تماهيًا مع فكرة إلغاء الأجسام الوسيطة -بما في ذلك الأحزاب السياسية-، غيّر قيس سعيد نظام الاقتراع ليصبح قائما على الأفراد، وعزّز فكرته خلال زيارته لمقرّ دار سنيب لابراس في 11 مارس الجاري حين قال إنّ تكوين الكتل ”أمر من التاريخ“، وكأنّه يربط ربطًا آليًّا متسرّعًا بين الكتلة البرلمانية التي يمكن أن تكون حزبيّة أو ائتلافيّة، أو مستقلّة، وبين الأحزاب السياسيّة. ولكن بعد تكوين الكتل والإعلان عن تركيبتها، بدا واضحًا أنّ الأحزاب التقليديّة عادت للظّهور من جديد، رغم أنّ السياق الحالي يرفض عودة الأحزاب الحاكمة سابقًا إلى واجهة الحكم.

كتلة لينتصر الشعب والكتلة الوطنية :برائحة نداء تونس

تصنّف كتلة لينتصر الشعب نفسها ككتلة مستقلّة تحمل مشروعا اقتصاديّا واجتماعيّا يهم قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات. رئيسها علي زغدود، كان ينتمي إلى حزب نداء تونس وترشّح ضمن قائمته الانتخابية في تشريعيات 2014، تماما مثل الكتلة الوطنية المستقلة التي يترأسها عماد أولاد جبريل، النائب ببرلمان 2014-2019 عن حزب نداء تونس، و2019-2021 عن حزب قلب تونس. يقول رئيس الكتلة لنواة: ”لا أحد لديه انتماء حزبي إلى حدّ الآن، والنظام الداخلي نفسه ينص على الاستقلالية من الأحزاب. كلّنا نعلم كيف كانت الوضعية سابقًا مكبّلة بالتناحرات وكيف كانت الحكومات تفتقر إلى البرامج حيث كانت كلّ التعيينات قائمة على أساس الولاءات والمحاصصة الحزبية“.

كتلة الأمانة والعمل: بطعم حزب المبادرة

من جهته، يقول فخري عبد الخالق رئيس كتلة الأمانة والعمل لنواة: ”لم نبحث عن الانتماءات وليس هذا مبدأنا. نحن فقط نريد العمل وإنجاح المسار الإصلاحي“. للتذكير، فإنّ رئيس الكتلة مترشح سابق عن حزب المبادرة في الانتخابات البلدية لسنة 2018.

كتلة الخط الوطني السيادي : بلون حركة الشعب والوطد

”كتلتنا قائمة على التقارب الإيديولوجي بين أعضائها، (ناس تعرف بعضها). لنا أعضاء من حركة الشعب وآخرون ينتمون إلى حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحد، لم يترشّحوا عن حزبهم. ما جمعنا هو الأولويات التشريعية والمسائل القومية مثل تجريم التطبيع الذي سيُسجّل في التاريخ“، يؤكّد يوسف طرشون رئيس كتلة الخط الوطني السيادي لنواة والعضو السابق بالجبهة الشعبية.

حزب صوت الجمهورية : بلا حرج

كتلة لا تخفي ثناياها السياسية تمامًا مثل كتلة صوت الجمهورية التي ترفع اليافطة الحزبية بلا حرج، فهي منبثقة عن حزب صوت الجمهورية الذي تأسس في أوت 2022 برئاسة علي الحفصي، النائب السابق ببرلمان بن علي (2004-2009) والبرلمان المنحلّ (2019-2021)، تترأسها آمال المؤدّب التي ترشحت ضمن قائمة نداء تونس في بلديات 2018 عن دائرة تونس 1 وأصبحت رئيسة لدائرة ”المدينة“. ”كتلتنا تتكوّن من 25 عضوًا، من بينهم 20 من الحزب و5 مستقلّون. وكنّا قد نظّمنا يومَين برلمانيَّين لتحديد برنامج الكتلة“، تقول رئيسة الكتلة في تصريح لنواة.

أما كتلة الأحرار، فيغلب عليها الطابع التقني. يقول رئيسها صابر المصمودي: ”كتلتنا تتكون من كوادر ذات مستوى جامعي. انخراطنا في الانتخابات يعني انخراطنا في المسار. مرحليّا، نحن كتلة تقنيّة. سنكون قوّة اقتراح لإيجاد الحلول وسننظر في المشاريع التي ستعرضها الحكومة أوّلاً حتى لا يبدو المجلس معطّلا. ننتظر مشاريع الحكومة وعلى أساس ذلك نقرّر حتى لا نضاعف المجهودات“.

شرع البرلمان في انتخاب هياكله والتنّظم في كتل منذ 11 ماي2023 ، وبدأ في توزيع الحصص على غير المنتمين في اللجان وفي مكتب المجلس، ثمّ في انتخاب أعضاء مكتبه والترشح لعضوية اللجان البرلمانية يوم 23 ماي، في انتظار انطلاق العمل التشريعي والرقابي قبل نهاية الدّورة النيابيّة الأولى. وبعيدًا عن الجانب الإجرائي، فإنّ البرلمان الحالي انتُخب على أنقاض مرحلة الانتقال الديمقراطي، في سياق سياسي بُني على التشكيك في نزاهة الأحزاب والمنظومة الحاكمة خلال عشريّة 2011-2021. أحزاب أخرجها القانون الإنتخابي من الباب وعادت من الشباك. مما يطرح تساؤلاً مشروعاً حول جدواه بعيد تنصيب البرلمان الجديد.