تبلغ مداخيل ميزانية الدّولة 49160 مليون دينار، منها 44050 مليون دينار موارد جبائية عبر الأداءات المباشرة مثل الضريبة على الشركات والضريبة على الدّخل، والأداءات غير المباشرة مثل المعاليم الديوانية والأداء على القيمة المضافة والمعلوم على الاستهلاك. ”لم تشأ الحكومة زيادة الضغط الجبائي على عموم دافعي الضرائب، إذ لا نجد ترفيعًا في نسبة الأداء على القيمة المضافة أو في الضريبة على الشركات في مشروع قانون المالية الحالي. ولكن هناك ضغط جبائي مُسلّط بطريقة غير مباشرة“، يقول سفيان بن عبيد، الخبير المحاسب وعضو الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية في تصريح لنواة.

7 أكتوبر 2023 مجلس وزاري برئاسة الحكومة للنظر في قانون ميزانية 2024 – رئاسة الحكومة

بين تعبئة الميزانية والضغط الجبائي على المستهلك

لعلّ أبرز ملامح مشروع قانون المالية 2024 هي عدم إدراج صندوق النقد الدولي كأحد الجهات المانحة لتمويل ميزانية الدّولة. إذ من المنتظَر أن يتمّ تعبئة الميزانية بقروض تصل قيمتها الجمليّة إلى 14470 مليون دينار، مسندة من عدد من المانحين مثل صندوق النقد العربي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي وغيرها.  

إلى جانب الاقتراض الخارجي، يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2024 تعبئة موارد جبائية لتمويل الميزانية من خلال إرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدّعم، وهو أمر لم يكن مطروحًا في قوانين المالية السابقة، وفق ما ذكره قيس عطيّة، محلّل السياسات العمومية بمنظّمة البوصلة. هذه الآليات تتمثّل في الترفيع في نسبة الإتاوة من 1 إلى 3% بالنسبة إلى المطاعم السياحية المصنّفة والمقاهي من الصنفين الثاني والثالث وقاعات الشاي، مع توظيف 3% من رقم المعاملات على المؤسسات السياحية والحانات ومصنعي المشروبات الغازية والكحولية، مما يعني ارتفاع أسعار هذه المنتوجات في مرحلة لاحقة.

كما رفّع مشروع قانون المالية في الإتاوة على الملاهي والنوادي الليلية غير التابعة للمؤسسات السياحية من 3% إلى 5%، مع اقتراح توسيع مجال تطبيق معلوم الإقامة الّذي كان مفروضًا فقط على النزل ليشمل كلّ المؤسسات السياحية بما في ذلك دور الضيافة، والترفيع فيه بالنسبة إلى الأجانب ليصل إلى 12 دينارا عن الليلة بالنسبة إلى النزل من فئة 4 و5 نجوم، إلى جانب إحداث معلوم على مشتقّات الحليب باستثناء ”الياغورت“ لدعم تمويل منظومة الألبان.

وبغرض دعم توازنات المالية العمومية، يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2024 إحداث معلوم ظرفي على البنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التأمين وإعادة التأمين بنسبة 4% من الأرباح المعتمدة مع حدّ أدنى بـ 10 آلاف دينار سنويا. ”عندما يزيد الضغط الجبائي في قطاع لا يخضع للمنافسة مثل القطاع البنكي، فإنّ الكلفة سيتحمّلها المستهلك“، يقول سفيان بن عبيد عضو الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية.

الإعفاءات الضريبية ومحاولات التحفيز على الاستثمار

من ناحية أخرى، أقرّ مشروع قانون المالية إعفاءً من الضريبة على الشركات مدّة 4 سنوات لفائدة المؤسسات المحدثة والمتحصلة على شهادة إيداع تصريح بالاستثمار في سنتَي 2024 و2025، إلى جانب إحداث خطَّيْ تمويل لإسناد قروض متوسطة وطويلة المدى بمبلغ جملي قدره 20 مليون دينار من موارد الصندوق الوطني للتشغيل وصندوق دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مع تخفيف العبء الجبائي بالنسبة إلى الأداءات البلدية أو ما يُعرف ”بالزبلة والخرّوبة“ من خلال التخلّي كليّا عن هذا الأداء لسنة 2021 وما قبلها ومواصلة دفع المعاليم المستوجبة على أقساط بالنسبة إلى سنتَي 2022-2023، ودفعةً واحدة لسنة 2024.

1 نوفمبر 2023 لجنة الأمن والدفاع تنظر في مشروع ميزانية 2024 – مجلس نواب الشعب

كما يتواصل بمقتضى مشروع قانون المالية دعم الشركات الأهلية عبر تخصيص خطّ تمويل قيمته 20 مليون دينار، مع التمديد في فترة الانتفاع بهذا الإجراء إلى موفّى ديسمبر 2025، مع إقرار تسقيف خطايا التأخير في دفع الأداء في حدود مبلغ الأداء المستوجب. ”المؤسسات غير القادرة على سداد تصاريحها في الآجال وتعاني صعوبات مالية. لذلك راجعت الدولة هذه المسألة حتى لا تتجاوز فوائض الخطايا أصل التصريح، فلا يعقل أن يكون التصريح مثلا 50 دينارًا وأن تدفع الشركة 250 دينارًا خطيّة“، يوضّح رئيس الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية في تصريح لنواة.


تستعد تونس لاستقبال العام الجديد دون مشروع قانون ميزانية لسنة 2022 ودون ميزانية تكميلية لسنة 2021. في ظرف اتسم بتوازنات مالية مختلة أثقلتها أعباء الديون الداخلية والخارجية والتضخم والارتفاع المشط للأسعار، وفي ظل انقسام سياسي بسبب النظام الاستثنائي الذي وضع البلاد أمام طريق مجهول لا تظهر ملامح الخروج منه إلى حد الآن. ويتفاقم هذا الوضع مع صعوبة خروج تونس إلى الأسواق المالية العالمية بوضعها المتردي اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا. بماذا ستتوجه تونس نحو المانحين الدوليين؟ ماهي الإجراءات التي يجب على تونس اتخاذها لإنقاذ توازناتها المالية وخلق الثروة؟ أسئلة طرحتها نواة، سنة 2021، على أمين بوزيان، منسق مرصد ميزانية بجمعية البوصلة.


مشروع قانون المالية 2024 هو أول مشروع ميزانية يُحال على البرلمان، بعد سنتَين من حلّ البرلمان السابق واتّخاذ التدابير الاستثنائية التي أصبح رئيس الدّولة يمارس من خلالها السلطة التشريعية عبر إصدار المراسيم. هذا المشروع قدّمته رئاسة الجمهورية لمجلس نواب الشعب، انسجامًا مع دستور 2022 الّذي يختصّ بمقتضاه رئيس الدّولة بتقديم مشاريع قوانين المالية، ليتمّ النظر فيه والمصادقة على أحكامه وأبوابه في أجل أقصاه يوم 10 ديسمبر القادم، وهو ما يحتّم على البرلمان التسريع في الاستماع للخبراء والمختصّين ومناقشة أحكام المشروع داخل اللجنة، قبل المرور إلى الجلسة العامّة.