المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

ugtt-abbassi

بقلم إيهاب الغربي،

لعب الاتحاد دورا رئيسيا في الحركة الوطنية منذ تأسيسه سنة 1946 بقيادة فرحات حشاد الذي تولى في تلك الفترة رئاسة الحركة الوطنية نقابيا وسياسيا، خاصة في ظل سجن ونفي زعماء الحركة الوطنية في اواخر الاربعينات. ومن هنا اصبح للاتحاد شعبية تفوق حتى شعبية الحزب الدستوري الجديد.

لذلك فان تصفية حشاد مثلت الضربة القاضية للحركة الوطنية الحقيقية التي نادت بخروج فرنسا النهائي من البلاد، خاصة وان تصفية حشاد سنة 1951 خولت لبورقيبة توظيف الاتحاد لمشروع الاستقلال الداخلي ثم التام. حيث وقف الاتحاد الى جانب بورقيبة في الصراع اليوسفي البورقيبي، في حين ان مجرى التاريخ كان سيتغير لو كان فرحات حشاد على قيد الحياة. اجهض مشروع دولة عربية كبرى كانت ستمتد من مصر الى الجزائر لولا مواقف بورقيبة و وقوف الاتحاد الى جانبه ضد مشروع صالح بن يوسف القومي انذاك.

دور الاتحاد كان هاما حيث ساهم امينه العام لسابق للاتحاد احمد بن صالح الذي تولى في الستينات وزارات الاقتصاد والنعليم والصحة، في خلق تعليم عمومي ومجاني وبعث اغلب مستشفيات البلاد و كذلك بعث اكبر المصانع الوطنية والمؤسسات العمومية. كل هذا بفضل ابن الاتحاد احمد بن صالح، الذي كافئه بورقيبة على انجازاته بعشر سنوات اشغال شاقة كما نسب كل انجازات بن صالح لنفسه.

ثم نكل بالاتحاد ننكيلا شديدا خاصة بعد اعلان الاتحاد في 78 الاضراب العام فقام كل من الهادي نويرة الوزير الاول وعبد الله فرحات وزير الدفاع وبن علي مدير الامن، وخاصة محمد الصياح مدير الحزب الحاكم انذاك. والذي استخدم مليشيا سميت بميليشيا الصياح لقمع الاضراب، وهو ما ادي الى سقوط 1200 شهيد في مجزرة مشهودة في حق تونس و الاتحاد.كانت تلك الضربة القاضية للاتحاد الذي اصبح اثرها اداة طيعة للنظام في باقي عهد بورقية وعهد بن علي .لكن الحركات الشعبية التي عرفتها تونس في اواخر 2010 دفعت الاتحاد الى الانتفاضة على نظام بن علي. وهو ما سارع بسقوط هذاالنظام في14 جانفي 2011 ليعرف الاتحاد منعرجا تاريخيا من خلال مؤتمر طبرقة 2011، حيث تم انتخاب مكتب تنفيذي حقيقي وليس صوري كما كان الامر في عهد نظام بن علي.

بعد فشل مبادرة اكتوبر2012 التي اقترحها الاتحاد على حركة النهضة من اجل الخروج من عنق الزجاجة ،نجد الاتحاد يجر ذيول الخيبة للمرة الثانية على التوالي بعد تعليق الاضراب العام الذي كان مقررا في 13 ديسمبر 2012. لقد حاول حسين العباسي جبر الضرر الذي لحق بالمنظمة الشغيلة بعد جملة من الاعتدائات التي شنتها رابطات حماية الثورة على المقرات الجهوية للاتحاد ،انتهت بالاعتداء في 4 دسمبر2012 على مقر الاتحاد الرئيسي في ساحة محمد علي في يوم استشهاد فرحات حشاد. ويدعي ناشطو هذه الرابطات انهم ضد عودة التجمع ،فيما شوهد قيادييهم في شعب التجمع وبجانب عماد الطرابلسي. فعملت النهضة على تكوين ميليشيا نسبتها الى لجان حماية الثورة. وهنا ينبغي التفرقة بين لجان حماية الثورة الي ساهمت بالفعل في اعتصامات القصبة، واقالة حكومة محمد الغنوشي تحت رعاية المجلس الاعلى لحماية الثورة بقيادة الاتحاد وقوى اليسار على رأسها حزب العمال الشيوعي في 2011. ولكن تشكيل الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة انهى دور لجان حماية الثورة التي انصهر اعضائها في الاحزاب التي ينتمون إليها.

اما رابطة حماية الثورة فهي ميليشيا نهضاوية أنشأت لخدمة الحزب الحاكم الجديد من أجل ضرب المعارضة و تصفية حسبات سياسية من خلال اعتماد العنف للضغط على الخصوم .وهذه الميليشيات النهضوية هي تقليد اخواني اعتمده البنا من خلال ميليشيا فرقة الجوالة التي واجه بها الاخوان ميليشياحزب الوفد القمصان الزرق وميليشيا حركة مصر الفتاة القمصان الخضر في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، تأثرا بميليشيات هتلر وموسليني الفاشية والنازية، التي اوصلت هذه الانظمة الكليانية الى الحكم. لذلك فقد حاول راشد الغنوشي الاستفادة من خبرة اساتذته في الفاشية لحماية سلطته والاستفراد بالحكم. وكان الاتحاد برمزيته وقدرته على التعبئة و التصدي لمشروع اخونة مجتمعنا هدفا لميليشيات النهضة.

وتلعب رابطات حماية الثورة التي انشأها الغنوشي نفس دور ميليشيات الصياح في السعي الى اخماد صوت الاتحاد واقصاءه من الحياة السياسية من أجل تأمين الطريق للدكتاتورية الاخوانية التي تبدو ملامحها جلية ودور قائدها ومهندسها راشد الغنوشي لا يخفى على احد وهو الذي وعد مريديه بالصبر على العلمانيين قليلا، في انتظار الاستفراد المطلق بالسلطة من اجل فرض التعاليم الدينية الاخوانية وليست الاسلامية على المجتمع التونسي. وقد نجح راشد الغنوشي في تركيع الاتحاد بميليشياته، واكتفى العباسي بوعد من حكومة الغنوشي بامكانية التحقيق في ما حدث من اضرار وكان قرار تعليق الاضراب هو تسليم طوعي من الاتحاد لنظام النهضة في ذلك الوقت.

ساهمت الازمة الخانقة التي شهدتها تونس اثر اغتيال محمد البراهمي في 25 جويلية 2013، والتي افضت الى توحد المعارضة وتكوينها لجبهة الانقاذ بهدف اسقاط حكم الترويكا انذاك في اجبار الاتحاد الى الخروج عن دوره الاجتماعي، والاتجاه الى اقتراح حل سياسي يجنب البلادالدخول في حرب اهلية.

حيث اعلن في 5 اكتوبر 2013 الشروع في حوار وطني بين الاحزاب المتنازعة برعاية الرباعي المتكون من لاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس.

كان اثر مبادرة الاتحاد وشركائه في الرباعي حاسما، اذ ساهم الحوار الوطني في استقالة حكومة علي العريض، وهو ما يعني خروج الترويكا من الحكم وانهاء الاحتقان السياسي. كما تم التوافق على حكومة جديدة برئاسة المهدي جمعة، بالاضافة الى المصادقة على الدستور في 26 جانفي 2014. وتكوين الهيئة العليا للانتخابات التي انجزت الانتخابات التشريعية في 26 اكتوبر 2014 ثم الدور الاول من الرئاسية. وتبقى لها الدور الثاني لاستكمال مرحلة الانتقال الديمقراطي.

افضى الحوار الوطني برعاية الاتحاد الى اخراج البلاد من ازمتها السياسية الخانقة .وهو مايؤكد ان الاتحاد ليس فقط مؤسسة نقابية اجتماعية، بل هو هيكل وطني حاسم في كل الازمات التي عرفتها تونس على امتداد تاريخها الحديث