isis

القاعدة لا وجود لها عمليا وداعش أشد فتكا وخطورة
رياض الصيداوي

داعش أشد تأثيرا في انصار الشريعة
صلاح الدين الجورشي

بقلم صفاء متاع الله،

يشهد العالم العربي منذ اندلاع الثورات سلسلة من التغيرات السياسية والاجتماعية إضافة إلى ظواهر ما انفكت تربك المشهد مما جعل من الصعب على السياسيين في أغلب الدول التوصل إلى قراءة صحيحة لما يجري بالتحديد.

ومن أبرز هذه الظواهر التي طفت مؤخرا على الساحة السياسية ما يسمى بتنظيم “داعش” وهي اختصار لتسمية “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. هذه الظاهرة التي لاقت اهتماما إعلاميا كبيرا مما جعل منها “غولا” يهدد الأمة العربية جمعاء. ومن هنا جاء خوف البعض من أن تكون لداعش علاقة بأنصار الشريعة وبما يجري في جبل الشعانبي تحديدا.

داعش: الإنقلاب على “القاعدة”

انضوت داعش منذ سنة 2004 أي منذ نشأتها تحت لواء تنظيم القاعدة وكانت تعتبر جناحا من أجنحة القاعدة حيث قامت بعمليات نوعية في العراق سنتعرّض لها فيما بعد كما شاركت في الحرب في سوريا جنبا إلى جنب مع جبهة النصرة قبل أن يقع الانفصال بينهما.

وتم إعلان دولة الخلافة في العراق في 29 جوان 2014 بقيادة ابو بكر البغدادي الذي تولّى قيادة التنظيم بعد مقتل أبو عمر البغدادي على يد القوات الأمريكية في 19 أفريل 2010. وتتمركز “داعش” في كل من الموصل والفلوجة ومحافظة الرقة وهي تهدف إلى التوسع في كل من سوريا والعراق وصولا إلى بقية العالم العربي.

عمليات داعش

في صيف 2013 أصبحت مدينة الرقة السورية تحت سيطرة الدولة الإسلامية للعراق والشام بعد أن تم تسليمها لجبهة النصرة من قبل الجيش السوري في 5 مارس 2013.

في 9 أفريل 2013 تم الإعلان رسميا عن وجود الدولة الإسلامية في العراق والشام عبر كلمة صوتية بثتها قناة الجزيرة.

في 21 جويلية 2013 حرر تنظيم داعش آلاف المقاتلين الأسرى من سجون الحكومة العراقية تحديدا سجني التاجي وسجن بغداد المركزي.

في 27 جويلية 2013 أجبرت “داعش” الجيش السوري على الانسحاب من بلدة خان العسل في ريف حلب بعد أن كبدته خسائر بشرية فادحة وصلت إلى عشرات القتلى من الجنود وعشرات من الأسرى تمّ إعدامهم في وقت لاحق.

في 5 أوت 2013 دمرت الدولة الإسلامية في العراق والشام المبنى الرئيسي لمطار “منغ” العسكري بالعراق عن طريق عملية انتحارية وسيطرت عليه كليا.

29 سبتمبر 2013 استهدفت “داعش” مقر الأمن العام “الأسايش” في مدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق) بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة.

10 جوان 2014 سيطرت “داعش” على محافظة “نينوى” بسوريا.

17 جويلية 2014 سيطرت داعش على حقل “الشاعر” للغاز الطبيعي في حمص.

25 جويلية 2014 سيطرت داعش على مقر الفرقة 17 بعد اشتباكات عنيفة.

رياض الصيداوي: تنظيم القاعدة مجرد وهم والإرهاب صناعة محلية بتمويل من المخابرات الأجنبية

RIADH-SIDAOUIفي حديث جمعنا برئيس مكتب المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجينيف السيد رياض الصيداوي حول طبيعة تنظيم “داعش” قال إنّ مثل هذه التنظيمات الكبرى دائما ما يكتنفها الغموض لأنّ فيها العديد من الاختراقات. فالقاعدة مثلا دعمت من قبل المخابرات السعودية وبدعم أمريكي لمحاربة السوفيات في نهاية القرن الماضي ولأنّها حركات متطرفة فإنّ لها ديناميكية داخلية غير مستقرة إضافة إلى تدخل استخباراتي من جميع الأطراف.

وبالنسبة لداعش فقد أرجع الصيداوي ظهوره إلى حالات انهيار الدولة سواء في العراق بعد أن فككت أمريكا الدولة العراقية سنة 2003 أي قبل تشكل داعش بعام واحد أو كما حدث في سوريا من إرباك للدولة جراء الحرب المسلحة التي تخوضها ضد عديد الأطراف. وبصفة عامة اشار الأستاذ الصيداوي إلى أنّ الإرهاب ومن ورائه هذه المجموعات الإرهابية ينتعش كلما انعدم الاستقرار والأمن في الدولة. وفي الحديث حول فرضية كون “داعش” هي صناعة مخابرات سورية مثلما كانت طالبان وليدة المخابرات الباكستانية قال الاستاذ رياض أنّ هذه التنظيمات حتى ولو كانت فعلا صنيعة مخابرات الحكومات العربية فإنه سرعان ما تنفلت زمام الامور من أيديهم لأنها مجرد خلايا متفرقة ومجموعات عنقودية يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها إذ ليس هناك تنظيم هيكلي مركزي محكم التنظّم لذلك كان من السهل اختراق هذه المجموعات من قبل مخابرات الدول التي لها مصلحة فيما يجري الآن في العالم العربي.

واعتبر الأستاذ رياض الصيداوي أنّ داعش أخطر من تنظيم القاعدة وأعنف في المستوى العملي نظرا للمجازر التي ارتكبتها ولمرجعيتها المتشددة أيضا. رغم أنه يعتقد أنّ وجه الشبه بينهما إضافة إلى غياب الهياكل التنظيمية هو أنّ كلا من داعش والقاعدة لا يهدفان إلى تحرير فلسطين بل هما بصدد تغذية الصراعات الطائفية والعقائدية على غرار ما يجري اليوم في الموصل العراق من تذبيح وقتل وحرق للكنائس ومثلما جرى في سوريا من قتل للشيعة وغيرها على عكس حزب الله الإسلامي أو حركة حماس واللذان يعتبران تنظيمين إسلاميين لكن بأهداف محلية وهي تحرير جنوب لبنان بالنسبة لحزب الله وتحرير الاقصى بالنسبة لحماس.

أما عن نقاط الاختلاف بين التنظيمين يقول الأستاذ رياض أنّ الفرق بين داعش والقاعدة هو أن الأولى قد اعلنت اليوم إقامة دولة تمتد بين العراق وسوريا وباتت متمركزة في أرض الواقع رغم غياب الهيكلة إلى هذه اللحظة بينما تنظيم القاعدة هو مجرد فكرة وهو غير موجود على أرض الواقع بل هو مجرد جماعات محلية تتكون في بقع مختلفة من العالم العربي ثم تعلن بيعتها لتنظيم القاعدة دون أن يكون هناك اتصال مباشر او تنظيمي بقيادة القاعدة. ولذلك حسب رأيه “اختلط الحابل بالنابل” في هذه التنظيمات حيث تمت تغذيتها من قبل أجهزة مخابرات وإلاّ لماذا لم تتدخل أمريكا إلا مؤخرا لتنقذ العراق من المجازر التي وقعت _حسب قوله_ ولم لم تتدخل في ليبيا في حين سارعت فيما قبل للتدخل في هذين البلدين في المرة الأولى في العراق تحت عنوان مكافحة الإرهاب والثانية في ليبيا تحت عنوان “وقف المذابح ضد الليبيين” الذين يشهدون اليوم مجازر أشد فتكا وتدميرا مما كان من قبل؟ لذلك يخلص قول الأستاذ رياض الصيداوي إلى أنّ حقيقة هذه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش هي مجرد مجموعات إرهابية محلية تقوم بعملياتها وتنسبها “للقاعدة” وأنّ الهدف من وجود داعش والتنظيمات المشابهة لها هو تقسيم العراق والدول العربية إلى مجموعة دويلات صغيرة وأن تكون بؤرة التوتر وتقسيم المجتمع حسب الانتماءات الدينية وكل هذا لا يخدم إلا مصلحة واشنطن وإسرائيل في المنطقة.

صلاح الدين الجورشي: شباب أنصار الشريعة التونسي موزع بين جبهة النصرة وداعش

slahedine_jourchiأشار الصحفي والمختص في الجماعات الإسلامية صلاح الدين الجورشي في البداية إلى أنّ تنظيم القاعدة قد أثر بشكل ملحوظ على جزء مهم من الشباب التونسي الذي تأثر بالخطاب السلفي وذلك منذ فترة طويلة قبل الثورة حتى. وما حدث من وقائع منذ حادثة جربة 2002 وصولا إلى الآن حيث انخرط عدد مهم من الشباب التونسي في هذا التنظيم وفي الشبكات المرتبطة به واحتل مسؤوليات قيادية سواء في مجال المطبخ السياسي أو في مجال العمليات التنفيذية. ولذلك يرى الدكتور صلاح الدين أنه كان من الطبيعي أن تتخذ هذه الظاهرة أبعادا متسارعة بعد الثورة نظرا لمناخ الحرية الذي توفرّ في البلاد والذي لم يستثن أحدا ولهذا لأول مرة في تاريخ تونس يحتل شباب منابر في المساجد ليمجدوا “بن لادن” وسياسات القاعدة.

لكنّ القاعدة حسب رأيه ليست تنظيما موحدا هرميا وإنما هي فكرة وهذه الفكرة تسمح بحرية التنظم تحت رايتها واتخاذ صيغ متعددة بين الجماعات والشبكات التي تتخذ من القاعدة مثالا لها ولا يعني ذلك غياب مظاهر التنسيق بينهم ولكن هناك مرونة واسعة جدا من حيث التنوع التنظيمي وتعدد القيادات وهذا يفسر نشأة تنظيم أنصار الشريعة الذي يعتبر من بين التنظيمات الهامة التي ولاؤها الفكري والمرجعي للقاعدة كرمز وكفكر ولكن يتمتع التنظيم باستقلالية في اتخاذ القرارات وإدارة شؤونه على الصعيد التونسي.

وأشار الأستاذ صلاح الدين أنه وفي سياق حرية التنظم نشأ تنظيم داعش الذي منذ بداية تشكّل نواتاته الأولى والتي كانت تحمل أسماء أخرى غير داعش يعتبر جزءا لا يتجزّأ من هذه الظاهرة ذات المرجعية القاعدية. وبدأ يبرز هذا التنظيم بالخصوص بفضل ما حققه من توسع في كل من سوريا والعراق ولهذا عندما بدأ الحديث عن الجهاد في سوريا كان الشباب التونسي التابع لأنصار الشريعة أو لغيرها من التنظيمات بين خيار الانتماء لتنظيمين متفقين في المرجعية ولكنهما يختلفان في أمرين أولهما مسألة القيادة وثانيهما الاستراتيجية القتالية في سوريا وهما داعش وجبهة النصرة. وبالرغم من أنّ هؤلاء الشباب الذين توجهوا إلى سوريا قد ارتبطوا تنظيميا بأنصار الشريعة في تونس _حسب قوله_ فإنّ جزءا منهم التحق بجبهة النصرة ولكن الجزء الأكبر التحق بداعش وهو ما يسمح بالقول بأنّ تنظيم داعش يبدو الأكثر تأثيرا على أنصار الشريعة وعلى ما يسمى بالسلفية الجهادية في تونس دون أن يعني ذلك الارتباط العضوي لأنصار الشريعة بداعش. وهذا أمر يمكن فهمه كثمرة للهالة الإعلامية التي اكتسبها تنظيم داعش بعد الاختراق الذي حققه في العراق. لكن السؤال المطروح الآن يتعلق بمدى الجزم بحصول قطيعة بين أنصار الشريعة والرمزية القيادية لتنظيم القاعدة ممثلة في الظواهري لأن تنظيم داعش قد دخل في خيار سحب البساط من الظواهري وقدم نفسه كبديل وممثل وحيد للسلفية الجهادية وهو ما جعله يقدح في عقيدة ومشروعية من يختلف معه في الولاء التنظيمي أو في المشروع السياسي.

داعش قد تمول الإرهابيين المتمركزين بالشعانبي

وبالعودة إلى تداعيات ما يحصل الآن في البلدان العربية على تونس ومدى ارتباط الجماعات الارهابية المتمركزة بالشعانبي بداعش يشير الدكتور رياض الصيداوي إلى أنّ فرضية تنسيق داعش مع الجماعات الإرهابية في الشعانبي قائمة وإمكانية تزويدهم بالأسلحة من ليبيا وارد جدا فرغم أنه يعتقد أنّ إرهابيي الشعانبي هم صناعة محلية إلا أنّ التنسيق بينهم وبين التنظيمات المحلية الليبية وارد جدا. كما أشار إلى أنّ أنصار الشريعة مارس منذ اليوم الأول لظهوره خطابا ارهابيا من رفض للديمقراطية وتكفير للناس وأنّ الإرهاب عملة ذات وجهين وجه الخطاب ووجه الفعل أو التطبيق فالذي يتبنى الخطاب الارهابي ويسعى لنشره قادر بالتأكيد على المرور إلى الفعل. وفي تونس بعد الثورة تم التساهل مع الخطاب الارهابي _ حسب رأيه_ لذلك قد يكون في الظاهر أنّ أنصار الشريعة قد تملك بعض المئات يحملون السلاح لكنها بالتأكيد تملك الآلاف التي يمكن أن تتحول إلى جيش احتياطي له.

أما السيد صلاح الدين الجورشي فيرى أنّه من الطبيعي أن يكون للوضع الليبي تأثيرا على الحالة التونسية. وإذا ما تطورت الاوضاع هناك لصالح تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا إلى درجة قد تجعلهم يعلنون قيام دولتهم هناك سيكون له تداعيات أمنية وسياسية. لكن حسب رأيه مازال الوضع بعيدا عن هذا الاحتمال لأنّ معظم الأطراف الليبية المسلحة والغير المسلحة لا تقبل بانشاء مثل هذه الدولة كما انّ التوزّع الجغرافي لأنصار الشريعة في ليبيا لا يوفر لهم هذه الامكانية. لأن الحالة الليبية مفتوحة على احتمالات متعددة، مازال سابقا لأوانه الحسم في اتجاه واحد. لكن من المؤكد أن التطورات في الساحة الليبية في المستوى العسكري لا بد من رصدها لمعرفة ميزان القوى الحقيقي على الأرض وأيضا متابعة التحالفات التي تحصل الآن بين التنظيمات وارتباط هذه التحالفات بالسياسات الاقليمية والدولية.

داعش إذن بصدد التوسع وهي في صراع مازال رحاه يدور بينها وبين تنظيم القاعدة. ومن المؤكد أنّ تونس تتأثر بشكل مباشر او غير مباشر بما يجري في العالم العربي وأنّها تخضع بشكل او بآخر لمجريات الواقع السياسي في العالم والعالم العربي تحديدا. وعن إمكانية انتقال العمليات الإرهابية في الشعانبي إلى المستوى التالي من النوعية، كما جرى في الشهر الماضي، هذا ما سيكشفه المستقبل القريب.