المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

kasserine-filles-terrorisme-police

هل الأمن سلاح مع المواطنين أم ضدهم

كلنا كنا ومازلنا ضد الإرهاب، وضد العنف والترهيب مهما كان مأتاه. كلنا نطمح إلى بناء دولة قوامها الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعيش الكريم المصون لكل المواطنين دون تفريق مهما كانت معاييره لونا او دينا او جنسا او عرقا. كلنا رغم اختلافاتنا وقفنا بأصواتنا وقلوبنا وأفكارنا وأقلامنا وأحاسيسنا مع قوات الدفاع والأمن الوطنيين وفينا حتى من قدم نفسه لينخرط معهم فقط لأجل حماية هذا البلد ونصرة الإنسان فيه في محاربة لظاهرة الإرهاب التي لا يرجو تونسي أن تتغلغل في حياته اليومية وكلنا نطمح إلى القضاء عليها من أجل مواصلة طريقنا في اتجاه الإصلاح والتأسيس لبلد أفضل.

لكن الغريب في الأمر أن تقتل فتاتان شابتان بحجة مقاومة الإرهاب، أمر مؤلم بعمق تثور له القلوب والعقول الفطنة، أمر يبعث على الحيرة حقا رغم تأكيد النقابات الأمنية ووزارة الداخلية التونسية ان الإجراء كان قانونيا لأن السائقة لم تمتثل لإشارة أعوان الأمن بالتوقف. ما يدفعنا إلى التساؤل : أما من حل آخر غير إطلاق النار باتجاه الراكبات وقتلهن؟ ألم يكن بالإمكان مثلا إطلاق النار بهدف إيقاف السيارة لا قتل من فيها؟

لا نهدف إلى التشويش على نشاط الأمنيين في مجابهتهم الإرهاب الذي بات واقعا خطرا اليوم في تونس، لكن السذاجة التي يتعامل بها الامنيون مع عدة قضايا تدفع إلى الاستغراب والحيرة من آداء قوات كان من المفروض ان تكون مدبة على التعامل الأمثل مع مثل هذه الأحداث.

حادثة مؤلمة حقا أن أطلق إرهابيون النار على منطقة الامن بالقصرين واستشهد عدد من العناصر الأمنية، لكن لم يقع إمساك أحد منهم، أو اتخاذ إجراء بالعنف الذي طال سيارة تمر مسرعة ولا تمتثل لأوامر الوقوف فيقع إيقافها بقتل من فيها. امر يدعو إلى التساؤل عن استراتيجيا وزارة الداخلية وقوات الدفاع الوطني، ومدى قدرتهم على مجابهة ظاهرة الإرهاب التي من المرجح أن تتفاقم نظرا للظروف الداخلية وللظروف المحيطة بتونس خاصة ما يشهده القطر الليبي الشقيق من احداث. هل تبرر مكافحة الإرهاب قتل المواطنين وإن كانوا مخالفين للقانون؟

بررت وزارة الداخلية حادثة مقتل الفتاتين معتبرة ان الأمر قانوني، وهو كذلك، لكن أليس للقانون روح، ألم تخلق القوانين للحفاظ على الإنسان، أي قانون هذا يبرر قتل فتيات في مقتبل العمر بتلك الطريقة من قبل من كان من المفترض بهم حمايتهن. وما يزيد الأمر ألما هما البيانان الذي أصدرتهما كل من وزارة الداخلية والنقابات الأمنية، فقد جاءا فقط تبريرا لما حدث بدل ان يتم البحث الجدي في الأمر واتخاذ الإجراءات العاجلة لكي لا تتكرر هذه الأحداث الخطرة على حياة المواطنين الأبرياء، حتى اننا اليوم بتنا نتساءل عن مدى الجاهزية النفسية وكفاءة العناصر الأمنية؟

هذا وقد أدلت الفتاة التي كانت تقود السيارة ونجت من حادث إطلاق النار انها تمتلك رخصة قيادة، ولكنها خافت لأنها لم تتعرف انهم أعوان أمن من قاموا بإيقافها نطرا لاختبائهم بين الأشجار، واعتقدت أنهم عناصر إرهابية، وكلنا يعلم حادثة جندوبة حيث تنكر الإرهابيون بأزياء امنية، لذلك خشيت أن تتوقف إلى أن أطلق النار عليهم فأصابت رصاصة رأس الفتاة بجانبها، وهي أختها أحلام، وأصيبت الفتاة في الخلف، لكن الأمنيين لم يمدوا لهم يد المساعدة واضطربوا وتركوهن في الطريق، ما أدى إلى وفات الفتاة المصابة والتي كان من الممكن إنقاذها.

الحادثة مؤلمة بحق، وكلنا نستهجنها ونرفضها مهما كانت مبرراتها. لكن تجدر الإشارة إلى ان حادثة مقتل الفتاتين بطريق العريش بالقصرين لا يجب ان تكون سببا في انتشار الفوضى والحنق على قوات الامن والدفاع الوطنيين الذين يقدمون جهودا وتضحيات كبيرة في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب. في المقابل على المصالح المختصة أن تتخذ إجراءات عاجلة لا ان تقدم بيانا فضفاضا خال من الجدية وكأن الشابتين اللتين توفيتا بالرصاص مجرد حادث سيطويه الزمن ويسقط من ذاكرة الشعب التونسي الأشبه بذاكرة الأسماك في قصر مداها.

فلا يجب ان ينجح الإرهاب في خلخلة النشاط الأمني وإرباكه إلى درجة أن يصبح سلاحا ضد شعبه من جديد بدل ان يكون في صفه. وندعو كل المصالح المختصة وأطياف المجتمع المدني والسياسيين الغارقين الآن في أحلام تقاسم الكعكة الإنتخابية القادمة، ندعوهم إلى النظر في الأمر بجدية تامة احتراما لأرواح الفتاتين ولحياة كل مواطن وفرد تونسي