أعلن أهالي البرادعة التابعة لمعتمدية قصور الساف بالمهدية دخولهم في إضراب عامّ بداية من يوم الاثنين 16 أكتوبر 2017 في محاولة للتصعيد جراء عدم استجابة السلط الجهوية والمركزية لمطالبهم المتعلّقة أساسا بالتنمية في الجهة. هذا وقد تمّ الاتفاق خلال اجتماع نوّاب الجهة ووالي المهدية بمعتمدية قصور الساف يوم 26 فيفري 2017 على تفعيل مجموعة من المطالب المحليّة لفكّ العصيان المدني آنذاك كما أسفر الاجتماع عن إحداث لجنة متابعة في الغرض. غير أنّ جميع بنود الاتفاق المبرم لم تفعّل بعد مرور 8 أشهر، ممّا دفع الأهالي إلى الدخول في إضراب عامّ جديد شعاره الأساسي “إحداث معتمدية بالبرادعة”.

من جهته، رفض رئيس الحكومة يوسف الشاهد مطلب المحتجّين المنادين بإحداث المعتمدية واقتصر ردّه على أنّه “مطلب غير وجيه”خلال اجتماعه بنوّاب الجهة. الأمر أثار حفيظة الأهالي واعتبروه تهاونا من طرف السلطة المركزية التي لا تتجاوب مع حالة التهميش التي تعيشها المناطق المحليّة وتمسّكوا أكثر بحقّهم في تقريب المصالح والخدمات وتأهيل الجهة استجابة لحقهم في التنمية.

ولتبرير حقّهم في إحداث معتمدية، تعلّل أهالي البرادعة بقرار رئيس الحكومة سابقا إحداث معتمدية بني مهيرة بولاية تطاوين. ففي زيارته التي أجراها يوم الخميس 27 أفريل 2017، أعلن يوسف الشاهد أمام أهالي بني مهيرة بالصمارعن إحداث المعتمدية ضمن جملة من القرارات لاحتواء الأزمة التي غطّت الجهة، فعملية التصعيد شملت منذ بداية شهر مارس الفارط تنظيم قوافل اعتصام في الكامور وإعلان الإضراب العامّ ثم غلق معبر الذهيبة الحدودي تحت شعارات التنمية والتشغيل والتمييز الإيجابي لصالح الشباب العاطل عن العمل.

في نفس هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ قرار إحداث المعتمدية بجنوب ولاية تطاوين لم يكن قطّ استجابة لمطلب محلّي بقدر ماهو قرار سياسي ليس جديدا من نوعه. فلطالما عمدت الدولة من خلال بعض القرارات المركزية المتفرّقة إلى تحوير الحدود الترابية للوحدات الإدارية وفق سياقات سياسية بحتة، وظرفية كذلك. فالتقسيم الإداري للدولة الذي يشمل الوحدات الإدارية اللامحورية، منها المعتمديات، لم يكن سوى إمتدادا لمركزية السلطة التنفيذية وتفويضا لعملية أخذ القرار من الأعلى تحت إشراف الوالي مباشرة ووزارة الداخلية التي بيدها الحلّ والربط. ولعلّ أحد أبرز تجليّات عدم فكّ ارتباط الوحدات الترابية مع المركز والداخلية على وجه التحديد، هو تواصل السياسيات الحكومية المماثلة، بتركيز المعتمديات وعدم تفعيل السلطة المحلية المتمثّلة في الجماعات المحليّة، كالبلديات مثلا. أمّا بالنسبة للمواطنين، فتبقى المعتمدية تمثيلا للمركز يواجهونها في كلّ حراك للاحتجاج على قصور القرار السياسي.

رفع شعار إحداث المعتمدية أمام قصر البلدية

أمّا بالنسبة للهاجس الملحّ في مختلف جهات البلاد والمتعلّق بتقريب المصالح والخدمات، فلم تترك وعود أصحاب القرار -التي يطلقونها في الزيارات المناسباتية-للمواطنين غير سبل الضغط وقوّة الاحتجاج. وتتزامن هذه التحركّات الاحتجاجية المطالبة جميعها بالقرب والحقّ في التنمية، مع تراجع الفاعلين السياسيين بمختلف أطيافهم عن مشروع اللامركزية وتفعيل باب السلطة المحليّة من الدستور الذي ينصّ على إعادة توزيع الاختصاصات وتحويل الموارد اللازمة لصالح الجماعات المحليّة. هذا بالإضافة إلى تعليق الانتخابات البلدية والجهوية والمحاصصات السياسية التي تقف وراءها والتي تختزل النقاش السياسي حول الاستحقاق الانتخابي في توزيع المقاعد بين الأحزاب الكبرى.

وهنا يصبح جديّا وجليّا أكثر فأكثر نزوع المركز إلى تقويض لامركزية الموارد -وهي شرط أساسي لضمان الاستقلالية المالية والإدارية للجماعات المحليّة- بعد إيداع مشروع الميزانية لسنة 2018، حيث لم يتضمّن المشروع مناب البلديات من المال المشترك، في انتظار أن تُحال الاعتمادات من الميزانية العامّة بمقتضى قرارات وزارية لاحقة.