بالمقابل هنالك ثلاثة أدلة في مسار القضية تناقض تصريحات محامي نبيل القروي التي نفى فيها علم هيئة الدفاع بمبررات الإيقاف وبأن ملف قضية القروي لا يتضمن تهم تبييض أموال، أولها التطور الأخير الحاصل في القضية والمتمثل في تقرير الاختبار القضائي المتكون من 800 صفحة والذي يحمل، حسب الناطق الرسمي باسم القطب القضائي المالي، شبهات جديّة بتورط رئيس حزب قلب تونس بتبييض الأموال والتهرب الضريبي. وقد حصلت هيئة الدفاع عن القروي على نسخة منه. وهو ما يفند ادعاء الدفاع بعدم معرفتهم بمبررات الإيقاف. ثانيا، تكذيب محامي نبيل القروي لما يروج في الاعلام من أن إيقاف موكله مبني على تهم بتبييض الأموال في حين أن القضية التي رفعت عليه منذ البداية والتي تم إيقافه بسببها في أوت 2019 وأعيد إيقافه بسببها في 24 ديسمبر 2020 هي قضية جرائم جبائية وتبييض أموال. ثالثا، تقرير الاختبار القضائي يحمل في حد ذاته أدلة قوية على هذه التهم التي أعطت المسوغات القانونية لإيقافه.

منعرج بعد نتيجة الاختبار القضائي

في كل الحالات، هنالك محاولة للخروج بالقضية من مربعها الأصلي الذي استدعي لأجله نبيل القروي للمثول أمام القضاء وأّودع على أساسه السجن وهو صدور نتيجة الاختبار القضائي في ملف تبييض الأموال والتهرب الضريبي. وقد أكد المتحدث باسم القطب القضائي المالي محسن الدالي لــ”نواة” أن التهم والشبهات المتعلقة بالجرائم الجبائية وتبييض أموال شركات نبيل القروي تحوم حول الشركة القابضة في ليكسمبورغ، هذا البلد الذي يعتبر ملاذا ضريبيا، حيث تقدم هذه الشركة الأم قروضا للشركات الفروع التي تدير الإعلانات والعمليات المالية لقناة نسمة في بلدان المغرب العربي ودبي وليكسمبورغ وكندا بفائض كبير يقدر بـ 05 %، وعند إرجاع القروض لا يبقى في خزينة شركات نسمة في تونس الكثير من أرباح الأسهم لتدفع عليها قيمة الضرائب كاملة. هنا يحدث التلاعب بالترتيبات المالية التي تمكن الشركات المتعددة الجنسيات التي لها فروع في لوكسمبورغ من التهرب الضريبي، بحسب ما جاء في تحقيق لمنظمة “أنا يقظ”.

للإشارة، بناء على الاختبار القضائي والتقرير الذي صدر عنه، تم رصد مبلغ قدره 143 مليون دينار (143 مليار من المليمات) في حسابات القروي لم يتم العثور على وثيقة تدعمه ولم يقدم القروي ما يفيد مصدره.

إلى ذلك،  نشرت “نسمة” بيانا في أكتوبر من سنة 2019، وبعد سنوات من الصمت، تركيبة المساهمين في رأسمالها.وأكدت مجموعة شركات نسمة أنها ملك شركة قابضة في لوكسمبورغ، تمتلك مجموعة “ميدياسات” التابعة لرئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني 34,12 في المئة منها، والمنتج السينمائي ورجل الأعمال التونسي طارق بن عمّار 40,89 في المئة، ومجموعة “قروي آند قروي” 24,99 في المئة.

للتذكير، فإن إطلاق سراح نبيل القروي غداة الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2019 كانت في الأصل للقيام بهذه المأمورية المتعلقة بالاختبار في الملفات القضائية المتهم بها مع تحجير السفر عليه وعلى شقيقه غازي القروي.

السياق والخلفية

اختلفت الآراء حول سياق إيقاف رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي وخلفياته، خصوصا وأن القضية تتعلق بشخصية سياسية مثيرة للجدل في المجال السياسي التونسي، لما لها من ثقل نيابي داخل البرلمان (30 نائبا) ولطبيعة التحالفات السياسية التي تربطها بتنظيمات الإسلام السياسي في تونس (حركة النهضة، ائتلاف الكرامة) وارتباطاتها الخارجية بشخصيات ومجموعات ضغط مؤثرة (طارق بن عمار، سلفيو برلوسكوني، آري بن مناشي…).

هنالك من يرى أن إيقاف رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي يتنزل في سياق تصفية حسابات سياسية مع رئاسة الجمهورية خاصة وأن إصدار بطاقة الإيداع بالسجن جاءت يوما واحدا بعد لقاء محمد عبو برئيس الجمهورية والمعروف بخصومته السياسية مع نبيل القروي الذي يعتبره أحد أهم رموز الفساد في البلاد، وبعد أكثر من أسبوع من الدعوة التي أطلقها محمد عبو لمحاسبة الفاسدين ووضعهم في الإقامة الجبرية. مما يوحي بأن هنالك ضغوط سياسية مورست على القضاء من أجل التأثير في قضية نبيل القروي.

على الطرف الآخر، يعتقد البعض من الحقوقيين والناشطين في مكافحة الفساد أن عملية إيقاف نبيل القروي على خلفية قضية تضارب المصالح هي نتاج لمسار قضائي من التحقيق والتدقيق في القضية عبر خبراء في القانون والجباية وعندما تبين وجود شبهات قوية في ملفه تمت إحالته على القضاء. وبأنه لا يوجد سياق سياسي أو تصفية حسابات وإنما تم الإيقاف باستقلالية عن تدخل السلطة التنفيذية.

وفي هذا السياق نفى القاضي المتقاعد والناشط في المجتمع المدني، أحمد صواب، أن يكون هنالك تدخل سياسي أو ضغط على القضاء حاليا في ملف نبيل القروي، مشيرا إلى أنه إذا كان هنالك من ضغط فكان أولى به أن يحصل في حكومة إلياس الفخفاخ عندما كان محمد عبو وزيرا مكلفا بمكافحة الفساد، حيث كان بإمكانهم ساعتها تحريك ملف القروي عندما بدأت ماكينة النهضة وقلب تونس تتحركان للإطاحة بحكومة الفخفاخ.

وأكّد القاضي المتقاعد على أن القطب القضائي المالي لا يمكن التلاعب فيه بالملفات القضائية ولا الخضوع للضغط من أي كان. وأقر صواب بأن القضاء فيه فساد وفي جزء منه هنالك توظيف سياسي، والملفات التي فيها فساد معروفة، والحرب بين الطيب راشد والبشير العكرمي هي حرب بين الطرفين المعطلين للقضاء: الطرف الموظف سياسيا والطرف الفاسد. واعتبر صواب بأن ما يعتمل الآن في الجسم القضائي هو بداية تحرك ضد الفساد مثلما حصل في إيطاليا بقيادة القاضي أنطونيو دي بيترو وجماعة الأيادي النظيفة، “والتخلص من سلطة التخويف”.

ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن ما يحدث حاليا داخل أروقة القضاء سواء من خلال الإيقافات التي حصلت في سوسة أو العاصمة لرجال أعمال ومسؤولين رفيعين من بينهم رئيس حزب ثاني أكبر كتلة في البرلمان ووزير مباشر في الحكومة الحالية، لم يأتي صدفة ومن غير المرجح أن يكون سحابة صيف عابرة، فالمؤشرات القادمة من قصور العدالة ومن على ألسنة القضاة تشي بوجود ملفات أخرى ستفتح في المستقبل القريب ومحاكمات جديدة للمتورطين في قضايا فساد ستعقد في قادم الأيام.