ضمّت قائمة الموقوفين المُعلن عنها حتّى هذه اللحظة خليطا من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال. من بين تلك الأسماء، برز اسما رجلي الأعمال الوليد بن طلال وصالح الكامل كأكثر الشخصيّات المعروفة على الساحة التونسيّة. اسمان يعرفهما الشارع التونسيّ جيّدا بحكم شبكة العلاقات التي ربطتهم بالدوائر السياسيّة والاقتصاديّة المحليّة والتي امتدّت لتمسّ المشهد الثقافي والإعلاميّ. علاقات بدأت منذ سنوات في ظلّ حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن عليّ لتستمرّ بعد جانفي 2011 والتوجّه الرسميّ السعوديّ لاستقطاب دول “الربيع العربي” للحضن السعوديّ السخيّ.

الوليد بن طلال: صديق بن علي وحكام ما بعد 14 جانفي

رغم تنوّع الأنشطة الاقتصاديّة والاستثمارات المالية للأمير السعودي الوليد بن طلال بين قطاع المقاولات والفندقة والاتصالات، إلاّ انّ هذا الأخير اشتهر في العالم العربي وفي تونس بامتلاكه شركة الإنتاج الفني روتانا. هذه الذراع الإعلاميّة التي احتكرت تقريبا قطاع الإنتاج الغنائي على امتداد جنوب المتوّسط، امتدّت لتطال هيمنتها مهرجان قرطاج الدوليّ سنة 2005، بعد التعاقد مع إدارة المهرجان ووزارة الثقافة على تنظيم أكبر جانب من العروض الموسيقية والغنائية واحتكار بثّ الحفلات الكبرى. عقد عكس المساعي إلى ما يمكن اعتباره خصخصة المهرجان وفَرض برمجته الخاصةّ التي تتماشى والحسابات التجاريّة لشركة روتانا والتي تسبّبت في إقصاء عدد من الفنانين التونسيين وتخفيض نصيب العروض السنيمائية والدخول في معارك عديدة مع الصحفيين التونسيّين.

نفوذ شركة روتانا وتمكّنها من فرض شروطها على وزارة الثقافة والإدارات المتعاقبة لمهرجان قرطاج، كان بفضل حظوة مالكها الوليد بن طلال لدى القصر الرئاسي ونظام بن عليّ. مكانة اكتسبها هذا الأخير بفضل وفرة عطاياه وشراهة النظام الحاكم حينها إلى أموال أمراء الخليج البعيدة عن الرقابة، ليساهم الوليد بن طلال من خلال مؤسّسته الخيريّة “بن طلال الخيرية – العالمية” بأكثر من خمسة آلاف حاسب آلي شخصي لبرنامج الحاسوب الشعبي سنة 2005، بعد أن ساهم بتمويل بناء جامع العابدين في قرطاج بأكثر من مليوني دولار سنة 2002. هبات ومساعدات نال جرّاءها الأمير الموقوف شهادة دكتوراه فخرية من جامعة 7 نوفمبر في المعهد العالي للتكنولوجيا والدراسات التطبيقية بقرطاج، وأعلى وسام في الدولة سنة 2002 وهو وسام الجمهوريّة.

رغم خبوّ هذه الحظوة بعد خروج بن علي من الحكم سنة 2011، إلاّ أنّ الوليد بن طلال استطاع المحافظة على خطوط اتصال مع الطبقة السياسيّة الجديدة وبعض رجال الأعمال والإعلام. علاقات تجلّت بالأخصّ في لقاءه مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذّي استقبله في فندقه جورج الخامس في باريس في ماي 2012، رفقة المنتج السينمائي التونسي الفرنسي طارق بن عمار ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو برلسكوني، المساهمان الرئيسيان في قناة نسمة الفضائيّة إضافة للأخوين نبيل وغازي القروي. لقاء أعقبه ظهور تلفزي مطوّل للوليد بن طلال على نفس القناة ضمن حملة بثّت الحوار في أكثر من  أربع وعشرين وسيلة اعلاميّة في أفريل 2013. العلاقة مع حكّام ما بعد 14 جانفي استمرّت مع الحكومات الانتقاليّة المتعاقبة خصوصا في عهد رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة الذّي وجّه دعوة رسميّة إلى الوليد بن طلال لزيارة تونس عبر المستشار الدبلوماسي في رئاسة الحكومة التونسية حاتم عطااللّه.

صالح الكامل: شيخ الصيرفة الاسلاميّة وعدوّ “اللهيب العربي”

مجموعة قنوات راديو وتلفزيون العرب (أي آر تي) لم تكن سوى تكملة للإمبراطورية المالية لرجل الأعمال السعودي صالح الكامل الذّي وإن لم يكن من الدائرة الموسّعة للعائلة الحاكمة في المملكة العربيّة السعوديّة إلاّ أنّه يُعتبر من أهمّ رجال الأعمال السعوديّين وأحد أبرز الأسماء المعروفة على الصعيد العربي والدوليّ في قائمة الموقوفين منذ يوم السبت الفارط.

شيخ الصيرفة الإسلاميّة، كان من أقدم المستثمرين الخليجيين في تونس عندما افتتح بنك التمويل السعودي التونسي في 15 جوان 1983 الذّي تغيّرت تسميته إلى بنك البركة تونس سنة 2009. ملاحظة ساقها “بشجن” وزير الاستثمار السابق فاضل عبد الكافي في 30 نوفمبر 2016 خلال اختتام أشغال المؤتمر الدولي للاستثمار تونس 2020 ليذكّر بفضائل الشيخ صالح الكامل كما يحلو لمحبيه مناداته.

الإمبراطوريّة الماليّة للشيخ المذكور والتي تمتدّ على خمس عشرة دولة وأكثر من 650 فرعا لمجموعة البركة المصرفيّة وبقيمة استثمارات جملية فاقت 1.9 مليار دولار أمريكي، وسّعت نشاطاتها بشكل مطّرد في تونس لتشمل شركة البحيرة للتطهير والاستصلاح والاستثمار التي أنشأت الطريق الحزاميّة لبحيرة تونس الشمالية “عبد العزيز كامل” وشركة معرض تونس الدولي وفضاء الأنشطة الاقتصادية ببنزرت، إضافة إلى بيت الإيجار المالي التونسي السعودي الذّي يُعتبر المؤسسة المالية الوحيدة في تونس التي تنشط في ميدان الإيجار المالي الإسلامي الذي يتجاوز رأس ماله 40 مليون دينار.

الأذرع الماليّة لصالح الكامل وثقل نشاطاته الاقتصاديّة في تونس، فتحت أمام هذا الأخير أبواب المسؤولين الحكوميّين، ليصبح ضيفا خاصّا في قصر قرطاج والقصبة ومقرّ البنك المركزي التونسي، ليكيل الوعود والتعهّدات بانعاش الاقتصاد التونسي الذّي دمّرته موجة “اللهيب العربي” حسب تعبيره، والذّي ظلّ حتى اللحظات الأخيرة قبيل إيقافه وأبناءه “الصديق المخلص لتونس” بحسب تعبير وزير الاستثمار والتعاون الدولي السابق.

بعد 72 ساعة من بدأ حملة الإيقافات في مملكة آل سعود، أعلنت وزارة الإعلام السعوديّة عن تجميد حسابات وأموال الموقوفين، وتوجيه تهم الفساد وغسيل الأموال والرشوة والصفقات الوهمية إلى معظمهم خصوصا من رجال الأعمال. إجراء سيلقي بانعكاساته عاجلا على الساحة المحليّة التونسيّة ومصير مليارات هؤلاء الأمراء. ولكن السؤال الأهمّ، لو صحّت التُهم الموجّهة إليهم، هل ستمضي السلطات السعوديّة في الكشف عن شركاء هؤلاء في تونس ممن سهّلوا نشاطاتهم أو ارتشوا؟ وكيف سيكون مستقبل الاستثمارات الجديدة واللاعبين الجدد على الساحة الاقتصاديّة التونسيّة مع تمسّك المملكة المهووسة بالصراع الطائفي بسياسة التحالفات وشراء المواقف.