عمدت الحكومة غرّة جويليّة الجاري إلى اعلان زيادة أسعار عدد من المواد البتروليّة على غرار البنزين والغازوال بقيمة 100 ملّيم و90 مليم لكلا الصنفين. الترفيع الجديد يأتي بعد سنة تقريبا من تخفيض سعر لتر الغازوال ب60 ملّيما، ولكنّه في الآن ذاته يمثّل تواصلا لسلسلة من الزيادات التي لم تتوقّف منذ سنة 2009 لتتطوّر أسعار هذه المواد بنسبة 30% تقريبا خلال 8 سنوات مقترنة بتدهور متواصل للقدرة الشرائية للمواطن التونسي منذ ذلك التاريخ.

تطوّر أسعار المحروقات: سياسة النسق التصاعدي

بدأ النسق التصاعدي المتسارع لأسعار المحروقات في شهر فيفري 2010، مع قرار حكومة محمّد الغنوشي في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن عليّ إقرار زيادة بقيمة 50 مليما في سعر البنزين و60 ملّيما في سعر الغازوال، لتتواصل سلسلة الزيادات إلى حدود الترفيع الأخير الذّي قفز بالأسعار بنسبة 27% خلال أقلّ من سبع سنوات.

تسلسل لم يتأثّر بالتغيير السياسي الذّي شهدته البلاد في 14 جانفي 2011، لتواصل مختلف الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2009 تنفيذ خطّة تقليص الدعم التدريجي عن المحروقات وغيرها من المواد الأساسيّة تماشيا مع برنامج الإصلاح الهيكليّ لصندوق النقد الدولي الذي تبنّاه بن علي قبل ذلك لكن في نسخة معدّلة وأكثر تسارعا.

تقلّبات السوق الدولية للنفط وتنامي عجز ميزان الطاقة

ألقى الارتفاع المتواصل لأسعار النفط الخام في السوق الدولية قبيل سقوط نظام بن علي وخلال السنوات الأولى التي تلت بظلاله على أسعار المواد البترولية في تونس، حيث ناهز سعر برميل النفط الخام حاجز 115 دولارا سنة 2014 تزامنا مع استمرار تدهور الوضع الاقتصاديّ. عمليّة التكيّف مع الطفرة التي تشهدها سوق النفط الدوليّة دفعت الدولة إلى الترفيع المتواصل لأسعار المنتجات البترولية كالبنزين والغازوال بمختلف اصنافه لإحتواء الفارق الذي تتكبّده وإيقاف تنامي العجز المسجّل في الموازنات العموميّة نتيجة ازدياد تضخّم نفقات الدعم. لكنّ المنعرج الذّي شهدته الأسواق الدوليّة للنفط وتراجع الأسعار إلى ما دون 45 دولارا للبرميل الواحد خلق ما يمكن تشبيهه بمنطقة الرفاه النسبي التي استفادت منها الحكومة خلال سنتي 2015 و2016، ومكنّتها من إقرار تخفيضات طفيفة على سعر البنزين بقيمة 20 مليما بداية سنة 2016، و110 ملّيم على دفعتين خلال نفس السنة بالنسبة لمادة الغازوال. تغييرات كان من المفترض أن تستفيد منها الموازنات العمومية بعد انخفاض تكلفة دعم منتجات الطاقة وتحسّن الميزان التجاري النفطي الذّي يؤدّي بدوره إلى تخفيف الضغط على سعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبي تزامنا مع إعلان الدولة بدأ اعتماد سياسة التعديل الآلي لأسعار بعض المواد البترولية، غير أنّ الترفيع الأخير جاء مخالفا لواقع السوق الدولية، حيث لم يتجاوز سعر النفط الخمسين دولارا متماشيا مع التقديرات التي وضعتها الحكومة خلال إعداد ميزانيّة سنة 2017.

الحكومة تُناقض نفسها

الإشارات الأولى للزيادة الأخيرة في سعر المواد البتروليّة، بدأت مع تنامي الأزمة في الكامور من ولاية تطاوين وإعلاق مضخّة البترول. مهمّة التمهيد لهذا القرار توّلاها وزير التكوين المهني والتشغيل عماد الحمامي بإعلانه في 31 ماي الفارط الذّي أعلن “أنّ الحكومة قد تجد نفسها مضطرة إلى الترفيع في أسعار المحروقات، جراء توقف إنتاج وضخ البترول من ولاية تطاوين بسبب اعتصام الكامور”. تصريح لم ينتظر طويلا قبل أن يتحوّل إلى حقيقة مساء يوم السبت الفارط.

في المقابل، أكّد وزير الاستثمار والتعاون الدولي، ووزير المالية بالنيابة، رضا عبد الكافي أنّ الزيادة الأخيرة في البنزين والغازوال كانت خطوة تمّ الاعداد لها مسبّقا ضمن مشروع ميزانيّة 2017، وأنّ التعديل الأخير كان ضروريا لسدّ العجز المتزايد في صندوق الدعم خصوصا مع تدهور سعر صرف الدينار التونسي وارتفاع تكاليف الواردات النفطيّة للبلاد. لكنّ الزيادة الأخيرة لا يمكن أن تكون منفصلة عن برنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي وقرض “تسهيل الصندوق الممدّد” الذّي طالب من خلال بلاغه الأخير في 12 جوان الفارط بتسريع تنفيذ نقاط اتفاقية القرض ومن ضمنها مراجعة الدعم المخصّص للمحروقات.

الاتحاد العام التونسي للشغل على الخطّ…

الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات أثارت من جهتها حفيظة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذّي أصدر بلاغا في 04 جويلية 2017 معلنا رفضه “زيادة مشطّة ليس لها اي مبرّر اقتصادي” حسب تعبيره. بل مضى المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل إلى إعتبار “هذا الإجراء حلقة في سلسلة ضرب الاقتصاد التونسي يأتي بعد دفع الدينار إلى الانهيار وبعد زيادة نسبة الفائدة وغيرها من الإجراءات الليبيرالية التي لا تخدم إلاّ الرأسمال الأجنبي وتكبّل التصدير وتغرق المؤسّسات في العجز وتفضي إلى غلقها وتفكيكها وفقد آلاف مواطن الشغل”. هذا الموقف الرافض للإجراء الأخير، ينبع من ارتدادات هذه الزيادة في المحروقات وانعكاساتها على كلّ القطاعات الإقتصادیّة التّي ستؤدّي بصفة آليّة إلى الإخلال بمنظومة الإنتاج بأسرها. مقاربة تبنّتها منظّمة الشغيلة التي رأت في هذه الخطوة مناورة حكومية للالتفاف على اتفاقيات الزيادة في الأجور و”إفراغها من كلّ محتوى” نتيجة الارتفاع المنتظر لمختلف المنتوجات والخدمات المرتبطة بقطاع المحروقات.