تعود أطوار قضية نبيل القروي إلى سنة 2016 حين رفعت منظمة أنا يقظ قضية ضده في التهرّب الضريبي وتبييض الأموال. في سنة 2017، تم الاستماع إلى ممثلي المنظمة باعتبارها الجهة الشاكية. وبعد سنة، وقع أول استماع لنبيل القروي. في 2019، اتخذ قاضي التحقيق قرارا بتحجير السفر عنه ثم إيقافه ليتم إطلاق سراحه بعد ذلك قبل موعد الدور الثاني للانتخابات الرئاسية. وقد علل قاضي التحقيق الذي اتخذ قرار إطلاق سراحه بضرورة القيام باختبار وإعداد تقرير اختبار للاستئناس به، وهو ما تم فعلا. وبهذا المعنى فإن القضية أخذت مسارها العادي منذ انطلاقتها وأن قاضي التحقيق، وهو نفسه من اتخذ قرار إطلاق سراح نبيل القروي في 2019، وجه استدعاء إلى القروي لجلسة الاستنطاق بعد استكمال عمل الخبراء واستكمال التقرير الذي أذن به.
الأمر يختلف تماما هذه المرة
على الرغم من أن عملية إيقاف القروي سنة 2019 أثارت الكثير من الشكوك في أن تكون العملية حرب سياسية بين القروي من جهة ورئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد وحليفته حركة النهضة من جهة أخرى، وذلك لتزامن العملية مع انطلاق الاستعدادات للانتخابات التشريعية والرئاسية، وما قد يفهم من استعمال القضاء للتخلص من خصم سياسي، فإن الأمر يختلف تماما هذه المرة. فنبيل القروي هو الحليف الأول لحركة النهضة وهي أيضا مكوّن للحزام السياسي لحكومة المشيشي، المشيشي الذي سعى في مشروع قانون المالية الذي أعدّته الحكومة إلى إفراد فصل خاص بنبيل القروي (الفصل عدد4) والمتعلق بإحداث لجنة يرأسها وزير المالية تتولى “متابعة ومعالجة مختلف الإشكاليات التي يطرحها تطبيق التشريع الجبائي والبت في ملفات الاستخلاص وملفات المراجعة الجبائية قبل التوظيف الجبائي وبعده ما لم يصدر في شأنها حكم نهائي”. وقد طعنت الكتلة الديمقراطية في دستورية هذا الفصل لدى الهيئة الوقتية لدستورية القوانين. وبهذا المعنى لا يمكن القبول تحت أي تصور سعي الحكومة للضغط على القضاء من أجل سجن نبيل القروي، ومنطقيا العكس هو الذي يمكن أن يحدث. أما عن تدخل قيس سعيد رئيس الجمهورية في القضية فإنه لا سلطة له على القضاء، ولكن قد يكون سعيّد وجّه رسائل إيجابية للقضاء حينما أعلن انه لن يتفاوض مع الفاسدين، لأن هؤلاء مكانهم قصور العدالة، وذلك في إشارة لنبيل القروي بالذات.
مستقبل قلب تونس بعد حبس رئيسه
السؤال الذي يطرح كثيرا هذه الأيام هو أي تأثير لسجن نبيل القروي على المشهد السياسي، على التحالفات داخل البرلمان وخارجه، وعلى الحزام السياسي الداعم للحكومة. ارتبط حزب قلب تونس منذ نشأته وفي كل أطواره بشخصية نبيل القروي. وهو من المشاريع السياسية التي ترتبط بالشخص وتزول بزواله، ومن الأمثلة على ذلك حزب نداء تونس الذي ارتبط بشخصية الباجي قايد السبسي وانتهى بخروج الباجي عن الحزب، أو حزب الاتحاد الوطني الحر الذي ارتبط بشخصية سليم الرياحي وانفرط عقده بعد التحاقه بنداء تونس، و بدرجة أقل حزب العريضة الشعبية الذي ارتبط باسم الهاشمي الحامدي، واختفى باختفائه عن المشهد السياسي التونسي.
بهذا المنطق، فإن مصير حزب قلب تونس وكذلك كتلته البرلمانية متعلّقة بمصير نبيل القروي ومستقبله، هذا المستقبل الذي يبدو أنّه لن يكون مريحا على الأقل في المدى المنظور.
فالرجل متهم بتبييض الأموال، حوالي 143 مليون دينار متأتية من ثلاث شركات من ثلاثة بلدان مختلفة حسب المعطيات الأولية. ويبدو أن إجابات نبيل القروي عما ورد في تقرير الاختبار لم تكن مقنعة الأمر الذي دفع قاضي التحقيق إلى إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه. جريمة تبييض الأموال موضوع الحال قد يصل الحكم فيها إلى عشر سنوات سجن. بهذا المعنى فإن مصير الحزب والكتلة البرلمانية لن يتحددا بشكل نهائي قبل صدور حكم بحق القروي.
مصير حليفه راشد الغنوشي
في الاثناء، فإن مجرد إصدار بطاقة الإيداع بالسجن كان كافيا لإدخال بلبلة كبيرة ليس على حزب القروي وكتلته وحسب، وإنما أساسا على حليفته حركة النهضة ورئيسها راشد الغنّوشي، الذي يعرف جيدا أنه أكبر الخاسرين من سجن القروي. فالكتلة البرلمانية لقلب تونس هي ضمانة مواصلة راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان. وقد يشجع سجن القروي خروج بعض نواب الكتلة عن الموقف الداعم للغنوشي وحركته. فعلى الرغم من الوجود الدائم لنبيل القروي، إلا أن كتلته البرلمانية شهدت تشققا وخسرت ثمانية نواب، ومن المنطقي أن يغادر هذه الكتلة نواب آخرين، خاصة عندما يستشعرون بأن سفينة الحزب بدأت تغرق بعد دخول رئيسهم السجن.
سجن القروي سيكون له آثار على الحكومة، فهي من جهة ستتخلص من الضغوط التي كان يمارسها القروي لإجراء تحوير وزاري لم يتحمس له المشيشي الذي لا يرغب في التصادم مع رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى فإن حكومة المشيشي قد تخسر حزامها السياسي الداعم لها.
لذلك من المنتظر أن تسعى حركة النهضة، باعتبارها المتضرر الأساسي من سجن القروي، إلى محاولة تجميع كتلته البرلمانية وتأطيرها للمحافظة عليها في إطار حزب قلب تونس، أو ربّما قد تسعى إلى جلب من هو قادر على مواصلة قيادة الكتلة متماسكة مع المحافظة على التحالف مع حركة النهضة وضمان مواصلة الغنوشي رئاسة البرلمان والتصدي لكل محاولات سحب الثقة.
وهكذا، يمكن أن تكون العملية برمّتها صحوة حقيقية للقضاة في مواجهة الفساد، وخاصة الفساد السياسي، والبداية بفتح التتبع في جرائم الانتخابات التي وردت في تقرير محكمة المحاسبات، ويكون القروي أول قطعة في لعبة الدومينو، صحوة قد تقلب المشهد السياسي برمته رأسا على عقب.
iThere are no comments
Add yours