National Museum of the State Security System
المتحف الوطني لجهاز أمن الدولة

المتحف الوطني لجهاز أمن الدولة هو من بين الأعمال الفنية العديدة التي أنجزتها الكاتبة المسرحية والمخرجة المصرية ليلى سليمان مع المخرج والممثل البلجيكي رود جيلنس. وقد طلب منظمو “دريم سيتي” من الفنانين إعداد عمل للدورة الخامسة من هذه التظاهرة الثقافية (4-8 نوفمبر2015). التقت نواة بليلى سليمان للحديث عن مشروع الرواية الفنيّة لجهاز أمن الدولة الذي كان ينشط تحت نظام بن علي.

في ساعة متأخرة من عشية يوم الأحد 8 نوفمبر، تستأنس مجموعة من الأشخاص، الحاملين لأساور بلاستيكية صفراء، بخريطة مسار التظاهرة و تحث الخطى في أزقّة المدينة العتيقة للحاق بالساعات الاخيرة من دريم سيتي. في ممرّ مظلم، طابور من حوالي ثلاثين شخصا، يضحكون، يدردشون ويدخنون في انتظار الدخول إلى ثكنة العطارين التي تم تحويلها لمدة خمسة أيام فقط إلى متحف وطني لجهاز أمن الدولة.

Museum guide.
خريطة المتحف (إضغط على الصورة لتكبيرها)

تبدأ الزيارة بإدخال مجموعات صغيرة من ثلاثة أو أربعة أشخاص إلى المتحف. في البهو المضاء بفوانيس مشعة، يمرر حارس أمن جهاز الكشف عن المعادن على أجساد الزوار الذين تركوا حقائبهم في صناديق مرقمّة بالمدخل. بعد ذلك يحصل الزوار على خريطة المتحف قبل أن يعبروا فناء رماديا فارغا للوصول إلى المعرض.

Reception area.
بهو الاستقبال

صوت الدليل وهمسات المجموعات تتلاحق في الأروقة والغرف. رغم ذلك، مزيج من البرد والصمت يلقي بثقله على المكان. الجدران البيضاء العارية متصدعة وغرفتا الأرشيف المبعثرة بدت وكأنها حقيقية وقد تراكم غبار السنين على الملفات.

Archive room.
غرفة الأرشيف

في قاعة الذاكرة، وضعت طاولة صفراء باهتة كتب عليها بحروف حمراء هذا الإهداء: “إلى كلّ السجناء السياسيين أحياء كانوا أو أمواتا”. ثم نصل إلى رواق ضيق يحتوي على أربع غرف متشابهة مخصّصة للاستنطاق ومؤثثة بنفس الطريقة: مكتب معدني وهاتف وكرسي وخزانة الملفات.

La salle du Souvenir
قاعة الذاكرة

خلوّ المكان من الزينة، يوحي بالعنف الممنهج الذي كان يتعرض له الموقوفون عند الاستنطاق، مثل نجوى الرزقي:

Investigation Room.
غرفة الاستنطاق
نجوى رزقي وإلياس اللافي كانا سجينين سياسيين تحت النظام السابق. وهما اللذان قاما بدور الدليل في المتحف الوطني لجهاز أمن الدولة، ليس فقط بإرشاد الزوار من قاعة إلى أخرى، بل أيضا من خلال سرد تجربتهما خلال الزيارة. وهذا مقتطف من شهادة نجوى الرزقي التي قدمت في المعرض:

اسمه عبد المجيد، هذا كل ما أعرفه عنه. أخذوني إلى سيارة بيضاء ليست عليها أية علامة تدل أنها تابعة للحرس. أدخلوني السيارة وأجلسوني في المقعد الخلفي وسط عونين أحكما غلق الباب. انطلقت السيارة باتجاه مدينة القيروان التي تفصلها عشرة كلمترات عن الكلية.
كعادتهم ، اقتادوني بطريقة مُهينة إلى منطقة الحرس كما تقاد الشاة إلى المسلخ . هناك اعترضني البوليس السياسي. كانت وجوههم تضمر شرا. جذب أحدهم عصا غليظة من اللوح وانهال ضربا على كامل جسدي بطريقة عشوائية. كان يصرخ وهو يضربني ولم أستطع أن ألتقط سوى بعض الكلمات التي ظلت راسخة في ذهني لأنه كان يرددها بطريقة هستيرية: ” والله ما نرجع ربك قوادة”. تدخل آخر ودفعني باتجاه غرفة وجدت فيها بعض رفاقي وعدد كبير من الطلبة الذين أعرف بعضهم. كانوا يجلسون على الأرض ووجوههم إلى الحائط. أجلسوني مثلهم تحت لكمات موجعة. كنت أشعر بوطأة الوقت ومرارة الانتظار.

⬇︎ PDF

Investigation Room.
مكتب التحقيق

بين الواقع والخيال

تؤكد ليلى سليمان على أنّ “المتحف خيالي” مذكرة أنه من السهل جدا أن ننسى ما رأيناه في قاعات وأروقة ثكنة العطارين. والمتحف الوطني لجهاز أمن الدولة هو من بين الأعمال الفنية العديدة التي أنجزتها الكاتبة المسرحية والمخرجة المصرية ليلى سليمان مع المخرج والممثل البلجيكي رود جيلنس. وقد عرض سفيان وسلمى ويسي من جمعية “شارع الفن” وأمين المعرض يان جوسنز على الفنانين تقديم عمل خلال الدورة الأخيرة من دريم سيتي. التقت نواة بليلى سليمان لمزيد من التفاصيل حول هذا العمل الإبداعي.
فبالرغم من أن المتحف خيالي (بمعنى أنه لم يقع بعثه من قبل الدولة) فإن الحكايات والأحاسيس التي تسكن جدرانه ليست كذلك. وتقول ليلى سليمان أنه “تماشيا مع موضوع إبداعات دريم سيتي، استلهم العمل من تجارب فئات مختلفة من المواطنين في تونس”. واستنادا إلى قصص وتجارب وذكريات هؤلاء (أجرى جيلنس وسليمان مقابلات مع حوالي ثلاثين شخصا) وكذلك الأماكن التي تم استكشافها في المدينة القديمة، توصل الفنانين إلى الشكل المكاني والبصري الذي يجب أن يتخذه المتحف.
و اجابة على سؤال تعلق بسيرورة البحث، ذلك أن الأرشيف والوثائق التاريخية كان لها دور أساسي في أعمال سابقة للمخرجة المسرحية، أكدت سليمان أن الأبحاث تأخذ أشكالا مختلفة، وهذه المرة، كانت المقابلات هي المصدر الأساسي للمعلومات. وقالت سليمان إن “كل كلمة، حقيقية أو وهميّة كانت، تمنح للمكان عمقا”. وإن كانت غرفة العرض تشكل الجزء الواقعيّ الوحيد للمعرض، فإن “تفاصيل كل زاويا المتحف” مرتبطة بالمقابلات. كذلك عرض الشهادات في الغرفة الأخيرة قبل الخروج، كان إختيارا يعكس “ترتيب الواقع والخيال.”

اللحظة جماعية بدل النموذج الدائم

حفظ الذاكرة الوطنية حق لكل الأجيال المتعاقبة من التونسيات والتونسيين وهو واجب تتحمله الدولة وكل المؤسسات التابعة لها أو تحت إشرافها لاستخلاص العبر وتخليد ذكرى الضحايا. الفصل 5 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها

في 24 ديسمبر 2013، نصّ قانون العدالة الانتقالية على إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة لتعزيز الكشف عن الحقيقة، والحفاظ على الذاكرة الوطنية. ورغم الإنطلاق الفعليّ لمسار العدالة الإنتقالية، يمكن التساؤل عن إمكانية الإستفادة من مشروع سليمان وجيلن لبعث متحف الذاكرة. ولكن سليمان تعتقد أن ذلك لا يندرج في سياق ما قدمته من عمل فنيّ.

Prison cell.
غرفة الإيقاف

تستحضر الأعمال الفنية السابقة للكاتبة والمخرجة المسرحية جوانب دالّة من الماضي لفهم الحاضر وتستخدم الفن كأداة لنشر المعلومة. في المسرح، يتفاعل الجمهور مع أداء الممثلين على الخشبة وفي المتحف، يسافر= الجمهور عبرالتفاعل مع الفضاء. في الحالتين هناك تجربة قوية وعابرة يتقاسمها المتفرج والفنان. وفي هذا السياق، تصف سليمان المتحف بأنه خلق “لحظة جماعية … لحظة تقاسم المعرفة، لحظة انفتاح محسوسة لا يمكن إدراكها أو تناولها بسهولة في الفضاء العام “.

نشكر رود جيلنس على إهدائنا الصور والوثائق