لم يبالغ أحد المواطنين الذين تعطلوا في الازدحام المروري الذي تسببت فيه كثرة الحواجز الأمنية المحيطة بمنطقة باردو حين قال “إن دخول المنطقة الخضراء ببغداد أسهل بكثير من الدخول إلى باردو هذا اليوم”. فقد انتشرت قوات الأمن بالحواجز الحديدية والمدرعات والعربات في كل المنافذ المؤدية إلى باردو وخاصة المؤدية إلى مبنى مجلس نواب الشعب، وأغلقت الطرق في وجه السيارات والمارة لمحاولة منع المتظاهرين من الوصول إلى شارع الحبيب بورقيبة حيث انتظمت المظاهرة التي دعت إليها منظمات المجتمع المدني والتحق بها شبان محتجون من حي التضامن.

وبالرغم من كل تلك الحواجز إلا أن المتظاهرين تمكنوا بعد إصرار من الالتحاق برفاقهم وجدت بعض المناوشات مع قوات الأمن التي تراجعت أمام ضغط المحتجين ليسمح لهم بالوصول إلى مكان الوقفة الاحتجاجية. رفع المتظاهرون شعارات تطالب بإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الاحتجاجات الأخيرة وتندد بالسياسة القمعية التي انتهجتها الحكومة في تعاملها مع الاحتجاجات الاجتماعية، بالإضافة إلى رفع شعارات ضد مجلس النواب والتحالف الحكومي الذي تجاهل الاحتجاجات وانكب على تمرير التحوير الوزاري.

تواصل سياسة الهروب للأمام والقفز على المطالب الشعبية

الخلاف في الاجندات بين المتظاهرين ومجلس نواب الشعب يعبر عن قطيعة بين الطبقة السياسية وجزء من المعارضة من جهة وقوى المجتمع المدني والمتظاهرين من جهة أخرى، حسب ما صرحت به رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس لموقع نواة. معتبرة أن “الحكومة تواصل سياسة الهروب إلى الأمام وتعتمد سياسة القمع بما أنها غير قادرة على إيجاد حلول وبدائل للشعب التونسي خاصة وأن البرلمان الذي من المفترض أن يعبر عن إرادة الناخبات والناخبين أصبح منبرا للعنف والاحتقان السياسي”.

من جهتها، تعتبر الناشطة نورس الدوزي أن “للبرلمان أولويات أخرى ونوابه يسعون فقط للحفاظ على مواقعهم ولا يهتمون بمصالح الشعب. وهو ما جعلنا أمام وضعية قطيعة باعتبار أن المنظومة في جهة والشعب في جهة أخرى”. وأشارت نورس إلى أن خروج الشبان للتظاهر ليلا أمر طبيعي لأنهم “ضد المنظومة” ويسعون لحماية هويتهم وليس للسرقة والتخريب كما تتهمهم السلطة حسب قولها.

وتوقعت الناشطة في الحراك الاحتجاجي أن المظاهرات ستتجه نحو التصعيد “نظرا لتواصل القمع ضد المحتجين واعتماد السلطة لنفس السياسات القمعية وسقوط شهيد في القصرين بسبب عنف البوليس، بالإضافة إلى عدم سماعها لمطالب المحتجين ومشاغلهم وإيجاد بدائل تنموية وسياسية تستوعب مطالب الشارع المنتفض”.

البرلمان في واد والشعب في واد آخر

على بعد أمتار من الوقفة الاحتجاجية ينشغل مجلس نواب الشعب بجلسة المصادقة على التعديل الوزاري الذي اقترحه هشام المشيشي. مداخلات النواب ونقاط النظام واجتماعات موازية وأحاديث جانبية بين النواب من مختلف الكتل النيابية في بهو المجلس وأروقته ومشربه لبحث أمر هذا التعديل وحشد التأييد له حتى لا يسقط أمام امتحان نيل الثقة، وحتى لا يخرج الرئيس قيس سعيد في ثوب المنتصر. مشاغل بعيدة كل البعد عن الهتافات والشعارات، باستثناء بعض المداخلات لعدد من نواب المعارضة التي نددت بحصار البرلمان من قبل قوات الأمن وعسكرة المنطقة وانتهاك حق التظاهر والاحتجاج.

اليوم نشعر أننا محاصرون في مجلس نواب الشعب ولم ندخله إلا بعد التفتيش الأمني في ممارسات بوليسية تعسفية تهدف إلى الترهيب ووضعت جلسة المصادقة تحت الضغط، الحرية مهددة في تونس وسنتصدى لهذه الممارسات البالية ولن نسمح بالتراجع عن مكاسب الحرية التي حققتها الثورة.

هكذا تحدث النائب ورئيس الكتلة الديمقراطية محمد عمار، الذي أوضح لـنواة أن “الحكومة والدولة في واد والشارع والشعب في واد آخر، ولم نلاحظ إلى اليوم أدنى استجابة للمطالب الشعبية والنظر فيها وقانون المالية الذي صادق عليه البرلمان لم يقدم للشعب شيء وأفقر الفقراء وأغنى الأغنياء لذلك نجد اليوم موجة كبيرة من الاحتجاجات في مختلف المناطق”، محذرا من أن الحلول الأمنية وغلق الأبواب في وجه الشباب سيزيد من تعقيد الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حسب قوله.

رغم القطيعة بين السلطة والشارع التي عبر عنها المحتجون في الاحتجاجات الأخيرة، إلا أن الحركات الشبابية الناشطة في الاحتجاجات تستعد لمزيد التحركات الميدانية للضغط على الحكومة حتى تستجيب لتطلعات المحتجين، هي احتجاجات حقيقية أثبتت مع مرور الأيام أنها ليست عمليات تخريب وسرقة ونهب، احتجاجات غاضبة ضمت فئات كثيرة من المجتمع: عاطلين عن العمل وشبان من الأحياء الفقيرة وأعضاء مجموعات أحباء الجمعيات الرياضية وشباب أحزاب سياسية يسارية خاصة، ومنظمات حقوقية.