لم يُنصف الحكم الابتدائي في قضية عمر العبيدي وتوجيه تهمة القتل على وجه الخطأ لأعوان الأمن المتهمين عائلة الفقيد واعتبروه بمثابة تبرئة للجناة، لذلك تنتظر عائلة عمر العبيدي حكما استئنافيا ينصف فقيدها الراحل منذ ست سنوات والحال أن قتلة عمر احرار يعملون بشكل طبيعي بعد مسار قضائي طويل حاولت فيه الأجهزة طمس الادلة وترهيب الشهود في القضية واستغلال النفوذ من أجل ضمان عدم محاسبة القتلة وفقا لما ارتكبوه.

الإفلات من العقاب: إرادة بوليسية وتواطؤ قضائي

لم تساهم منظومة 25 جويلية في إحداث تغيير إيجابي على مسألة الحقوق والحريات ولا سيما ضمان محاسبة من ينتهك حقوق المواطنين وكرامتهم ويعرض حياتهم للخطر، الإفلات من العقاب متواصل ولم يتخذ قيس سعيد أي إجراء ولو كان بسيطا في سبيل التصدي لهذه السياسة بل إن الوضع تفاقم أكثر وارتفعت حالات الموت المستراب في السجون ومراكز الإيقاف او أثناء المطاردات البوليسية دون محاسبة الجناة.

بالعودة إلى مختلف قضايا الموت المستراب نجد أن الأمور تتشابه، فلا فرق بين التعاطي مع قضية عمر العبيدي او عبد السلام زيان (وغيرهم) حيث تبدأ الجهات المخولة بالبحث في القضية في مساعي طمس الجريمة. وقد صرح محامي الدفاع في قضية عمر العبيدي الاستاذ التومي بن فرحات بأن القضية ”شهدت عديد الخروقات في جميع مراحلها بداية من يوم وفاته يوم 31 مارس 2018 وصولا إلى جلسة الحكم الابتدائي مما أدى إلى طول المسار القضائي المتواصل منذ ست سنوات“، مشيرا إلى وجود إصرار على تكييف الجريمة وإدراجها في خانة القتل غير العمد وعدم الإنجاد في حين أن كل القرائن والشهادات والتسجيلات تؤكد تهمة القتل العمد حسب تعبيره.

نفس التمشي تكرر مع قضية عبد السلام زيان الذي توفي أثناء ايقافه على خلفية خرقه لحظر التجول، وسبب وفاته هو عدم تحصله على الأنسولين مدة يومين متتاليين من الاحتفاظ حسب ما أورده المتحدث باسم محاكم صفاقس. والى حد الآن لم يُحاكم المسؤولون عن وفاة عبد السلام زيان بالرغم من تأكد المحكمة بأن حرمانه من الأنسولين تسبب مباشرة في وفاته، وبطبيعة الحال لما يكون أحد المتهمين ينتمي إلى سلك الشرطة فإن القضية تصبح معقدة وتؤجل مرات عديدة ويتم تكييفها بطريقة ينال فيها الجناة أخف عقاب.

نوفمبر 2022 ملعب رادس، تيفو لجماهير الافريقي رفضا للحكم الابتدائي ”على وجه الخطأ“ – أيوب بلحاج صالح

 بالنسبة لقضية عمر العبيدي فإن التلاعب بالملف بدأ منذ اللحظات الأولى لانتشار الخبر، حيث عمد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية حينها إلى تكذيب حصول مطاردة خارج ملعب رادس لتأخذ النيابة العمومية عنه المشعل وتصرح بعدم وجود أثار عنف على الجثة وهو ما فندته تسجيلات كاميرات المراقبة و التقرير الطبي الذي تحدث عن أثار للعنف بكل وضوح، إضافة إلى الضغط على بعض الشهود الذين عاينوا حادثة وفاة عمر العبيدي بهدف تغييب شهاداتهم، منهم من سُجن بتهم مختلفة منها استهلاك المخدرات ومنهم من غادر البلاد بطريقة غير نظامية هربا من الهرسلة البوليسية. ويعتبر الأستاذ التومي بن فرحات أن ”هذه الممارسات وتغييب الحقائق وهرسلة الشهود تمت بإرادة من النقابات الامنية واستكانة الاجهزة القضائية.“


بعد الحكم على وجه الخطأ، ”تعلم عوم“ تصعّد في انتظار الاستئناف (10 نوفمبر 2022)

أصدرت المحكمة الابتدائية ببن عروس الخميس 3 نوفمبر حكما يقضي بالسجن سنتين دون نفاذ في حق الأعوان المتهمين بقتل شهيد الملاعب عمر العبيدي، بعد أكثر من أربع سنوات عن الجريمة. تهمة القتل على وجه الخطأ أثارت استياء الرأي العام في تونس، مع مطالبات بمحاسبة المتهمين وتوجيه تهمة القتل العمد وعدم إنجاد شخص في حالة خطر.


المحاسبة لمنع تكرار الجرائم

بعد سنوات من محاولات طمس الحقيقة وتمتع الجناة بالإفلات من العقاب، توجهت عائلات ضحايا الموت المستراب (عائلات عمر العبيدي وعبد السلام زيان ومالك السليمي واسامة الاعتر ورامي التيس وفادي الهراغي) برسالة إلى رئيس الجمهورية لطلب لقاءه قصد تقديم ملفات أبنائهم والبحث عن المحاسبة وكشف الحقيقة. هذه الرسالة تظهر من جهة معاناة الأهالي في السعي نحو الحقيقة ومحاسبة من تسبب في مقتل ذويهم، ومن جهة أخرى تعبر عن حالة عجز وفقدان ثقة في كل المؤسسات الأمنية والقضائية وأنه لا نصير لهم سوى رئيس الجمهورية.

معلقة تظهر عددا من ضحايا الجرائم البوليسية التي يتمتع الجناة فيها بالافلات من العقاب – سيف كوساني

عهد الرئيس قيس سعيد لم يختلف عن سابقيه في هذا المجال بالذات، فقد تواصلت الانتهاكات وتواصلت معها سياسة الإفلات من العقاب. ربما استبشر البعض تدخل الرئيس في قضية ”أغنية الفيل“ مما أدى إلى إطلاق سراح الشبان الموقوفين حينها، لكن لم يكن له أي تدخل إيجابي ينهي سياسة الإفلات من العقاب ويحقق المحاسبة والعدالة كما وعد بذلك دائما ولم يتجاوز الأمر بضعة شعارات لا علاقة لها بالواقع.


جلسة استئناف قضية عمر العبيدي: القضاء يؤجل والبوليس يواصل هرسلة الشهود (09 جوان 2023)

أجلت محكمة الاستئناف بتونس قضية عمر العبيدي ”شهيد الملاعب“ إلى 22 سبتمبر المقبل. وكان الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة بن عروس في نوفمبر 2022 قد أثار غضبا شعبيا وحقوقيا بتكييفه الجريمة قتلا على وجه الخطأ، ما كشف انحياز الحكم للبوليس على حساب الضحية وعائلته.


فالقطع مع الإفلات من العقاب يتطلب سياسة واضحة لا مواربة فيها، محاسبة كل من يقترف جرما او تعذيبا او يتسبب في مقتل مواطن مهما كانت مكانته، بالإضافة إلى محاسبة كل من يتورط في التغطية والإفلات من المحاسبة وتعطيل العدالة، والأهم من ذلك اعتراف الدولة بشكل رسمي بوجود هذه الآفة الخطيرة التي تهدد السلم ومحاربة كل مظاهرها، ولم لا اعتماد تاريخ 31 مارس من كل سنة يوما وطنيا لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم البوليسيّة.