مازال ملف المستشفي الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس يراوح مكانه. ولم تفلح الجلسة الصلحية، التي جمعت يوم الخميس 28 أفريل 2016 وزارة الصحة بالاتحاد العام التونسي للشغل، في تسوية هذا الملف، إذ تم تعليق التفاوض، ليُعيد النظر فيه كل من رئيس الحكومة والأمين العام لمنظمة الشغالين.
وفي الوقت الذي كان يلتمس فيه جل المتابعين بوادر تجاوز الأزمة، نشر وزير الصحة سعيد العايدي بعيد الجلسة الصلحية بيومين، تدوينة على صفحتة الرسمية بالفايسبوك، وَردَ فيها “أن الأخبار المتداولة على بعض المواقع الاجتماعية والتي تتحدّث عن إقالة مدير مستشفى الحبيب بورقيبة خالية تماما من الصحّة وأن الحكومة متماسكة ولها نفس الموقف ولا تتنازل عن صلوحياتها”.
بعثت “فايسبوكيات” الوزير بدلالات سلبية لقادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وخصوصا الأمين العام حسين العباسي، الذي انتقد في آخر حواراته عدم انسجام الموقف الحكومي، مشيرا إلى وجود أزمة عامة بين الاتحاد والوزراء المتحزّبين.
النقابيون هدفا لـ”بروباغاندا” الوزير
يلوح جوهر الخلاف الحالي بين الوزارة والطرف النقابي حول قرار تنصيب مدير جديد على رأس المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس، قادم من المؤسسة العسكرية. وقد علّل رئيس ديوان وزير الصحة سفيان بوراوي هذه التسمية الجديدة بأنها “تندرج في إطار الصلاحيات القطاعية للوزير، وهي جزء من الإصلاحات المزمع تنفيذها على رأس الإدارات” على حد وصفه. ومن هذا المنطلق نهضت دعاية الوزارة على حجة رئيسية مفادها أن معارضة الطرف النقابي تعكس سعيا إلى منازعة الدولة في اتخاذ صلاحياتها.
ولكن تعود بداية الجفاء بين الطرف النقابي ووزاة الصحة إلى فترة سابقة، حيث أعلن الوزير العايدي منذ الصائفة الفارطة عن وجود سوء تصرف مالي وإداري بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس تبلغ قيمته 35 مليون دينار، منوّها بتورط النقابيين في هذا الملف. وفي هذا السياق أكد عادل الزواغي، الكاتب العام للنقابة الأساسية لمستشفى بورقيبة، لموقع نواة أن “تصريحات الوزارة كانت تهدف آنذاك إلى إضعاف الموقف النقابي وشيطنة الاتحاد، خدمة لمشروع دعائي لشخص الوزير، بالاستعانة ببعض وسائل الإعلام”. مشيرا إلى أن سوء التصرف الذي تحدث عنه الوزير دون أن يقدم إثباتات، هو عجز متراكم في ميزانية المستشفى منذ سنوات، ومن ضمنه ديون متخلدة بذمة المرضى وعائلاتهم تبلغ قيمتها 25 مليون دينار. وأضاف محدثنا بأن جل المؤسسات الصحية الشبيهة تُراكم عجزا ماليّا، على غرار مستشفى الرابطة 17 مليون دينار، وشارل نيكول 21 مليون دينار.
وبخصوص تنصيب المدير الجديد، أشار الزواغي إلى أن المعارضة النقابية تنطلق من أساس قانوني ودستوري، يضمن تعيين مسؤولين إداريين على رأس المؤسسات الصحية، عكس التوجه الوزاري الذي يهدف إلى عسكرة المؤسسات المدنية، على حد تعبيره.
ويُذكر أن المدير الجديد العقيد شكري التونسي لم يباشر عمله بالمستشفى منذ أن سعت الوزارة إلى فرضه بالقوة العامة في شهر سبتمبر سنة 2015.
معركة فرض الإرادات
أثناء احتدام الأزمة بين الوزارة والنقابة الأساسية بمستشفى بورقيبة، تدخلت المركزية النقابية لاحتواء الأوضاع بترتيب اتفاق مع رئيس الحكومة منذ شهرين. ولكن وزير الصحة لم يبد رضاه على هذه التسوية التي جرت في هرم التمثيليتين النقابية والحكومية، وهو ما أكده مؤخرا الأمين العام للاتحاد حسين العباسي، حيث أوضح في حوار أجرته معه أسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة أمس الاثنين “جلستُ إلى رئيس الحكومة وتحدثنا عن هذا الموضوع، ووجدت معه مخرجا. وأردنا أن نحّول هذا إلى اتفاق شامل لحل الأزمة برمتها، لكنه لم يتجسد في الحوار الذي جرى لاحقا، فقد رفضه وزير الصحة”. وقد أرجع الأمين العام لاتحاد للشغل تضارب الموقف الحكومي إلى التجاذبات الحزبية التي تهيمن على أداء الحكومة.
وحسب ما أفادنا به حفيظ حفيظ، الأمين العام المساعد بالاتحاد والمكلف بالوظيفة العمومية، فإن الاتفاق الذي جرى بين العباسي ورئيس الحكومة منذ شهرين، تم التوصل فيه إلى التراجع عن تسمية المدير الجديد ونقله في ظرف ثلاثة أشهر إلى المصالح المركزية لوزارة الصحة، هذا وتم الاتفاق على إيقاف الإجراءات التأديبية والتتبعات العدلية بحق النقابيين. ولم يخف محدثنا استياء قيادة الاتحاد من عدم التزام وزير الصحية بالاتفاقات التي أبرمها الأمين العام مع رئيس الحكومة، مشددا على أن الإضراب العام بقطاع الصحة المقرر ليوم 19 ماي المقبل يبقى قائما في ظل تواصل تعنت الطرف الوزاري.
يبدو أن وزير الصحة والقيادي بنداء تونس ركب الموجة الإعلامية والحزبية المعادية لمنظمة الشغالين، إذ سعى إلى المراهنة على الدعاية الإعلامية وحشد المساندة السياسية من حزبه ومن كتلته البرلمانية، التي أصدرت مؤخرا بيانا مساندة تزامنا مع الاحتفاء بعيد الشغل، وصفت فيه الموقف النقابي بـ”الحملة المسعورة” التي طالت شخص الوزير ووطنيته، حسب ما جاء في البيان.
الوزراء المتحزبون وعداء الاتحاد
إن الهجمة الإعلامية والسياسية الأخيرة على الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تغذت في جانب منها من “بروباغاندا” وزير الصحة، تكشف في حقيقة الأمر عن ملامح أزمة عامة داخل منظومة الحكم، وقد بيّن التاريخ التونسي المعاصر منذ أحداث 26 جانفي 1978 أو ما يعرف بالخميس الأسود، عن تلازم أزمات الحكم مع الهجمات على منظمة الشغالين. وفي هذا السياق أشار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، في حواره المذكور، إلى توتر الأوضاع بين الاتحاد وشق من الحكومة أطلق عليه “الوزراء المتحزبون”، وقد لخّص هذا الأمر قائلا “بدأ يوجد شعور أن بعض الوزراء المتحزبين خارجون عن إطار النقد ويعملون بمعزل عن رئاسة الحكومة، ويتمسكون بآرائهم ولو كانت خاطئة…البعض يرى أن وراءه حزبا يسنده، ويتصرف من هذا المنطلق”.
وبالمقابل أبدى تقييما إيجابيا لبقية الفريق الحاكم المستقل عن الأحزاب، إذ أفاد “والبعض الآخر لا يقف وراءه حزب، وتجده يجتهد ويبذل أقصى جهده لإنجاح مهامه لأنه لا أحد يسنده”. ولئن سعى العباسي إلى تحييد رئاسة الحكومة عن هذه المعركة في إطار العزف على التناقضات الداخلية التي تشق البيت الحاكم، فإن الضغوطات المتزايدة على الحبيب الصيد من قبل الأحزاب الحاكمة قد تحمله على الرضوخ والتراجع عن التعهدات “الأخلاقية” التي قطعها مع قادة الاتحاد.
iThere are no comments
Add yours