Election-Consensus2

اقترحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الاثنين الماضي، إجراء الانتخابات البرلمانية في 26 أكتوبر 2014 والجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في 23 نوفمبر. وقدّمت المواعيد المقترحة للمجلس التأسيسي الذي ومن المتوقع أن يصادق عليها في أقرب الاجال حسب ما أكد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي.

وتلا هذا المقترح تفاعل سريع من طرف أغلب مكوّنات الساحة السياسية. أوّل القرارات الهامّة جاءت من طرف حزب نداء تونس الذي أعلن عن نيّة حزبه خوض غمار الإنتخابات القادمة بقائمات مستقلّة عن مكوّنات ما يعرف ب”الإتحاد من أجل تونس” الذي جمع حزب النداء بعدد من الأحزاب الأخرى ومن أهمها حزب المسار الدّيمقراطي. هذا القرار المفاجئ فجّر جدلا وتساؤلات حول نوايا حزب النداء بخصوص الإنتخابات القادمة في ظلّ مغازلة حركة النهضة المفضوح له وحول مصير بقية الاحزاب التي كونت “الإتحاد من أجل تونس” والأهم هو مخططات حركة النهضة وحلفيها السابقين بخصوص الإستحقاقات الإنتخابية القادمة.

نداء تونس يبعثر الأوراق

كان الإتحاد من أجل تونس، الذي تأسس في نهاية سنة 2012 ويضمّ كلاّ من حزب نداء تونس والمسار الديمقراطي الإجتماعي والحزب الإشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الدّيمقراطي، مرشّحا لتشكيل جبهة سياسية وانتخابات تتقدم بقائمات مشتركة خلال الإنتخابات القادمة. غير أنّ حزب نداء تونس والذي تشكلت حوله بقية الأحزاب قد أعلن في بداية هذا الأسبوع عن اتخاذ قرار بخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة بشكل منفرد وتقديم رئيسه الباجي قايد السبسي كمرشّح للإنتخابات الرّئاسية.

ممثّلو الأحزاب المشتركة في تكوين الإتحاد من أجل تونس عبّروا عن صدمتهم للقرار الذي اتّخذه احزب النّداء وعن خيبة أملهم بخصوص احترام هذا الحزب للمبادئ المشتركة لجبهة الإتحاد من أجل تونس. ففي تصريح لعدد من وسائل الإعلام المكتوبة أكّد الأمين العام للحزب الإشتراكي محمّد الكيلاني أن حزب نداء تونس قد ” ألحق ضررا بالمشروع الدّيمقراطي وعلى قياديي النداء أن يتراجعوا عن موقفهم الذي اعتبره ” خطأ” خطيرا ربّما يحمل انعكاسات سيّئة على المجتمع.” كما أكّد الأمين العام للحزب الديمقراطي عبد الرزاق الهمّامي في تصريح لإحدى الصحف اليومية أنّ ” حزب النداء قد أخلّ بالتزامه مع الأحزاب المكونة للإتحاد من أجل تونس في حين ستواصل بقية الأحزاب المنضوية تحت جبهة الإتحاد العمل سويّة ودخول الإنتخابات القادمة ضمن قائمات موحدة وستعمل على ضم عدد من الأحزاب الأخرى إلى صفّها.” من جهة أخرى صرّح القيادي في حزب المسار الدّيمقراطي سمير الطّيب أنّ قرار حزب نداء تونس لا يعتبر مفاجئا نظرا لأنّه كان نتيجة حتمية للأزمة الداخلية التي عاشها الحزب مؤخّرا. كما أكّد أنّ حزب المسار سيواصل تعاونه مع حزب النداء ولن يخلق هذا القرار إشكالا سياسيا بين الحزبين.

وكان الحزب الجمهوري قد أعلن منذ شهر ديسمبر 2013 عن انسحابه من الإتّحاد من أجل تونس. وقد أكّدت ميّة الجريبي انذاك أنّ هذا الإنسحاب جاء بعد عدم اضطلاع الإتحاد بدوره والإرتقاء إلى مستوى تكوين جبهة انتخابيّة صلبة. هذا في حين أرجع محللون سياسيون هذا الإنسحاب إلى حدوث خلاف بين القيادي في الحزب الجمهوري نجيب الشابي وعدد من قياديي حزب النداء حول مرشّح الإتحاد لرئاسة الجمهورية.

هذا القرار الصّادم تلاه قرار ثان لا يقلّ أهميّة تمثّل في مقترح قدّمته حركة النهضة ويقضي بضرورة التوافق حول مرشّح للإنتخابات الرّئاسيّة. حتى أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عبّر عن استعداد حزبه للتوافق حول ترشيح الباجي قايد السّبسي الأمر الذي خلّف موجة من الإستياء لدى القواعد الشعبية لحركة النهضة التي طالما أعلنت عن عدائها لقائد السبسي وحزبه ولدى ناشطين سياسيين تساءلوا عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية إذا كان التوافق بين الاحزاب الكبرى سيحسم الموقف.

قائد السبسي مرشّح النّهضة للإنتخابات !

في تصريح لقناة فرنسا 24 قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن حزبه أطلق مبادرة للبحث عن توافق حزبي حول رئيس تونس المقبل. وقال الغنوشي أن حزبه لا يرغب أن يكون رئيس جمهورية تونس المقبل ثمرة عملية انتخابية جامدة أي بالأغلبية المطلقة، وأنّ تونس تحتاج إلى تعزيز العملية الإنتخابية بعملية توافقيّة. وأعلن الغنوشي أنه ” إذا تحقق توافق حول شخصية الباجي قايد السباسي فهو رئيس تونس القادم.”

ردّ حزب نداء تونس اتّسم بالتجاهل والإستخفاف بمقترح حركة النهضة إذ أكد رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي ، خلال لقاء مع جمعية الصحافيين الأجانب بتونس يوم الاربعاء 18 جوان 2014، انه “لا مجال للتّحالف مع حركة النهضة نظراً إلى الاختلاف في المشروع المجتمعي لكلّ منهما مشدداً على ان ذلك لا يعني العداء بينهما.” وحول إمكانية التحالف معها بعد الانتخابات، قال السبسي “أنّ هذا الأمر يحدّده الناخبون موضحاً أنه في حال تحصلت النهضة على نسبة كبيرة من الأصوات فلا يمكن تجاهلها إلا انه من السابق لأوانه الحديث عن هذا الأمر والانتخابات هي التي ستحدّد هذا الأمر.” من جهة أخرى اعتبر الناطق الرسمي لحزب النداء لزهر العكرمي في تصريح إذاعي أنّ ” مقترح النهضة التوافق على رئيس الجمهورية المقبل هو مقترح رومانسي مستحيل التطبيق في تونس والهدف منه هو خلق تكتّل جديد وليس توافق وطني كما ادّعى راشد الغنّوشي.”

ووضّح القيادي للجبهة الشعبية المنجي الرحوي أنّ مقترح النهضة يعكس فشلها في التوافق حول مرشّح لحزبها في ظل عدم وجود شخصية سياسية اعتبارية ضمن قيادييها يحظى بإجماع شعبي. هذا في حين اعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري عصام الشابي أنّ “مقترح حركة النهضة يهدف إلى أن لا يكون للرّئيس القادم شرعيّة انتخابية وشعبية وضربا للمسار الديمقراطي في البلاد مشيرا في تصريح لراديو موزاييك أف أم أن مقترح حركة النهضة يذّكرهم بتجربة تونس سنة 1989 حين أعلنت حركة النهضة عن دعمها للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.”

حليفا النّهضة السابقين عبّرا أيضا خلال تصريحات إعلامية عن امتعاضهما من مقترح حركة النهضة بضرورة التوافق حول رئيس الجمهورية وتزكيتها لرئيس حزب النداء الباجي قايد السبسي. فقد أعلن حزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات أن دعوة حزب النهضة الى مشاورات للتوافق على مرشح للانتخابات الرئاسية مخالفة لمبادئ الديمقراطية وقال الناطق الرسمي باسم التكتل محمد بنور أن اختيار رئيس الجمهورية المقبل يجب أن يكون بواسطة الاقتراع العام الحر والشفاف.

من جهته وصف الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عماد الدايمى دعوة حزب النهضة للتوافق حول مرشح لرئاسة الجمهورية بأنّها متناقضة مع روح الديمقراطية التي من بين أهم شروطها حق الترشح لكل مواطن على حد تعبيره، وقال الدايمى إن هذه الدعوة فيها مصادرة لحق المواطنين فى تحديد مرشحيهم بعيدا عن وصاية النخبة السياسية.

هل هزم النداء النّهضة ؟

أغلب التحليلات السياسية للقرارات المتسارعة لكل من حركة النهضة ونداء تونس تصبّ في خانة الإعتراف بنجاح حزب نداء تونس في تصدّر المشهد السياسي. فقرار النداء الترشح بقائمات مستقلة عن الإتحاد من أجل تونس يعكس ثقة قياديي النداء في قواعدهم الشعبية التي يصفها البعض ب”مخلّفات حزب التجمع الدستوري المنحلّ” خصوصا وأنّ نداء تونس يضم في صفوفه أغلب قياديي التجمع السابقين وأهمهم الأمين العام للتجمع المنحل محمد الغرياني. أما بخصوص محاولات حركة النهضة مغازلة حزب النداء عبر تصريحات قيادييها بقبولهم التوافق حول ترشيح قايد السبسي للإنتخابات الرّئاسية فقد رأى بعض السياسيين أنّه اعتراف ضمني لحركة النهضة بفشلها في خوض سباق الإنتخابات ندّا لندّ مع النداء.

تأتي هذه القرارات والتصريحات في وقت تلتزم فيه بعض القوى السياسية ومن بينها الجبهة الشعبية الصمت متكتّمة عن توجهاتها الإنتخابية وتحالفاتها القادمة. في حين يحاول حليفي حركة النهضة السّابقين أي حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والديمقراطية استيعاب صدمة تخلي حليفهما السابق عن خدماتهما وخيبة خسارتهما لأنصارهما وأبرز قيادييهما الذين تشرذموا جرّاء قرارات سياسية سابقة غير موفقة.