تشير وثيقة المقترح عدد 37 لسنة 2016 لتعديل النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب والتي وقعها 11 نائبا من حركة النهضة إن “الفترة الماضية والتي تقارب السنتين من عمل المجلس سمحت بالوقوف عند العديد من الأخطاء التي يجدر تداركها” وقد ارتآى نواب النهضة أن تلك النقائص تكمن في الفصول 45 و47 و57 و64 و87 و94 و109 و126 و136 و164، ولكن الفصلين المثيرين للجدل هما الفصلين 3 و48 المتعلقين بصلاحيات رئيس المجلس في الانتداب والترقية للإداريين العاملين في مجلس النواب.

ينص الفصل الثالث من النظام الداخلي على أن “الخطط الوظيفية تسند بمقتضى قرار من رئيس المجلس” ويريد نواب حركة النهضة أن تضاف له جملة “بعد التداول في ذلك مع مكتب المجلس” الذي يتكون من رئيس ونائبيه وعشر أعضاء يتم اختيارهم وفق التمثيل النسبي حسب الفصل 53 من القانون الداخلي، أي أن أكثر الكتل عددا هي التي تحضى بتمثيل أكبر في مكتب المجلس وهو ما تتمتع به النهضة. ويستنتج من هذا أن تداول أسماء المرشحين للانتداب والترقية إذا أحيلت على كتابة المجلس (ذو الأغلبية النهضوية) فإن النهضة ستكون صاحبة الكلمة العليا في الموافقة أو رفض الانتداب أو الترقية، وهذا ما اعتبره عبد الباسط الحسناوي كاتب عام نقابة أعوان وموظفي مجلس نواب الشعب لنواة “أنه مس خطير من حياد الإدارة وتسييس لها”.

وسبق أن أصدرت النقابة بيانا في جوان الماضي تؤكد فيه أنها “متمسكة بفصل العمل النيابي على العمل الإداري” داعية إلى “الإسراع في المصادقة على قانون الاستقلالية المالية والإدارية للمجلس”. ويقول مصدر من إدارة البرلمان لنواة أنه “يوجد صراع بين الأطراف السياسية للهيمنة على إدارة المجلس، فالكل يريد أن يتسحوذ على الإدارة لأنها مفتاح للتحكم في مواعيد اقتراح القوانين والتصرف في الجلسات العامة ومواعيدها وخاصة الغيابات التي سوف يبدأ العمل بنظام الاقتطاع من المرتب في كل غياب”.

ويضيف الإداري داخل المجلس قائلا:

إن المعايير التي سوف تتخذ من أجل انتداب أو ترقية أي عون أو موظف جديد لن تكون بالنزاهة والشفافية ومعايير الكفاءة ، بل ستكون حسب الولاءات، لأن الترقيات مثلا تكون مبنية على مقترح الرئيس المباشر في العمل، فهو الذي يتابع عمل الموظفين والأعوان لكن رؤساء الكتل ليسوا في احتكاك مباشر مع الموظفين ولا يعرفون كيفية عملهم وبالتالي فإن التعيينات والترقيات سوف تكون بالضرورة حسب الولاءات، وهذا سيفتح بابا أمام توظيف إدارة مجلس نواب الشعب للمصالح الحزبية الضيقة وبهذه الكيفية سوف يفشل البرلمان في عمله.

وبالنسبة للقوانين المقارنة، فقد وجد في البرلمان الفرنسي مثلا في الفصل 16 من نظامه الداخلي لجنة برلمانية خاصة للقيام بالانتدابات، وبالتالي فتسييس اللجنة التي تقر الانتدابات والترقيات ربما يكون أمرا عاديا في دول أخرى. وحول هذه النقطة أجاب كاتب عام نقابة أعوان وموظفي مجلس النواب:

إذا أردنا المقارنة مع فرنسا فيجب الإنتباه إلى أن الديمقراطية الفرنسية عريقة جدا مقارنة بتونس وقد مرت بتجارب وأخطاء ووصلت إلى نضج يسمح لها بالانتداب وفق معايير لجان الجمعية العامة، إضافة إلى أن تلك الإنتدابات في فرنسا تبقى مقيدة بشروط إذ لا يمكن أن تقرر اللجنة الخاصة بالانتدابات والترقيات أي قرار إلا إذا تجاوب المترشح للمنصب الإداري للشروط الموضوعة مسبقا والمتفق عليها. وطبعا لرئيس تلك اللجنة في فرنسا عشر مساعدين من بيهم نواب عن المعارضة.

وإذا مرت التنقيحات المتعلقة بمكتب المجلس الذي يتكون من نواب (لهم وظائف سياسية بالطبع) فإن القرارات في الانتداب لن تكون مطابقة لجوهر الاستقلالية بشكل أو بآخر لكون صاحب القرار سوف يكون سياسيا وليس إداريا، ويكون التعيين على أساس الولاءات الحزبية ما يجعل الموظفين في قلب الخصومات السياسية بين الأطراف. ويقول الحسناوي:

إن الإجراءات المعمول بها في الإدارات وفي قانون الوظيفة العمومية تنص على أن رئيس الإدارة هو آمر الصرف وهو الذي يقرر فتح باب الإنتدابات بالتفاهم مع المصالح المعنية وأيضا هو من يقرر الترقيات، لكن في حالة مجلس نواب الشعب فإن رئيس الإدارة هو ذاته رئيس المجلس ويمكن أن يتغير وهذا عادي ومقبول، لكن أن ينضاف إلى الرئيس عدد من رؤساء الكتل الحزبية في تقرير إجراءات إدارية بحتة فهذا أمر ليس في صالح سير العمل الجدي.

وأضاف عبد الباسط الحسناوي أن كل الموظفين في المجلس لا يميلون إلى أي كتلة على حساب أخرى، مشيرا إلى أن: “الإشكال أننا نتعايش مع السياسيين في نفس الفضاء وهو أروقة ومكاتب المجلس ونحن عرضة للضغط السياسي والحسابات والترضيات أكثر من أي إدارة أخرى لأننا نباشر العمل مع السياسيين وبالتالي وجب الانتباه إلى ضرورة التحييد الفعلي لإدارة المجلس عن السياسة لأنه بفشل إدارة البرلمان يفشل البرلمان”.

وحسب هذه التصريحات فإن الأطراف السياسية ذات الأغلبية وخاصة حركة النهضة التي حرصت على تمرير مشروع التنقيح للجلسة العامة بعد نقاشه في لجنة النظام الداخلي، ليست مكتفية بما هي عليه من سلطة يوفرها عدد نوابها في المجلس بل تريد الامتداد إلى الغرفة الخلفية للبرلمان.