essebsi-marzouki

يتوجّه التونسيون يوم 23 من شهر نوفمبر الجاري لمكاتب الإقتراع من أجل اختيار رئيس تونس الجديد. في أوّل انتخابات رئاسية جدّية تقوم على الإنتخاب الحر والمباشر يعمل المترشحون على قدم وساق من أجل الوصول إلى الناخب التونسي أينما كان. لقاءات مباشرة مع المواطنين، اجتماعات عامة وجولات في أسواق الجملة والمصانع وحتى المناطق المغلقة للجيش، نظمها عدد من المترشحين للرّئاسة تلاحقهم كاميراوات منسقي حملاتهم وأنصارهم لتقدّم بثا حيا ويوميا لتحركاتهم التي استهدفت العامة بعد سنوات من جلوسهم في على قمة أبراجهم العاجيّة.

يقدّم كلّ مترشّح للانتخابات الرئاسية نفسه بأنّه ” الأقدر على إنقاذ البلاد.” هذه الأسماء التي كان أغلبها طرفا في الأزمة التي وصلت إليها البلاد بحكم تواجد أغلبهم سواء في الحكم أو في المعارضة أو في صفوف النظام السابق و أيضا في مواقع مختلفة ومؤثّرة، تعمل على استغلال الوضع المتردي الذي وصلت إليه تونس على عديد المستويات لتقدّم وعودا سحرية من أجل حلّه ودفع البلاد نحو الرّخاء والسلام والأمن.

بين 27 مترشّحا للإنتخابات الرّئاسية بدأت الحملات الانتخابية تفرز البارزين منهم والأبرز على مستوى الإستقطاب الشعبي. والمترشحين البارزين هم بعض قادة بعض الأحزاب المعروفة كحمة الهمامي والهاشمي الحامدي والمترشحة الوحيدة للرئاسية كلثوم كنو وبعض وزراء بن علي السابقين كمنذر الزنايدي وكمال مرجان ومحافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي. أما المترشحين الأبرز فهما رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي ورئيس الجهورية المؤقت المنصف المرزوقي. ويحظى هذين المرشّحين بقاعدة شعبية قوية تنامت بفضل تراكم ظروف سياسية مؤاتية لكليهما قادتهما إلى تصدّر قائمة المرشحين الأوفر حظّا في الفوز.

نتائج الانتخابات التشريعية توضّح الصّورة

أفرزت الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 26 أكتوبر الفارط تفوقا لحزب نداء تونس بحصوله على 87 مقعدا مقابل تراجع حركة النهضة إلى المرتبة الثانية ب69 مقعدا نيابيا. هذا في حين حصل حزب الاتحاد الوطني الحر على المرتبة الثالثة ب 17 مقعدا والجبهة الشعبية على المرتبة الرابعة ب16 مقعدا. وقد ألقت نتائج الإنتخابات التشريعية بظلالها على مسار الإعداد للانتخابات الرئاسية. بدأ زعيم حزب نداء تونس الفائز الأول في الإنتخابات التشريعية حملته الرّئاسية بروح انتصاريّة. وقد قاد قائد السّبسي حزبه للفوز بفضل دهائه السياسي وقدرته على تطوير تفاعل القواعد الشعبية مع خطابه “المطمئن” في فترة تنامى فيها الخوف من الإرهاب. هذا الخطاب جعل “الأفواج” الشعبية تتدافع خلال الانتخابات التشريعية لانتخاب حزب “الباجي” حسب تصريح بعضهم ل”نواة.”

هذا الإرتباط الوثيق بين قائد السّبسي وبين أنصار حزبه الذين يرون في شخصه المنقذ الوحيد من شر الإرهاب ومخلّص البلاد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية دفعه إلى دخول معركة الانتخابات الرئاسية بثقة كبيرة في الانتصار. هذه الثقة التي نتجت عن ظروف سياسية كثيرة كان قائد السبسي طرفا فيها، منحت هذا الأخير حظوظا وافرة للفوز في الانتخابات الرئاسية مما دفع بوسائل الإعلام المحلية والعالمية إلى التساؤل حول المرشح الثاني الذي سينافس السبسي في الدور الثاني من الرئاسية في حال لم يحصل السبسي على أغلبية الأصوات في الدورة الأولى من هذه الإنتخابات.

بقيت الإجابة عن هذه التّساؤلات رهينة قرار حركة النهضة بخصوص دعمها لمرشح رئاسي من بين المتنافسين الباقين. غير أن الحركة لم تدعم أي واحد من المرشّحين الذي خطبوا ودّها، لإيقانهم بأهمية هذا الدعم نظرا لما تتمتع به الحركة من قاعدة شعبية قادتها إلى الفوز بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية. غير أن أنصار حركة النهضة لم ينتظروا صدور هذا القرار ليعلنوا على صفحاتهم بالمواقع الإجتماعية دعمهم الكبير لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الحليف السابق لحزبهم. وأعلن أنصار حركة النهضة مدعومين بما تبقى من أنصار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وعدد أخر من المستقلين عن ضرورة فرض خيار المرزوقي” كطرف قادر على كسر “تغوّل” حزب نداء تونس وإمكانية هيمنته على كل السلطات حسب تعبيرهم. كما أعلنت ممثلة حركة النهضة بالتأسيسي جوهرة التيس دعمها لمرزوقي ودعت أنصار الحركة إلى انتخابه.

المرزوقي أو السّبسي ؟

أسبوعا واحدا قبل حلول يوم الإقتراع للانتخابات الرّئاسية، لم تعد المنافسة على منصب رئيس الجمهورية تحتمل عددا كبيرا من الفرضيّات. فاحتمال فوز مترشّحين من بينهم حمة الهمامي أو كلثوم كنو أو الهاشمي الحامدي يبقى واردا وربّما سيشكّل –إن حصل– مفاجأة. غير أنّ احتمالات فوز الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي بالمرتبتين الأولى والثانية أصبح شبه مسلّم به من طرف أغلب المتابعين للشأن السياسي التونسي. ولئن لعبت نظرية “التصويت المفيد” دورا هاما في تفوق حزبي نداء تونس و النهضة في الانتخابات التشريعية، بسبب الدعوات المختلفة إلى دعم احد هذين الحزبين “الكبيرين” تجنبا لتشتت الأصوات، فإنّ دعوات مشابهة تتكرر خلال الحملات الانتخابية للرّئاسية يتصارع فيها فريقين في تقديم مزايا قائد السبسي والمرزوقي ومدى ما يمكنه انتخاب أحدهما من تجنيب البلاد من شرور الأخر.

يعمل أنصار كل من قائد السبسي والمرزوقي على إنجاح حملة كل منهما الإنتخابية وإثبات تفوق أحدهما على الأخر من ناحية حضور القواعد الشعبية وحماسها في دعم مرشّحها. ويتبنّى كل من المترشحين المذكورين خطابا مختلفا عن الآخر. فمن خلال تدخلاتهما الإعلامية وخطبهما الشعبية المباشرة تعامل كل طرف مع الآخر كمنافس أساسي وجدّي. وقد حذّر الباجي قائد السبسي خلال برنامج تلفزي حواري من استعمال المرزوقي لميزانية رئاسة الجمهورية في حملته الإنتخابية ودعاه للإستقالة احتراما لمبدأ المنافسة الشريفة بينه وبين بقية المترشحين. كما وصف قائد السبسي، خلال اجتماع شعبي بالقيروان، رئيس الجمهورية ومنافسه في الانتخابات الرئاسية منصف المرزوقي ب”الإنقلابي” بسبب ما وصفه “تجاوز الفترة المحددة لحكمه بعام بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011.”

من جهته حذّر المرزوقي خلال اجتماع شعبي بالعاصمة من إمكانيّة “تغوّل” حزب نداء تونس في صورة فوزه بالانتخابات الرئاسية بعد فوزه بالتشريعية الامر الذي اعتبره أنصار النداء “استهزاء” بما جاء به الدستور الذي لا يمنع من جاءت بهم صناديق الإقتراع من الجمع بين السلطات الثلاث. كما اعتبر وصف المرزوقي لمنافسيه السياسيين ب”الطاغوت” وخصوصا منهم من رموز النظام السابق اتهاما غير مباشر لحزب نداء تونس وقائده وتحريضا ضدّهم. وتأتي هذه التأويلات على خلفية تصريحات سابقة للمنصف المرزوقي لعل أهّمها ترديده لعبارة “أعوذ بالله” ثلاث مرات في إجابة لتساؤل أحد مذيعي قناة الجزيرة عن إمكانية تحالف حزبه مع حزب نداء تونس إثر الانتخابات التشريعية.

هذا الأخذ والرد بين المترشحين للرئاسية قائد السبسي والمنصف المرزوقي قام أساسا على تبادل التهم بين الطرفين جسّدتها تعليقات أنصارهما. ففي حين يتهم أنصار المرزوقي الباجي قائد السبسي ب”التجمعي” الدي سيعيد بعودته الدكتاتورية ويقتل ثورة الشباب، ينعت أنصار قائد السبسي المرزوقي ب”مرشح حركة النهضة” الذي يعتمد في حملته على قادة لجان حماية الثورة ك”ريكوبا” و”عماد دغيج” وأئمة ك”البشير بن حسن” وشخصيات عرفت بتعاطيها الرافض لأطراف سياسية في تونس. وتعمل القناة الخاصة “نسمة” على الإستفادة من هذا الإستقطاب الثنائي إعلاميا من خلال إعلانها مؤخرا بأنها ستعرض على شاشتها مناظرة تلفزية مباشرة بين ممثلي الحملة الرئاسية لكل من المرشح الرئاسي المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي في اطار تغطيتها للحملة الرئاسية، دون أن تحدد تاريخ هذه المناظرة.

نجح الإستقطاب الثنائي الذي قاده حزبي حركة النهضة ونداء تونس في فوزهما الساحق في الإنتخابات التشريعية على بقية المترشحين. غير أن للإنتخابات الرّئاسية حسابات أخرى. هذه الإنتخابات التي يختار فيها تونسيون لأول مرة في تاريخ البلاد رئيسهم عبر انتخاب حر ومباشر ستخضع حتما إلى التأثيرات الإعلامية والخطابية ولكنّها أيضا ستفرز نتيجة اختيار أفراد من الشعب لممثّلهم في إطار الشفافية والديمقراطية. على هذا الأساس لا يلقي بعض المترشحين للرئاسية، ممّن يثقون في إمكانية فوزهم، بالا لمسألة الإستقطاب الثنائي معتبرين أنّ الشعب التونسي “بلغ درجة من الوعي” تمكّنه من عدم السقوط في فخّ الإغراءات الوهمية لهذا الطرف أو ذاك من ممثلي الأحزاب الكبرى والمدعومين من طرفها وأن اختيارهم سيعكس قناعاتهم وانتظاراتهم.