إثر الشروع في مناقشة فصول مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع في جلسَتين عامّتَين، وتزامنًا مع وقفات احتجاجيّة أمام البرلمان للمطالبة بالتسريع في المصادقة على هذه المبادرة، رُفعت الجلسة العامّة ولكنّها إجرائيًّا مازالت منعقدة إلى حين استئنافها واستكمال التصويت على الفصول طبقًا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. وفي ظلّ ”التوصية“ التي تقدّم بها الرئيس قيس سعيّد، يبدو مصير هذه المبادرة معلّقًا بين احترام الإجراءات والامتثال إلى التوصيات.
مقترح أم توصية؟
نقلا عن رئيس مجلس نواب الشعب، يقول رئيس الدولة إنّ مسألة تجريم التطبيع اتخذت طابعا انتخابيا لا أكثر ولا أقل. ووضّح قيس سعيّد في كلمة له بتاريخ 03 نوفمبر أنّ الأمر يتعلّق بـ”خيانة عظمى“، وأنّنا ”في حرب تحرير لا في حرب تجريم“، مشيرًا إلى إمكانية الاستئناس بالفصل 60 من المجلّة الجزائية، الّذي ورد في باب الاعتداء على أمن الدولة الخارجي.
يُسلّط الفصل 60 من المجلة الجزائية والفصول التي تليه عقوبات تصل إلى الإعدام ضدّ مرتكب جريمة الخيانة بمختلف صورها، سواءً الجرائم المتعلّقة بحمل السلاح ضد الدولة التونسية في صفوف العدوّ، أو إفشاء سرّ من أسرار الدفاع الوطني لدولة أجنبية، وغير ذلك. يقترح قيس سعيّد الاستئناس بهذا الفصل، ”مع تعداد صور الخيانة والتنصيص على الجزاء الّذي يترتّب عن كلّ واحدة منها“. ”الرئيس لم يذكر إلغاء المبادرة التشريعية، لكنّه فقط يتحفّظ عن عبارة “تجريم“ التي من الممكن استبدالها بـ ”زجر“، ويمكن نقل الأحكام الواردة بالمجلة الجزائية إلى مقترح القانون“، يقول بدر الدين قمودي عضو مكتب المجلس وأحد المبادرين بمقترح قانون تجريم التطبيع، لنواة.
الفصل 68 من دستور 2022 ينصّ على أنّ لمشاريع رئيس الجمهورية أولويّة النظر، ورئيس الدّولة اتّخذ من عبارة ”التطبيع خيانة عظمى“ -التي صدح بها خلال المناظرة التلفزية التي دارت بينه وبين منافسه في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019- رأس مال سياسيّ قد يكون أحد أسباب وصوله إلى قصر قرطاج. لكنّه في المقابل لم يتقدّم بمشروع قانون في الغرض، واستعاض عن ذلك بردّ الفعل إزاء مقترح البرلمان، ما قد يُدخل ارتباكًا في عمل المجلس ويُسلّط نوعًا من الوصاية على النوّاب.
استئناف الجلسة العامّة أمر ضروري
”الجلسة العامّة التي رُفعت يجب أن تُستأنف، ويمكن داخل الجلسة الاستماع إلى مختلف الآراء، وحسم الأمر بشكل ديمقراطي على ضوء رأي الأغلبية، إمّا في اتّجاه المضيّ قُدمًا نحو مواصلة التصويت أو مراجعة الفصول من خلال إدخال تعديلات، وهذا سيُحسم في جلسة عامّة“، يقول النائب لنواة، مضيفًا أنّ مكتب المجلس سينعقد يوم الأربعاء 15 نوفمبر لتحديد موعد الجلسة القادمة.
”نحن كجهة مبادرة منفتحون على التعديلات على ضوء النظام الداخلي ومنفتحون على ما ورد على لسان رئيس الجمهورية من إمكانية الاستئناس بما ورد بالمجلة الجزائية. المهم بالنسبة إلينا أن نصل إلى هدفنا الرئيسي حول تجريم التطبيع، وهو موضوع التقاء بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية وكل التونسيات والتونسيين“، يضيف النائب.
في اجتماعه يوم 07 نوفمبر، ”قرر مكتب المجلس بإجماع الحاضرين دعوة ندوة الرؤساء الى الانعقاد يوم الثلاثاء 14نوفمبر 2023 للتداول في هذا الموضوع، على ان يجتمع مكتب المجلس يوم الاربعاء 15 نوفمبر 2023 للنظر في ما ستقدمه ندوة الرؤساء من مقترحات وتوصيات“.
خلال مناقشة مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع، لم تفتح لجنة الحقوق والحريات باب السماعات إلى الخبراء وممثلي الوزارات والحقوقيين لمناقشة مختلف جوانب التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني، نظرًا لأنّ هذه المبادرة كانت محلّ طلب استعجال نظر من مكتب مجلس نواب الشعب، وهو ما يحتّم على اللجنة المختصّة تقديم تقريرها في أجل لا يتجاوز أسبوعًا من تاريخ تلقّيها طلب الاستعجال، وفق الفصل 73 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. ”اللجنة المتعهّدة قامت بعديد المراسلات لمختلف الجهات المعنيّة مثل وزارتَي الخارجية والعدل والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء ونحن حرصنا على وصول المراسلات في الآجال وانتظرنا تجاوبًا ولكن لم نتلقَّ ردودًا من أيّ جهة“، يضيف بدر الدّين قمودي لنواة.
يتحدّث النظام الداخلي في فصله 112 عن إمكانية الرجوع إلى فصول سبق التصويت عليها في صورة إدخال مقترح تعديل من شأنه أن يتطلّب تعديل فصل سبق التصويت عليه. كما يمكن مناقشة فصل سبق إقراره بناءً على طلب جهة المبادرة أو رئيس اللجنة المعنيّة أو مقررها، وهو ما يفتح إمكانية تدارك النقائص التي شابت المبادرة التشريعيّة، علمًا وأنّ ثمانية عشر نائبًا تقدّموا خلال الجلسة العامّة المنعقدة بتاريخ 02 نوفمبر بعريضة تتعلق بإرجاع مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع إلى لجنة الحقوق والحريات ”تفاعلا مع خطاب رئيس الدولة وتناغما مع بيان مكتب المجلس المندد بالمجازر الإرهابية في حق الشعب الفلسطيني وتفاعلا مع هبّة الشعب التونسي“، ولكنّ المطلب لم يحظَ بإجماع النواب، ما يعني إصرار الأغلبية داخل المجلس على مواصلة مناقشة فصول مقترح القانون.
في المقابل، يستعدّ المجلس لمناقشة أحكام مشروع قانون المالية وحدّد روزنامة الجلسات العامّة التي ستنعقد في الغرض بداية من يوم 17 نوفمبر القادم، ما يزيد من احتمالات إرجاء النظر في مقترح تجريم التطبيع، رغم ضغط الشارع من اجل تمريره.
iThere are no comments
Add yours