مرحلة المهجر التي امتدت 11 سنة، منذ رفع تحجير السفر والمراقبة الإداريّة أواخر سنة 2000، عن وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي الجديد، الذّي انتمى في سنّ مبكّرة إلى حركة النهضة، كانت البداية الحقيقيّة للمسيرة المهنية لرجل القانون زياد العذاري. خرّيج كلية العلوم القانونية بتونس وجامعة السوربون الفرنسيّة، ظلّ يتنقّل بين العديد من الوظائف على غرار مدقق حسابات لدى أكاديمية القانون الدولي في لاهاي التابعة لمحكمة العدل الدولية، إضافة إلى العمل كمحامي في عدة مكاتب في باريس ومستشار لدى عدة منظمات ودول أفريقية كمختص في تسوية النزاعات الدولية.

النجاح المهني للرجل لم يكن بقدر حضوره على الساحة السياسيّة في الداخل والخارج، والتي كانت أخبارها شحيحة بطبعها في ظلّ الحصار الإعلاميّ لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن عليّ. لتكون الانطلاقة السياسية لزياد العذاري بعد 14 جانفي 2011 وانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر. حيث فاز بمقعد عن حركة النهضة بدائرة سوسة، ليستمر صعوده السياسي بتعيينه ناطقا رسميا باسم الحركة في سنة 2013 ومسؤولا عن مكتبها الإعلامي في السنة الموالية. أما في الانتخابات التشريعيّة سنة 2014، فقد تمكن هذا الأخير من الفوز بمقعد في مجلس نواب الشعب. مهمّة نيابية لم تستمر كثيرا بعد تعيين زياد العذاري وزيرا للتشغيل في حكومة الحبيب الصيد في جانفي 2015 والتي رسمت الملامح الأولى لمنظومة المحاصصة الحزبية التي ستشكّل عماد التغييرات الحكوميّة المتتالية.

أولى بوادر الفشل

حكومة الحبيب الصيد الأولى التي تلت الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة سنة 2014، حملت كمّا هائلا من الوعود التي أطلقها الحزبان الرئيسيّان في الائتلاف الحاكم، لتتوزّع المناصب والحقائب الوزاريّة بين حزبي الشيخين، فينال زياد العذاري في 02 فيفري 2015، حقيبة وزارة التشغيل في بلد يتجاوز عدد معطّليه النصف مليون شاب. لم يتأخّر رجل القانون، والناطق السابق باسم الحزب الحاكم، في رسم أولى بوادر الفشل، بإعلانه في شهر ماي من نفس السنة إيقاف منحة “أمل” للعاطلين عن العمل “بهدف تشجيع الشباب العاطل عن العمل على الانخراط في سوق الشغل” حسب تعبيره. لتتواصل الإخفاقات المتزامنة مع سيل الوعود والبرامج الوهمية نحو تأجيج الإحتقان وتأكيد خلاء وفاض الوزير. هذه الوزارة كادت تُطيح بحكومة الحبيب الصيد في جانفي 2016 بعد اقدام الشاب رضا اليحياوي على انهاء حياته احتجاجا على اقصاءه من قائمة المرشّحين للوظيفة العموميّة والإصرار على إطالة فترة بطالته من قبل المسؤولين المحليّين. احتجاجات توسعت إلى أكثر من 16 ولاية رافعة مطلب التشغيل كاستحقاق في بلد يعاني 30 بالمائة من شبابه الجامعي من البطالة. حاول وزير التشغيل زياد العذاري تسكين الوضع بإطلاق برنامج ”فرصتي“ كآلية جديدة لتسهيل إدماج الشباب في سوق الشغل، لكنّها كسابقاتها لم تكن سوى استمرارا لسياسة التسكين والهروب إلى الأمام في ظلّ غياب حلول حقيقيّة لحلّ هذه المعضلة بشكل جذريّ وفعّال. تبخّرت الوعود بإدماج أكثر من 50 ألف شاب خلال سنة 2016 في سوق الشغل، وكذّبت المؤشّرات وملاحق الميزانية العمومية القاضية بتجميد الانتدابات وتواصل العجز، دعاية وزارة التشغيل ووعودها.

تعميق الأزمات وذرّ الرماد على العيون

ثمانية أشهر بعد تلك الأزمة، كانت كافية لينهي رئيس الحكومة الحبيب الصيد مهامه بعد سحب الثقة منه في مجلس النوّاب بمباركة الشيخين. “البورصة السياسيّة” التي انطلقت مع شغور قصر القصبة، حملت أسماء جديدة، وأطاحت بأخرى، في عمليّة محاصصة قُسّمت فيها المنابات تحت عنوان الوحدة الوطنيّة. وحدة وحّدت وزارتي الصناعة والتجارة في هيكل واحد لتُمنحا كمكافئة لزياد العذاري الذّي لم ينفض الغبار عن ملفات وزارته السابقة.

الفرصة الثانية التي حظي بها الوزير الجديد، لم تختلف عن سابقتها، شكلا ومضمونا، بروتوكولات، برامج، وعود وأرقام تبشّر بتحسّن وضع اقتصاديّ لم يلمسه رجل الشارع الذّي ازداد اختناقا بأزمة اقتصاديّة تلوكها ألسن المسؤولين وتوظّفها في تصفية حسابات قديمة أو لفرض تسليم مطلق بحلول “مؤلمة” كما يحلو لرئيس الحكومة تسميتها. هذا الوزير الذّي جمع وزارتين في مكتبه، يغادرها اليوم تاركا إرثا ثقيلا بعجز تجاريّ بلغ 32.5 بالمائة وتراجعا في الإنتاج الصناعي ب0.8 بالمائة حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2017.

الوزارات المشرفة على القطاعات الأكثر تأزّما من بطالة أو تدهور للقطاع الصناعي واختلال الميزان التجاري وصولا إلى معضلة جذب الاستثمار والتنمية، كانت من نصيب زياد العذاري، وبإصرار رهيب من حاضنته الحزبيّة على تمكينه من الملفّات الحارقة، رغم أنّ هذا الوزير أثبت في تجربتين اتقانه ركن الملفّات ولم ينجح على غرار باقي وزراء الفرق الحكوميّة التي انتمى إليها، إلاّ في تعميق الأزمات وذرّ الرماد على العيون.

في المقابل، أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن حكومة حرب وكفاءات وطنيّة، لا فرصة أمامها للفشل، غير أنّ سيرة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي الجديد، مُثقلة بالمؤشرات والنتائج السلبيّة. لكن يبدو أنّ زياد العذاري مُحصّن من التقييم ليحظى دون غيره بفرصة ثالثة لم يكن فيها للكفاءة دور بقدر معطى المحاصصة وحسابات التوازنات السياسيّة داخل الحكومة والمؤسسات العموميّة.