبلاد حيث “تحرّرت” القيادة العسكرية من التعليمات السياسية و تمّ ارسال فيلق القوات الخاصّة بمنزل جميل – دون قرار سياسي– الى جبل الشعانبي لتنفيذ عمليات نوعية (أغلبها أحادي و دون مشاركة قوات الأمن والحرس) لتطهير جبل الشعانبي من المجموعات المسلّحة المتحصّنة به منذ ما يربو عن الثمانية أشهر. وقد أشرف الفريق محمد صالح الحامدي بنفسه على قيادة عدد من العمليات القتالية في الجبل.

الناطق باسم وزارة الدفاع يوضّح

تنقّلنا الى وزارة الدفاع قصد طلب توضيحات بخصوص ما أسلفنا ذكره من انسحاب للوحدات العسكرية. وقد تمكنّا بعد محاولات عديدة من ربط الصّلة بالعميد توفيق الرحموني الناطق الرسمي باسم وزارة الدافاع حيث نفى بادئ الأمر حصول عملية الانسحاب المذكور، ثمّ أفادنا -بعد أن قدّمنا ما بحوزتنا من معطيات تمّ التحقق من صدقيّتها من مصادر مختلفة- بأنّه لا وجود لأيّ موقف رسمي الى حدّ الآن و أنّ الوزارة ستصدر بيانا رسميا في حال تمّ القيام بأيّ اجراء جديد يتعلّق بالمؤسسة العسكرية.

مكتب الاعلام التابع لرئاسة الجمهورية يتفاعل

من جانبه، نفى مكتب الاعلام التابع لرئاسة الجمهورية وجود أيّ علاقة مفترضة بين ما وصفها بالتحركات الميدانية للوحدات العسكرية (الانسحاب) و بين التسميات الأخيرة التي شملت بعض القيادات العسكرية.

و أكّد المتحدّث باسم مكتب الاعلام بأنّ هذه التحركات تندرج في سياق اعادة تموقع الوحدات العسكرية، مضيفا قوله بأنّ كلّا من وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية كانتا قد فوجئتا بانسحاب الوحدات العسكرية التي كانت تحرسانهما. وقد اتّصلت الوزارتان برئاسة الجمهورية للاستيضاح حول هذه الوضعية فتمّ اعلامهما بأنّ الأمر ضرفي و ناجم عن عملية اعادة التموقع وفق ما جاء على لسان المكلّف بالاعلام في رئاسة الجمهورية.

armee-ministere-education
مقر وزارة التربية بشارع باب بنات تونس العاصمة اليوم

وبالتوازي مع التباين الذي يصل حدّ التضارب بين روايتي وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية يلُوحُ قرار الجيش الانسحابَ من الشوارع و الالتحاق بثكناته (باستثناء الوحدات المرابطة على الحدود) مُحاطا بعدد من التساؤلات والتأويلات على اعتبار أنّ هذا الاجراء غير المعلن قد تزامن مع قيام المرزوقي بتعيينات جديدة في ثلاث مناصب حسّاسة على مستوى القيادة العسكرية بالاضافة الى تزامنه مع قرب انطلاق حملة “ارحل” (24 أوت الجاري) وهو الموعد المقرّر صلب جبهة الانقاذ الوطني للشروع في طرد المسؤولين المحليين و الجهويين للدولة تمهيدا لاعلان نهاية حكم الترويكا (ولو من جهة واحدة) و تشكيل حكومة انقاذ وطني على أنقاضها.

فهل اختارت المؤسسة العسكرية التزام “الحياد السلبي” تجاه الأحداث السياسية التي يُفترض أن تكون مصيرية بالنسبة الى حكم الترويكا أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون سوى اجراء روتيني لأعادة التموقع و الانتشار وفق ما أفادت به الرئاسة ؟؟