يُواجه جريح الثورة مسلم قصد الله صحبة يوسف بن سالم وسامي الشتيوي وناجح السلنقي تهمة “تكوين وفاق قصد الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة وتعطيل حرية الشغل”. وقد تم إيقاف مسلم قصد الله في 01 جويلية الجاري، إثر دخوله في حركة احتجاجية أواخر جوان المنقضي أمام مقر بلدية الوردانين التابعة لولاية المنستير، تزامنا مع تنصيب المجلس البلدي الجديد، حيث هدد بإضرام النار في جسده بسبب تجاهل السلطات لحالته الصحية وانتهاء صلوحية بطاقتي العلاج والتنقل المجاني. ويذكر أن قصد الله قد خضع مؤخرا إلى عملية جراحية غير ناجحة بعد أن تم بتر ساقه اليمنى في الفترة التي تلت الثورة. وقد جرت محاكمة شباب الوردانين اليوم الأربعاء وسط تضييقات أمنية ومنع للمساندين وأهالي الموقوفين من دخول قاعة المحكمة. جلسة افضت إلى إطلاق سراح الموقوفين دون النطق بالحكم في انتظار جلسة أخرى ستعقد الأسبوع القادم.

صورة من حملة مطالبة بإطلاق سراح مسلم قصد الله على فايسبوك

البطّان وشربان، محاكمات بنكهة الانتقام

يَمثُل غدا الخميس 12 جويلية 2018 عدد من مواطني منطقة شربان أمام المحكمة الابتدائية بالمهدية، ويواجه الموقوفون السبعة، الذين تم اعتقالهم منذ 11 جانفي 2018، تهما جنائية تصل عقوبة بعضها إلى 20 سنة سجنا، من أبرزها إضرام النار في عربة والاعتداء المدبر على الجولان. وتندرج هذه المحاكمات في سياق الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدها عدد من مناطق البلاد خلال شهر جانفي الفارط. وبخصوص محاكمة متساكني شربان، أفاد المحامي شرف الدين القليل وعضو لجنة الدفاع، لنواة أن “منطلق القضية كان تقرير مداهمات أمنية اعتقِل خلالها عدد من الأشخاص فجرا من منازلهم ودون إذن من وكيل الجمهورية”. مشيرا إلى أن “القضية شابتها العديد من الاخلالات في طوري البحث والتحقيق، من بينها الضرب والتعذيب طيلة مراحل البحث، وهو ما عاينه حاكم التحقيق على 6 من الموقوفين أدلوا باعترافات تحت التعذيب، إضافة إلى أنه لم يُسمح لأحد منهم بالاتصال بعائلته أو بمحامي إثر اعتقالهم، وهناك 8 من المتهمين أحِيلوا على التحقيق دون محامي رغم التهم الجنائية التي تلاحقهم”. وأضاف القليل أن “قاضي التحقيق لم يستمع إلى شهود البراءة، ولم يتم تشخيص مسرح الجريمة أين تم حرق الحافلة رغم أنها تهمة جنائية، إضافة إلى أن أحد المستشارين بالدائرة الجنائية المتعهدة بالملف كتب تعليقا على موقع فايسبوك دعا فيه إلى عدم مساندة الموقوفين وهو ما يجعله فاقدا لشرط الحياد”.

في نفس السياق مازال 9 موقوفين من منطقة البطّان التابعة لولاية منوبة، ينتظرون المحاكمة منذ اعتقالهم في جانفي الفارط بسبب الحراك الاجتماعي الذي شهدته المنطقة في تلك الفترة. وفي الأثناء دخلت عائلاتهم في اعتصام مفتوح منذ يوم 04 جويلية 2018 للمطالبة بإطلاق سراحهم. ويطالب محاموهم منذ مدة بالإفراج عنهم احتراما لقرينة البراءة أو إحالتهم على محاكمة عادلة. ويذكر أن الاعتقالات التي عرفتها منطقة البطّان تزامنت مع الزيارة التي أداها إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 10 جانفي 2018، والتي وصف خلالها الاحتجاجات بـ”العمليات التخريبية” و”خدمة أجندات الفساد والتهريب”، متهما الجبهة الشعبية بالتحريض على الاحتجاج.

زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد للبطان، 10 جانفي 2018

المحاكمات، ورقة لتطويق لهيب الغضب الشتوي

لئن بات متعارفا عليه في المعيش السياسي التونسي، إلى درجة البداهة، أن شهر جانفي يشكل المركز الدوري للاحتجاج الاجتماعي في تونس منذ عقود، فإن المحاكمات التي تنتصب بعد جانفي، خصوصا في فصلي الربيع والصيف، باتت هي الأخرى الآلية الدورية للحكومات المتعاقبة من أجل تطويق الغضب الاجتماعي، حتى لا يتكرر بنفس الحدّة. وقد أعلنت وزارة الداخلية خلال شهر جانفي الفارط أنها قامت بالاحتفاظ بـ328 شخصا تزامنا مع الاحتجاجات التي شهدتها مختلف مناطق البلاد. وبالمقابل أشارت بعض الشهادات الحقوقية وتقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن عدد الموقوفين ناهز الثمانمائة، ومعظمهم تم إيقافه في إطار المداهمات العشوائية التي شنتها قوات البوليس آنذاك. وفي نفس السياق سبق وأن صرح منذر الشارني، الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، لنواة أن الإيقافات شملت قُصرا دون الـ18 سنة والكثير من الموقوفين تعرضوا إلى الضرب والتعذيب وإلى الحرمان من الاتصال بعائلاتهم وبمحاميهم.

انطلقت الاحتجاجات أول شهر جانفي 2018، تنديدا بالإجراءات الجبائية الجديدة لقانون الميزانية لسنة 2018 والتي ترافقت مع زيادة في الأسعار، وامتدت جغرافيتها لتشمل 16 ولاية بين 04 و09 جانفي المنقضي. ولكن الحكومة سعت منذ الوهلة إلى إخراجها من سياقها الاجتماعي معولة في ذلك على مشاهد حرق العجلات وبعض أعمال النهب، التي لم تقدم بخصوصها السلطات أرقاما أو معطيات واضحة إلى حد الآن. وفي الأثناء سِيق الكثير من الشبان إلى السجون بتهم ذات طابع سياسي من بينها “تكوين وفاق”، ومازال الكثير منهم ينتظر محاكمة عادلة في ظل الإخلالات القانونية التي تحيط بإيقافهم وبعمليات استنطاقهم.