وقد أثار مشروع القانون الكثير من الجدل حوله خاصة وأنه ينزع لإعطاء نفوذ وصلاحيات واسعة جداً للقوات الحاملة للسلاح، ويضع تلك القوات فوق النقد ولا يقرن طبيعة الجنحة أو الجناية بعقوبة مناسبة. حسب عدد من نشطاء المجتمع المدني. وتقول المنظمات الـ11 والتي من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية بوصلة والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيانها، أن هذا القانون إذا تم مريره “فسيجهز على المكتسبات التي تحققت في الثورة وسيؤسس لدكتاتورية بوليسية”.

تضخم القوانين لتكبيل أقصى للمواطن

من الخطير أن يعود هذا المشروع إلى النقاش باعتباره يهدد بشكل أساسي مكاسب حقوق الإنسان التي حققتها تونس منذ عام 2011 إذ يتعارض مع الدستور التونسي الذي يضمن الحق في الحياة وحرية التعبير والحصول على المعلومات.

بهذا التصريح الذي أدلت به فداء همامي عن مكتب شمال أفريقيا لمنظمة العفو الدولية لنواة، يمكن أخذ فكرة عن عمق الجدل الذي يدور اليوم حول قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة والذي وصل إلى درجة “المس من حقوق الإنسان” حسب الهمامي، التي تضيف “يجب على تونس أن تحترم التزاماتها في مجال حقوق الإنسان من خلال ضمان رقابة أكبر على قطاع الأمن واتخاذ خطوات ملموسة للتصدي للإفلات من العقاب”. يأتي هذا ردا على مشروع القانون عدد 25 لسنة 2015 والمتعلق بزجر الاعتداء على القوات المسلحة والذي ورد في 20 فصلا مقسما لخمسة أبواب احتوت 13 فصلا زجريا للعقوبات التي يمكن أن تلحق بشخص قام باعتداء على القوات الحاملة للسلاح سواء لمهمته أو لصفته.

لكن وبالعودة إلى نصوص قانونية أخرى تعنى بحماية أعوان الدولة، تم العثور على العديد من النصوص القانونية التي تقر إجراءات عديدة لحماية أعوان القوات المسلحة من أمن وجيش وديوانة، من ذلك مثلا القانون عدد 4 لسنة 1969 والمؤرخ في 24 جانفي 1969 والقانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 و القانون عدد 46 لسنة 2005 و المؤرخ في 6 جوان 2005 المتعلّق بالمصادقة على إعادة تنظيم بعض أحكام المجلّة الجزائية و تنظيمها و صياغتها و منها الفصول 125 و126 و 127 و 128 التي تجرّم فعل “هضم جانب موظّف”، والعديد من النصوص القانونية الأخرى التي تعنى بحماية القوات المسلحة. وبناء عليه فإن الدافع لتقديم مشروع قانون آخر خاص بحماية أعوان الدولة الحاملين للسلاح قد يكون سببا في مراكمة ترسانة من القوانين على مسألة تعد مشبعة بالخصوصية والقطاعية والمتعلقة بحماية هذا الصنف فقط من الموظفين العموميين.

تشريع للإفلات من العقاب

من ناحية أخرى، فإن مشروع القانون المقترح للنقاش يجعل أعوان الدولة الحاملين للسلاح فوق المساءلة، من ذلك ما يفرضه الفصل 18 في مشروع القانون والذي يقول:

لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب عند دفعه لأحد الاعتداءات المنصوص عليها في هذا القانون في إصابة المعتدي أو موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح والممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء وكان الرد متناسبا مع خطورته.

ولا يمكن التأكد عند تقدم الطرف المتضرر من تدخل الأمن من أن يكون ذلك التدخل وفق المعايير أم لا وأنه كان فعلا ضرورية حقيقة لبلوغ الهدف المشروع وهو حماية الأرواح والممتلكات. فاحتمال ارتكاب خطأ مهني أو تعسف في استعمال القوة أمر وارد وقد يتم التعدي بذلك على المواطنين ولا يمكن أن يحاسب الأمني المرتكب لذلك الاعتداء.

وقد رأت ممثلة منظمة العفو الدولية أن هذا الفصل يعطي صلاحيات واسعة للعون المسلح ويمكن أن يتم تأويله بشكل دائم لصالح العون حتى وإن كان التجاوز صادرا عنه، وتقول في هذا السياق إن:

مشروع قانون زجر الإعتداءات ضد القوات المسلحة يعزز الافلات من العقاب لقوات الأمن بمنحهم الحصانة من التتبع القضائي في حالات الاستخدام غير الضرورى للقوة المميتة و بذلك يمثل هذا المشروع خطوة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني في تونس و هذا يدل على عدم وجود إرادة سياسية من جانب الحكومة لضمان المساءلة عن الإنتهاكات المرتكبة من قبل الأجهزة الأمنية.

مس من حرية الصحافة والتعبير

لا يتوقف الأمر فقط عند إمكانية إفلات العون المسلح من العقاب في حالة ارتكابه للتجاوز، بل إن مشروع القانون في صيغته الحالية يعد ضربا لحرية الصحافة والتعبير والتظاهر حسب تصريح نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري الذي أكد أن هذا القانون “إنقلاب صارخ على الدستور ويجب التصدي له”.

ويشير الفصل الرابع إلى أن كل المعلومات المتعلقة بالأمن في تونس تعتبر أسرارا لا يمكن استعمالها أو مسكها أو تداولها بأي وسيلة من الوسائل (حتى الصحافة) وهذا ما يمكن أن يتناقض مع حقوق النفاذ للمعلومة والعمل الصحفي الإخباري والاستقصائي. ويتعدى الأمر ذلك إلى تسليط عقوبة السجن لمدة عامين وخطية مالية قدرها عشرة آلاف دينار “لكل من تعمد تحقير القوات المسلحة”، ولم يذكر القانون أي معنى للتحقير هنا، إذ ربما يتناول مقال صحفي بالنقد بعض التصرفات الأمنية أو العسكرية أو تمكن عمل صحفي من كشف تجاوزات أو اخلالات في القوات الحاملة للسلاح، وحسب الفصل 12 من مشروع القانون فإن ذلك يمكن أن يعتبر تحقيرا. كما يفرض الفصل 7 من مشروع القانون اخضاع التصوير لترخيص مسبّق ويفرض أيضا مراقبة للمادة قبل النشر حتى في حال وجود ترخيص للتصوير، وهو تقنين واضح للرقابة.

وتقول آمنة قلالي لشبكة هيومن رايتس ووتش حول خطورة مشروع القانون المعروض والذي يحتوي فصولا في قوانين أخرى تتعارض مع مبادئ حرية الصحافة أيضا “في حالة جدّت مؤخرا، حُكم على الصحفييْن سلام وسلوى مليك بالسجن 6 أشهر في ماي2017، ثم خُفضت العقوبة إلى غرامة مالية. اتُهم الصحفيان بإهانة الشرطة أثناء مداهمة لمنزلهما لإيقاف شقيقهما، هدّد خلالها شرطيّ بـ “تفجير” ابن أخيهما البالغ من العمر 7 سنوات. اعتمد القاضي بشكل كامل على محضر الشرطة لإدانة الصحفيين، رغم اعتراضهما عليه”.

ضرب للحريات ومخالفة للدستور

يؤكد عدد من النشطاء ومن بينهم المحامي الجامعي والناشط الحقوقي أسامة هلال أن العديد من التحركات قد تمت في اتجاه ابطال هذا المشروع وسحبه من المداولات، وصرح أسامة هلال لنواة:

يطفو على السطح مجددا قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين بنفس الصياغة والفحوى التي قدم بها أول مرة سنة 2015. ورغم ما قدم من احترازات ومعارضة على المستويين الاجتماعي والقانوني الصرف، فإن السلطة تمضي قدما في صفقة البيعة لمافيا الأمنيين بمشروع قانون الشخص الأسمى من القانون.

يضيف هلال في حديثه عن خطورة مشروع القانون: “إن النظر في المشروع في صياغته الحالية هو بمثابة تحيز كلي لرجال الأمن بصفتهم في كامل أفعالهم لا أعمالهم، أي أن هذا القانون إن مرّ فهو ضرب لحريات المواطنين المدنية وتقويض صريح لمبدأ المساواة أمام القانون، ومن تلك الحريات طبعا نجد حرية التعبير، حرية التظاهر، الحق في محاكمة عادل. كما يمثل ضربا صارخا لدولة القانون من ناحية خلقه لفئة خارقة فوق المحاسبة وفوق القانون”.

وعن مخالفة القانون للدستور والمواثيق الدولية المتعلقة بعمل القوات المسلحة، يشير أسامة هلال إلى أن “المشروع مخالف للدستور والمواثيق الدولية وخاصة اتفاقيات هافانا المتعلقة بتأطير المظاهرات والتعاطي الأمني وانفاذ القانون، والإشكال أن مجلس نواب الشعب دأب منذ فترة في اعتماد تقنية السابقة التشريعية، فإن الخوف كل الخوف هو نسخ كل التدابير الاستثنائية المتاحة، أي قوانين سابقة الوضع في هذا القانون مما يحول الاستثناءات إلى قاعدة تفرغ كل الضمانات الدستورية من محتواها”. وبهذا فإنه وبالعودة إلى القوانين السابقة التي تعنى بحماية القوات الحاملة للسلاح فإن كل ما تم النضال من أجله في الثورة والتحركات المطالبة بضبط فلسفة الحكم الأمني على الناس لم تبارح مستوى الشعارات.