الانطلاقة كانت مساء الرابع عشر من جانفي 2011، عقب خروج بن عليّ من البلاد. بعد ثلاثة ايّام من ذلك التاريخ، أستلم محمد الغنوشيّ، الوزير الاوّل والأخير في عهد الرئيس المخلوع رئاسة الحكومة الانتقاليّة يوم 17 جانفي. الحكومة الأولى التي ضمّت أسماء من النظام السابق تمّ اسقاطها عقب اعتصام القصبة 1. تمّ تغيير الحكومة وتطعيمها بأحزاب المعارضة على غرار مصطفى بن إبراهيم ونجيب الشابي وغيرهم، ولكنّ مآلها كان السقوط هي الأخرى عقب تنظيم اعتصام القصبة يوم 20 فيفري 2011 ومطالبتها باستقالة محمد الغنوشي. أسبوع كان كافيا ليعلن هذا الأخير استقالته عقب مواجهات دامية يوم 27 فيفري 2011.

على الفور بدأت الاتصالات بباجي قائد السبسي، أحد رجالات بورقيبة، والذّي استمرّ في السلطة كرئيس لمجلس النوّاب حتّى السنوات الأولى من وصول بن عليّ إلى الحكم. ترأس هذا الأخير الحكومة الانتقاليّة حتّى موعد تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011. على الرغم من التجاوزات الأمنيّة واستمرار الحراك الاجتماعيّ خلال فترة تسييره البلاد. استطاع الباجي قائد السبسي انهاء المرحلة الانتقاليّة الأولى تحت شعار هيبة الدولة وإعادة الأمن مستغلاّ الانقسامات السياسيّة التي شهدها الشارع التونسيّ وحروب الاستقطاب التي سبقت الانتخابات.

بعد تصدّر النهضة للمشهد السياسيّ عقب انتخابات أكتوبر 2011 وحصولها على أغلبيّة مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، تمّ تعيين حمّادي الجبالي رئيسا للحكومة الانتقاليّة الجديدة بموافقة من رئيس الجمهورية منصف المرزوقي والتّي ضمّت عددا من وزراء حزب التكتّل والمؤتمر ضمن ما يعرف بالترويكا. استمرّ حكم الجبالي سنة وبضع أشهر، ليستقيل هذا الأخير عقب اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيّين الديمقراطييّن الموحد شكري بلعيد في 06 فيفري 2013. موجة الاحتجاجات التي انتشرت في جميع المدن التونسيّة أجبرت حمّادي الجبالي على الاستقالة يوم 19 فيفري 2013.

تسلّم وزير داخليّة حكومة الجبالي عليّ العريّض رئاسة الحكومة في 13 مارس 2013. هذا التعيين لاقى معارضة كبيرة من الأحزاب السياسيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ نظرا لماضي هذا الوزير الذّي أقدم في نوفمبر 2012 على استخدام خراطيش الرشّ ضدّ المحتجّين في ولاية سليانة. انتهت حكومة العريّض عمليّا منذ اغتيال النائب في المجلس التأسيسي وزعيم التيّار الشعبي محمد البراهمي في 25 جويليّة 2013، والذّي أعقبه تنظيم اعتصام الرحيل في باردو وموجة من الاحتجاجات في جميع ولايات البلاد. بعد أشهر من المفاوضات ضمن ما يعرف بالحوار الوطني، سلّم عليّ العريّض رئاسة الحكومة الانتقاليّة رسميّا لوزير صناعته حينئذ مهدي جمعة يوم 29 جانفي 2014.

تولّى رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة تسيير البلاد حتّى موعد الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة في شهري أكتوبر ونوفمبر 2014. وقد عرفت فترة حكمه العديد من الانتهاكات على الصعيد الاقتصاديّ كالتجديد لشركة كوتوزال وتعاظم نفوذ منظّمة الأعراف والتعامل الأمني مع التحرّكات الاحتجاجيّة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصاديّ في جرجيس والصخيرة وغيرها. إضافة إلى تواصل مسلسل الانتهاكات الأمنيّة التي طالت عددا من نشطاء المجتمع المدني خليفة نعمان وعزيز عمامي وصبري بن ملوكة وصفوان بوعزيز ولينا بن مهنّي وهالة بوجناح والاعتداء على اعتصام قدماء اتحاد الطلبة للمطالبة بحقهم في التشغيل، كما شهدت نهاية فترة حكم مهدي جمعة تسريع إجراءات محاكمة شباب الثورة في القصرين والمنستير وسيدي بوزيد بتهم حرق المراكز الأمنيّة.

الحبيب الصيد الذّي لم يغادر موقع المسؤوليّة منذ 2011 ضمن مهام متعدّدة في وزارة الداخليّة، تسلّم رئاسة الحكومة رسميّا يوم 06 فيفري 2015. التشكيلة الحكوميّة الأولى لم تصمد أكثر من سنة، ولم تتمكّن من الحدّ من التدهور الأمني خصوصا مع تعاقب العمليات الارهابيّة في متحف باردو في شهر مارس الفارط وتفجير حافلة الأمن الرئاسي في 24 نوفمبر 2015 بشارع محمّد الخامس. أمّا الآداء الاقتصاديّ لهذه الحكومة فلم يكن أفضل حالا مع تواصل تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتوسّع الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصاديّ.

يوم 11 جانفي 2014، صادق مجلس النوّاب على التعديل الوزاري الجديد في حكومة الحبيب الصيد، لتواجه الحكومة الجديدة انتفاضة انطلقت مرّة أخرى من شريط الظلّ ومن مدينة القصرين بعد ان فقد رضا اليحياوي حياته في 16 جانفي 2016، اثناء اعتصام نفذّه امام مقرّ ولاية القصرين مطالبا بحقّه في التشغيل والكشف عن التلاعب في قائمات المنتدبين في الوظيفة العموميّة.

6 حكومات خلال خمس سنوات، كان أهمّ إنجازاتها إعادة المشهد إلى المربّع الأولّ مع تواصل الاحتجاجات وتوسّعها في مدينة القصرين والمدن والقرى المجاوزة لها ليُرفع من جديد الشعار الأساسيّ الذّي سقط عن حسابات كلّ الحكومات المتعاقبة:

التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق.