المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

revolution-greve-680

محمد المحسن

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أنّ تونس اليوم في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية سيما في ظلّ التحديات الأمنية والاجتماعية المتلاحقة،وهذا يستدعي منا جميعا هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا.

أقول هذا،وأنا على يقين بأنّ الأوضاع على المستويات الإقتصادية والإجتماعية بالخصوص،مثيرة للقلق الشديد،بالرغم من التحسّن الملحوظ على الصعيد الأمني-وهذا الرأي يخصني-بفضل ما تبديه قوات الجيش والأمن والحرس من مجهودات مكثفة لتعقب الإرهابيين وإحباط مخططاتهم والإطاحة بخلاياهم.

كان من المفروض أن يؤثّر التحسّن الأمني،ايجابيا على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية،لكن ذلك لم يحصل،إطلاقا،فالوضعية العامة،جد حرجة،وأصبحت خاضعة أكثر فأكثر لكل أنواع التوظيف السياسي،إذ تحاول الأحزاب والحركات والتيارات والمنظمات استغلال المستجدات الحاصلة لخدمة أجنداتها الضيقة غير عابئة بما يتطلبه الأمن القومي للبلاد من إلتزام بقواعد التضامن الوطني لمجابهة مثل هذه المشاكل.

وجاءت حملة “وينو البترول” لتزيد من إرباك الحكومة وإضعافها أيضاً،خصوصاً في مناطق الجنوب، التي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة ومتوارثة منذ عشرات السنين.وأدت الحملة إلى تداعيات أمنية خطيرة،تحديداً بعد اضطرار الأمنيين إلى الإنسحاب من مدينة دوز،إثر المواجهات العنيفة التي دارت بينهم وبين المتظاهرين،الذين تمكنوا من حرق المقارّ الأمنية في الجهة.وبسبب خطورة هذه الأحداث،سارعت كل الأطراف السياسية،التي اتُهمت بالوقوف وراء حملة “وينو البترول”،إلى التبرؤ من أي تحريض على العنف،محمّلة الحكومة مسؤولية المأزق في دوز،وغيرها من المدن الواقعة بالجنوب التونسي.

ما أريد أن أقول؟

أردت القول أنّ ارتفاع نسق الإضرابات والإعتصامات،خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية،سيُضعف الاقتصاد ويربك عملية إنتاج الثورة.وقد شعر الكثير من التونسيين بالخطر عندما كشفت المصادر الرسمية عن أن نسبة النمو قد انخفضت خلال الثلاثية الأخيرة من السنة الجارية 2015،إلى حدود 1.7 في المائة.ويعود ذلك إلى موجة الإضرابات من جهة،وإلى انهيار قيمة العمل بشكل غير مسبوق،من جهة ثانية.وهذا ما دفع بالإخصائيين في المجالات الإقتصادية إلى إطلاق صيحة فزع تؤكّد أن الأوضاع بدأت تقترب من شفير الهاوية،حيث أشارت العديد من التقارير الصادرة عن هيئات مختصة إلى تراجع حاد في أداء مؤسسات الإنتاج والإدارات والمنشآت العمومية،مما حدا بكبريات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي،إلى الرفع من سقف ضغوطها على تونس من أجل دفعها نحو إنجاز “الإصلاحات”المطلوبة خلال الأشهر المتبقية من هذه السنة،لأنه في حال عدم إنجاز ذلك،فإن المساعدات المالية قد تتوقف.

ويُضاف إلى هذه الأجواء المتوترة سياسيا،اقتصاديا وإجتماعيا ما ذكرته مصادر وزارة الداخلية،من اندساس بعض المجموعات الراديكالية في صفوف الغاضبين،من أجل تسخين الأجواء والتحريض على الدولة.وبات من المؤكد قيام المهربين بتغذية حالات التوتر،خصوصاً في المدن الحدودية مع ليبيا،لتوفير المناخ الذي يسمح لهم بتوسيع تجارتهم الموازية.

وعلى الرغم من البعد الجغرافي لسرت (المدينة الليبية الثانية،بعد درنة التي تقع بيد تنظيم داعش ) عن الحدود مع تونس،والتي تصل إلى 400 كيلومتر،إلا أن ذلك لم يمنع التونسيين من استشعار قرب الخطر منهم،في ظلّ المؤشرات السلبية الواردة من العاصمة طرابس،والإنهيار المفاجئ للحوار السياسي بين الليبيين إثر انسحاب فريق طبرق منه.

ولإنقاذ الوضع،دعا الصيد رؤساء الأحزاب،سواء المشاركة في الحكومة أو في المعارضة،إلى جلسة طارئة،من أجل إطلاعهم على آخر المستجدات وطنيا وإقليميا،في انتظار نضوج شروط الحوار السياسي.

وأوضح الحبيب الصيد أنّ خطر الإرهاب والوضع الاقتصادي والمالي المتردي قد ظهرت تجلياته في تراجع نسبة النمو،وظهور الاقتصاد الموازي الذي يكلف الدولة وفق تقديره خسائر سنوية تناهز مليار دينار،متعهدا في ذات السياق بالتصدي لجميع المخططات التي تستهدف الوطن و النمط المجتمعي.

من جهته،أكّد القيادي بالجبهة الشعبية زياد لخضر أنّ الحوار الوطني بات ضروريا بالنظر إلى خصوصيات المرحلة التي تمر بها تونس”،مشدداً على “ضرورة وجود حد أدنى من التوافق حول عدد من المسائل”.

وأضاف لخضر أن ”عراقيل عدة تحول دون الحوار مع النهضة،أولها اغتيال قيادات الجبهة الشعبية”، لكن ذلك لن يمنع،حسب رأيه،”استعداد الجبهة للدخول في أي حوار يهم مستقبل تونس مع مختلف الأطراف”.

وسبق لرئيس”حركة النهضة”راشد الغنوشي،أن توجّه عبر إذاعة “موزاييك” المحلية،إلى “الجبهة الشعبية” لـ”المشاركة في طاولة الحوار لتقريب وجهات النظر”.وأعتبر أن “في ذلك مصلحة تونس وضمان لنجاحها”.

ولم يكن الرئيس السابق،المنصف المرزوقي،خارج دعوات الحوار،بل دعا،بصفته ممثلاً لـ”حراك شعب المواطنين”إلى الحوار أيضاً،بمناسبة مبادرة “وينو البترول”

وهنا أختم: إنّ بلادنا مسيّجة بحراب الأعداء الذين يدفعون في اتجاه الإرباك والفوضى.وهو ما يدعو جميع الأطراف السياسية إلى حوار وطني شامل تترك بمقتضاه الخلافات جانبا،ومن ثم يقع التوصّل إلى توافقات تمكّن من رص الصفوف،مواجهة الخطر الداهم وانقاذ البلاد والعباد من السقوط في هوّة الخراب حيث لا شيء غير الندم.وصرير الأسنان.

.وأرجو أن تصلَ رسالتي إلى عنوانها الصحيح.
محمد المحسن كاتب صحفي وعضو بإتحاد الكتاب التونسيين