باستثناء المترشح حمة الهمامي الذي أشار في مداخلته ضمن المناظرات الرئاسية إلى ارتباط الأمن القومي بضرورة توضيح نقاط مثل الاغتيالات السياسية وشبكات التسفير إلى بؤر التوتر والجهاز السري، وُجدت نقاط وأمثلة عديدة لم يتحدث عنها المترشحون للانتخابات الرئاسية وتندرج في صلب الأمن القومي. فبين الاختراقات العسكرية والإعلامية والدبلوماسية، تعرضت تونس إلى اعتداءات تمس من جوهر سيادتها وقد لا يتوقف الأمر فقط عند السنوات الأخيرة منذ ما بعد الثورة، فالأمر يعود إلى هجوم حمام الشط في غرة أكتوبر 1985 واغتيال أبو جهاد يوم 16 أفريل 1988 بضاحية سيدي بوسعيد على يد الموساد الإسرائيلي.

اغتيال محمد الزواري

ربطا بإسرائيل ومسألة الأمن القومي، لم يتحدث أي مترشح في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في أي من المناظرات وضمن رؤيته لتأمين البلاد، عن سوابق إسرائيل في الاغتيالات )باستثناء تلميح المترشح حمة الهمامي مرة أخرى الذي اعتبر أن إسرائيل عدوة لتونس مثلما هي عدوة لفلسطين(. ولعل آخر تلك السوابق تتمثل في اغتيال التونسي محمد الزواري في مدينة صفاقس يوم  15ديسمبر 2016 من قبل أجنبيين اثنين مجهولين أطلقا صوبه 20 رصاصة منها ثمانية استقرت فيه و3 أدت إلى وفاته في مستوى الصدر والرأس وذلك حسب ما صرح به وزير الداخلية في تلك الفترة الهادي المجدوب في ندوة صحفية.

التجسس الروسي على الإدارة التونسية

“نسي” المرشحون للانتخابات الرئاسية التونسية في تصريحاتهم الإعلامية وفي إجاباتهم عن أسئلة المناظرة أن يتطرقوا إلى إحدى القضايا المهمة والحساسة بالنسبة للأمن القومي، الحديث هنا عن قضية التجسس الروسي على الإدارة التونسية والتي أدانت فيها الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 23 نوفمبر 2017، 4 متهمين في قضية تتعلق بالتخابر مع روسيا قاضية بسجنهم لمدد تتراوح بين 8 و15 عاما.

القضية، والتي أثارت الرأي العام تمثلت في تجنيد دبلوماسيان روسيان وهم ميخائيل ساليكوف وكيامران راسيم أوغلي راجيموف- المعروف باسم كريم- لعدد من الموظفين في بلديات تونسية مختلفة وفّروا للدبلوماسيين سجلات حالة مدنية، مضامين ولادة ووفاة، وشهادات زواج وطلاق لتونسيين وتونسيات وأجانب، كما تمكنا أيضا من الحصول على وثائق إدارية غير مستعملة، ودفاتر عائلية فارغة أو أوراق بيضاء وضعا عليها ختما يثبت أنها مطابقة للأصل. وقد تم تجنيد الموظفين لمدة خمس سنوات بين 2010 و2015.

الحاوية البلجيكية

لا أخطر على الأمن القومي من تهريب السلاح إلى داخل تونس، والأمر هنا يتعلق بالحاوية البلجيكية التي تحوي أسلحة والتي ضبطها أعوان الديوانة التونسية يوم 9 فيفري 2016. موضوع الحاوية لم يتم ذكره أو حتى التلميح له، على رغم تأكيد الإدارة العامة للديوانة في ندوة صحفية لها يوم 10 فيفري 2016 على نجاحها في عملية أمنية نوعية دقيقة تتمثل في حجز أسلحة ومواد أخرى ممنوعة على ملك مستثمر بلجيكي في حين أن القضاء قال إنها مجرد ألعاب، وهو ما شكل صدمة في صفوف التونسيين الذين مازالوا يطالبون بالكشف عن الحقيقة.

احتجازت ميليشيا ليبية 10 موظفين تابعين للقنصلية العامة التونسية بطرابلس

لم ينحصر المس من الأمن القومي التونسي داخل التراب التونسي أو المياه الإقليمية للبلاد فقط، بل تم المس من السيادة التونسية بشكل خطير عندما احتجزت ميليشيا ليبية مسلحة 10 موظفين تونسيين تابعين للقنصلية العامة التونسية بطرابلس. وأقرت وزارة الخارجية في بيان لها حينها أن “الحادثة بمثابة اعتداء سافر على السيادة الوطنية التونسية، وانتهاك صارخ للقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية الضامنة لسلامة وأمن الموظفين والبعثات الدبلوماسية والقنصلية”. والملاحظ في كل تدخلات المترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها سواء تدخلات إعلامية أو في المناظرات عدم الخوض في هذا المثال أو الإشارة إلى الاتعاظ منه وحماية السفارات والبعثات الدبلوماسية التونسية في كل دول العالم وخاصة المناطق التي تشهد حروبا واضطرابات داخلية.

لم تذكر أي من هذه الحوادث التي شهدتها تونس لدى أي مترشح للانتخابات الرئاسية في ما يخص الأمن القومي على الرغم من كونها صلب هذا القطاع الحساس داخل كل دول العالم. ويمكن قراءة هذا التحاشي على ذكر الأمثلة على أنه إما ابتعاد عن الدخول في إِشكالات مع إسرائيل أو بلجيكا أو ليبيا أو روسيا بشكل مباشر وهذا ما يضع مسألة الأمن القومي تحت الحسابات الدولية للمترشحين، أو أن هناك غموضا في فهم حدود الأمن القومي ومجالاته وهذا بدوره يكشف ضعفا حادا لدى المترشحين في إدراك وظيفة رئيس الجمهورية بالشكل المطلوب.