Par Fethi Belaid (AFP)

قبيل الشروع في النقاشات صلب لجنة الماليّة حول مشروع قانون المالية 2018، أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا بتاريخ 04 نوفمبر2017، وضّح من خلاله موقفه من النسخة الأوليّة لمشروع ميزانية الدولة المرتقبة، ليَليه في أقلّ من أسبوع بيان ثان صادر عن المكتب التنفيذي بتاريخ 10 نوفمبر من السنة الجارية سطّرت من خلاله المنظّمة النقابيّة ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء لمشروع قانون الماليّة الجديد.

إضافة إلى الدعوة لمحاربة الفساد المالي والإداري والعمل بجديّة على محاربة التهريب والتهرّب الضريبيّ، ذكّر الاتحاد العام التونسي للشغل بمربّعاته المحرّمة التي كادت تؤدي إلى إضراب عام خلال مناقشة قانون الماليّة للسنة الحاليّة كالوظيفة العموميّة وكتلة الأجور، والزيادات في القطاع العام ووضعيّة المؤسّسات العموميّة. العودة للتذكير بهذه المناطق المحظورة والتي اعتبرها الأمين العام للمنظّمة “قلاع الشغيلة وحصنهم الأخير” جاء في سياق الدعوات المتكرّرة من داخل الحكومة ومن هيئات النقد الدوليّة ومنظّمة الأعراف، لحلّ مشكلة القطاع العمومي وتصفية مشاكله وتحميله كامل تداعيات الأزمة الاقتصاديّة التي تعرفها البلاد منذ أكثر من سبع سنوات.

الخطر الذي استشعره الاتحاد العام التونسي للشغل، لم يقتصر هذه المرّة على مذكّرات صندوق النقد الدولي أو التلميح الحكومي بضرورة مراجعة ملفّ الوظيفة العموميّة، بل من خلال الموقف الحازم الذي اتخّذه الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة من مشروع قانون المالية 2018، والذّي تضمّن دعوة صريحة لتصفية القطاع العام، وتخفيف الضغط الجبائي عن القطاع الخاصّ. دعوات بلغت حدّ التهديد بالانسحاب من اتفاق قرطاج وسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد.

مذكّرتان متناقضتان على طاولة الحكومة

في إجابة على الجلسات التشاوريّة التي عقدتها وزارة الماليّة حول مشروع قانون ميزانيّة الدولة لسنة 2018، وجّه الاتحاد العام التونسي للشغل ردّا رسميا بعنوان مذكرة حول ميزانية الدولة لسنة 2018. هذه الوثيقة الصادرة أوائل شهر أكتوبر الفارط، رسمت خطّ التمايز عن الرؤية الحكوميّة للسياسة الماليّة والاقتصاديّة خلال السنة المقبلة وذكّرت مرّة أخرى بتموقع الاتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة بقيّة الفاعلين الاقتصاديّين.

هذا التنافس لكبح جماح مشروع قانون الماليّة لسنة 2018، وضع على طاولة رئيس الحكومة يوسف الشاهد مذكرتي مقترحات متناقضتين. وثيقة المقترحات الصادرة عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، قدّمت مقترحات تتماشى ومصالح منخرطيها وأعمالهم على غرار استثناء المؤسسات الاقتصادية من إجراء الترفيع في معلوم الطابع الجبائي على خدمات الأنترنات الواردة في الفصل 51، وتجميد إحداث نظام جبائي جديد يعوّض النظام التقديري ومواصلة تنفيذ الإصلاح الذي وقع إقراره في 2016، والدعوة إلى “الشروع في معالجة عجز المؤسسات العمومية دون خطوط حمراء على عدة مستويات” والبدء في “خوصصة مؤسسات تنشط في القطاع التنافسي منها شركات التبغ والوقيد وشركة الترصيف والموانئ التي تتسبب في خسارة كبرى للدولة”. في المقابل تقدّم الاتحاد العام التونسي للشغل بورقة مناقضة طرحت رؤية مختلفة تضمّنت موقفه من المسودّة الأولى للمشروع المذكور وعددا من المقترحات حول دعم موارد الدولة وإيقاف إهدار المال العمومي وتجميد الأسعار والحفاظ على دعم الموّاد الأساسيّة والمحروقات. إضافة إلى رؤيته لآفاق إصلاح المؤسسات العموميّة ومعضلة التداين دون المسّ من القطاع العام أو التفويت في مؤسّساته تحت أيّ ظرف أو أيّ مسمّى. كما وضعت مذكّرة الاتحاد العام التونسي للشغل تصوّرا مغايرا لمنظّمة الأعراف حول سبل تعبئة الموارد الماليّة للدولة، عبر إقرار إجراءات ضريبية جديدة على الثّروات الكبرى والميراث وعقود الهبات التي تتجاوز 500 ألف دينار ومعاملات المضاربة الماليّة في البورصة. بالإضافة الى القطع مع النّظام الضريبي معلنا رفضه التام للزيادة في الأداء على القيمة المضافة.

تهديدات في كلّ الاتجاهات

المواقف المتصلّبة من مشروع قانون المالية المرتقب، تجاوزت طيّات الملفات والمراسلات، لتخرج إلى العلن مع تكثيف الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة لهجماته الإعلاميّة ضدّ حكومة يوسف الشاهد على لسان وداد بوشمّاوي، رئيسة منظّمة الأعراف، التّي اعتبرت أنّ الحكومة لا تملك أي مشروع استراتيجيّ أو رؤية واضحة لإنقاذ الاقتصاد التونسي، وأنّ منظّمة الأعراف وأرباب المؤسّسات تحمّلوا وحدهم ما يكفي من المسؤوليّة بقبولهم الزيادة في الجباية التي تمّ إقرارها على المؤسسات الخاصّة بـ7.5 بالمائة سنة 2016. حملات طالت الاتحاد العام التونسي للشغل بعد توجيه الأخيرة اتهاما مباشرا للحكومة بالتراخي في مواجهة المسؤولين الحقيقيّين عن تأزّم الوضع الاقتصادي والتراخي في مواجهة التحرّكات النقابيّة والهروب إلى الحلول السهلة بإثقال كاهل المؤسّسات الخاصّة بضرائب وآداءات جديدة مقابل السعي لتقديم ترضيات لأطراف أخرى.

هذا التبرّم من ملامح السياسة الماليّة والاقتصاديّة وهجومات منظّمة الأعراف، تجلّى اليوم خلال الاجتماع العام الذي حضره الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشعل، نور الدين الطبّوبي في ذكرى أحاث النفيضة، والذّي بدى كفاتحة لمعركة جديدة متعدّدة الجبهات حول فصول مشروع قانون المالية لسنة 2018. نور الدين الطبّوبي فجّر المفاجأة الأولى بإعلانه بطلان ما راج خلال الساعات الماضية حول حصول اتفاق بين الحكومة والمنظّمة حول التمديد في سنّ التقاعد في القطاع العام. تصريح سيرتدّ على مساعي الحكومة لتمرير رؤيتها لإصلاح الصناديق الاجتماعيّة والتي جُوبهت سابقا برفض مطلق من المنظّمة النقابيّة رغم الإغراءات الحكوميّة والترويج لحجم العائدات الماليّة المنتظرة من هذه الخطوة. حيث اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أنّ “المشروع المقدم من الطرف الحكومي يحمّل المضمونين الاجتماعيين وحدهم كلفة الإصلاح”.

نور الدين الطبّوبي لم يكتف بإسقاط المشروع الحكوميّ لحلّ ملفّ التقاعد والصناديق الاجتماعيّة، بل تحدّث بشكل حاسم في اجتماع النفيضة عن رفض الاتحاد العام التونسي للشغل لأي نقاش حول مصير القطاع العام في إطار الخوصصة أو التفويت، محذّرا من إمكانية المضي قدما في التصعيد إذا ما تمسّك الطرف الحكومي بمشروع ميزانيّة الدولة بشكله الحاليّ وبأطروحاته لحلّ الأزمة الإقتصاديّة. من جهة أخرى، لم يسقط الأمين العام لمنظّمة الشغيلة من خطابه الردّ على الهجمة الإعلاميّة لمنظّمة الأعراف، بتوجيه رسالة واضحة مفادها عدم قبول الإتحاد بتحميل تبعات الأزمة وثمن الخروج منها للطبقة الشغيلة دون سواها، ملوّحا بملفّ الزيادات في الأجور في القطاع الخاصّ والذي ما يزال قيد التفاوض. داعيا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة إلى الإيفاء بالتزاماته ومن ضمنها الزيادات المقرّرة منذ سنة 2011.

الطبّوبي الذي تحدّث لأوّل مرّة تقريبا بمثل هذه الحدّة تجاه حكومة يوسف الشاهد ومنظّمة الأعراف، أفصح عن حجم الخلافات بين مختلف الفاعلين في المشهد الاقتصادي، خصوصا مع إصرار الحكومة على تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي المفروض من قبل صندوق النقد الدولي، وتعنّت الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة الرافض لمسّ امتيازاته أو تحمّل أعباء تعبئة الموارد الماليّة للدولة خلال الظرف الراهن. هذا الخطاب الذي تزامن مع انطلاق الجلسات العامة لمناقشة مشروع قانون الماليّة، سيلقي بضلاله على مسار تعديل وتمرير فصول هذا المشروع خصوصا وأنّ جميع الأطراف تستعد لخوض معاركها على عدّة جبهات في آن واحد.