torture-tunisie

بقلم هندة الشناوي، ترجمة محمد سميح الباجي عكّاز

تعرّض نحو عشرون شخصا للتعذيب في الفترة الممتدّة بين جويلية وأوائل شهر أوت 2015 سواء في السجون ومراكز الإيقاف وحتى في الشارع. هذا الرقم الذي أعلنت عنه منظمات المجتمع المدني لا يعكس الحجم الحقيقيّ للتجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن خلال نفس الفترة. منذ الإعلان عن حرب بلا هوادة ضد “الإرهاب”، سجّل المراقبون ارتفاعا ملحوظا في حوادث العنف التي ترتكبها الوحدات الأمنيّة. من ناحية أخرى، لا يبدو أن صناع القرار في البلاد يكترثون لإيجاد توازن بين التحول الديمقراطي في البلاد ومكافحة الإرهاب.

وفاة سيف الدين بن عزيزة

في 29 جوان 2015، كان سيف الدين بن عزيزة يقود دراجته النارية عائدا إلى محلّ سكناه في سوسة.
عند وصوله إلى حاجز أمني، طلبت منه الشرطة التوقّف لكنّ هذا الأخير رفض الامتثال ممّا دفع قوّات الأمن إلى مطاردته ودهسه في الشارع واسقاطه عن درّاجته. المطاردة لم تنتهي عند هذا الحدّ، إذ قام أحد أعوان الامن بالترجّل من سيارته وتوجيه عدّة ركلات لسيف الدين رغم إصاباته الخطيرة.
منذ ذلك اليوم، ظلّ هذا الأخير قابعا في مستشفى سهلول بسوسة في حالة غيبوبة حتى وفاته في 30 جويلية الفارط. عقف وفاة سيف الدين بن عزيزة، فتحت السلطات تحقيقا لتحديد المسؤولية في هذه الحالة.
وقد أبلغنا والده نجم الدين بن عزيزة أن التحقيق ما زال جاريا، وأنه تلقى دعوة للإدلاء بشهادته أمام قاضي التحقيق يوم الأربعاء الموافق ل11 أوت. ولكنه في المقابل رفض في ما بعد الحديث عن مجريات الشهادة والتحقيقات بتعلّة “حسن سير التحقيق”.

القتل الخطأ لعبد الرؤوف كريديس

عن سنّ تناهز 46 سنة، توفي عبد الرؤوف كريديس في الرابع من أوت في ظروف مريبة2015 بعد نقله إلى مستشفى شارل نيكول في العاصمة التونسيّة. أثناء حبسه في سجن المرناقية، تمكنت أسرته من زيارة مرة واحدة فقط في 17 جويليّة الفارط. وقد أبلغتنا عائلته أنّ إدارة السجن قد رفضت كل طلبات الزيارة اللاحقة بحجة أنّ السجين معاقب.

تروي السيّدة عائشة عبروقي ملابسات الحادثة قائلة:

يوم الأربعاء الموافق ل5 أوت، توجّهنا إلى السجن وأصررنا على أن نرى عبد الرؤوف. بعد أن تركونا ننتظر لساعات، أخبرنا الأعوان أنّه تمّ نقل ابني منذ أيام إلى مستشفى شارل نيكول. هناك، رفضوا السماح لنا بالدخول، ليتمّ إعلامنا بعد العديد من التدخّلات أنّ ابني قد توفّي في اليوم السابق. لماذا تمّ إخفاء وفاته؟ نريد الحقيقة كاملة، وقبل كل شيء، نريد تفسيرا لسبب وجود آثار تعذيب على جسد عبد الرؤوف؟

من جهته، علّق رضا زغدود، الناطق باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح، أنّ وفاة كريديس ناجمة عن فشل عملية جراحية وليس لها اي علاقة بالتعذيب. نتائج التشريح في مستشفى شارل نيكول تفيد بأنّ سبب الوفاة كان فشل شاملا في العديد من الأعضاء الحيويّة (بسبب جرثومة في الدمّ). في حين أن الأسرة تصرّ على فرضية التعذيب وسوء المعاملة أمام استمرار وزارة الداخلية في الإنكار.
من ناحية أخرى فتحت المحكمة الابتدائيّة في تونس تحقيقا جنائيا لتوضيح ظروف الاعتقال والموت. هذا وكان عبد الرؤوف كريديس يعاني من مرض عقليّ وقد تمّ حرمانه من الأدوية اللازمة له خلال فترة سجنه

تستطرد السيّدة عائشة عبروقي قائلة:

إذ تمّ حرمان ابني من دوائه لأيام قليلة، فسيفقد السيطرة على النوبات الهستيريّة التي تصيبه. وقد تقدّمت بطلب إلى وكيل الجمهوريّة في شهر جوان المنصرم من أجل الحصول على ترخيص لإعادة ابني مرة أخرى في مستشفى الرازي، إلاّ أنّ مطلبي هذا قوبل بالتجاهل والإهمال من قبل الأعوان في مركز الشرطة بدعوى انشغالهم بالتحضيرات لامتحانات الباكالوريا.

هذا ونذكّر أنّه قد وقع ونقل عبد الرؤوف كريديس إلى سجن المرناقية بعد مشادة مع نزيل مجاور لزنزانته.

بعيدا عن الحرب على الإرهاب، تصاعد وتيرة التعذيب والتجاوزات الأمنية

أصدرت المنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب في تونس في أواخر شهر جويليّة تقريرا مفصلا عن اثني عشر حالة تعذيب واستخدام العنف المفرط من قبل قوات الأمن.
يعلّق هنا السيّد منذر الشارني، الأمين العام للمنظّمة التونسية لمناهضة التعذيب قائلا:

معظم الناس تحاول تبرير التعذيب بدعوى الحرب على الإرهاب. في تقريرنا الأخير، فإن غالبية الحالات التي تناولناها توضّح أن التعذيب قد مورس ضد مواطنين لا علاقة لهم بالمجموعات الإرهابيّة. وبغضّ النظّر عن هذه النقطة فإنّنا نصرّ على أن البلد الذي يحترم نفسه لا ينبغي أبدا أن يتسامح مع التعذيب تحت أي ذريعة.

أكرم الأغا الذي يقطن في جهة الكرم في العاصمة التونسيّة، كان أحد الحالات التي تناولها تقرير المنظّمة التونسيّة لمناهضة التعذيب. حيث تعرّض هذا الأخير في البداية للضرب من قبل أربعة من أعوان الأمن داخل سيّارتهم بعد أن اقتادوه إليها إثر خلاف بينه وبين أحد الأعوان الذّين عنّفوه.
ووفقا لتقرير المنظّمة، فقد تعرّض أكرم للضرب بالهراوات وبأعقاب البنادق. ليتّم فيما بعد اقتياد الضحيّة إلى مركز الشرطة في باب بحر، حيث تواصل تعنيفه وضربه من قبل الاعوان بالإضافة إلى تهديده بتلفيق تهمة الإرهاب إليه. آثار الضرب والندوب ما تزال شاهدة على الحادثة حيث تنتشر على كامل وجهه، بالإضافة إلى الجمجمة والساقين والخصيتين والأذنين. المستشفى العسكري بقابس كان قد منحه شهادة طبيّة تتضمّن راحة بواحد وعشرين يوما”.
كما أوضح التقرير انّه وبحسب أكرم الأغا “فقد ازداد عنف أعوان الأمن وتنكيلهم بالضحيّة عند علموا بقرب موعد زواجه في 25 أوت المقبل.”

التقرير المذكور، تناول العديد من حالات التعذيب بسبب خلافات شخصيّة أو سوء فهم مع أحد أعوان الامن.
حمزة البراهمي كان مثالا آخر ساقه التقرير، حيث تعرّض هذا الأخير للضرب المبرح في11 جويليّة الفارط من قبل إطار أمني في مقرذ عمله في مركز للتسوق في الكرم. ووفقا للضحية، فقد تمّ تعنيفه بسبب منعه لزوجة هذا الإطار السامي في وزارة الداخليّة من الدخول إلى المركز التجاريّ الذي كان قد أغلق عند قدومها.
وفي اليوم نفسه، تعرض محمد خنّوشي للضرب ممّا خلّف لديه إصابات خطيرة في ذراعه اليمنى والساق اليمنى والعينين في مركز للشرطة في دوار هيشر. ووفقا لمحمّد، فقد تمّ اقتياده لمركز الأمن والاعتداء عليه بعد أن أعربت أحد السيّدات عن شكّها فيه بينما كان ينتظر خطيبته بجوار أحد المباني.

مجلس النوّاب منقسم بين القمع والديمقراطية

منذ أسبوعين تقريبا، اثارت إعادة إيقاف سبعة من المشتبه بهم في قضية تتعلق بالإرهاب ردود فعل غاضبة واحتجاجات من قبل بعض النوّاب ومنظّمات المجتمع المدني. وكان هؤلاء المتهمون السبعة قد تمّ الإفراج عنهم من قبل قاضي التحقيق يوم الثلاثاء 4 أوت 2015، بالإضافة إلى احالتهم للفحص من قبل الطبيب الشرعي لتقصّي آثار التعذيب التي تم معاينتها على أجسادهم اثناء الجلسة. في اليوم نفسه، وأمام المحكمة الابتدائية بتونس أعادت مجموعة من الأعوان الأمنيّين بزيّ مدني إيقاف المجموعة المفرج عنها. هذه الحادثة اثارت جدلا كبيرا حول شرعيّة عمليّة الإيقاف وملابساتها.

المرصد التونسي لاستقلال القضاء أكّد أنّ المحكمة لم تكن على علم بعمليّة إعادة الإيقاف. في حين سعى وزير الداخليّة ناجم الغرسلي إلى تغطية تصرّف هؤلاء الأعوان عبر التصريح خلال مؤتمر صحفيّ أنّ إعادة إيقاف هؤلاء المتهمّين تمّت بإذن من النيابة العموميّة، كما نفى هذا الأخير بشكل قاطع مزاعم التعذيب، مصرّا على أن أي مخالفة أو تجاوز لم تسجل خلال التحقيق مع المتهّمين في هذه القضية.
من جهة أخرى، تعهد وزير العدل بمتابعة القضية عن كثب وتنفيذ القانون إذا ثبت تعرّض المتهمين للتعذيب. هذا واستنكر الوزير بشكل قاطع ممارسة التعذيب في السجون التونسية مهما كانت الجرائم التي ارتكبها السجناء أو المشتبه بهم.”
هذا وقد قدّم مجموعة من محامي الدفاع شكاية إلى وكيل الجمهوريّة بسبب عمليات التعذيب.

هذا الجدل الكبير الذّي اثارته الحادثة، دفع مجلس النوّاب إلى اتخاذ قرار بتكليف لجنة تحقيق تتكوّن من ممثّلين عن جميع الكتل البرلمانية لتنوير الرأي العام حول هذه المسألة واتخاذ التدابير اللازمة لوقف ممارسات التعذيب. وقد علمنا من نوفل جمالي، عضو اللجنة والنائب عن حركة النهضة أن التقرير النهائي تمّ تقديمه إلى مجلس النوّاب يوم الأربعاء 12 أوت الماضي بعد الاستماع إلى جميع الضحايا المفترض تعرّضهم إلى التعذيب وبعد الاطّلاع على تقرير الطب الشرعي.

ليضيف النائب نوفل جمالي قائلا:

ثلاثة من المتهمّين السبعة كانوا يحملون لآثار تعنيف على أجسادهم. بغضّ النظر عن شهادة المعنيّين السبعة، فإنّ تقرير الطب الشرعيّ سيكون الفيصل. كما أنّ جميع التعاليق الأخرى لا تلزم إلا اصحابها (في إشارة إلى تصريحات النائب عن الاتحاد الوطني الحرّ نور الدين بن عاشور والعضو في لجنة التحقيق والذّي نفى تعرّض المتهمّين للتعذيب). ونشير هنا إلى أن تونس يجب أن تحترم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها. كما أنّ التاريخ برهن عن عجز الديكتاتوريات عن محاربة الإرهاب. يجب أن نعي انّه وبعيدا عن أيّ تحامل على المؤسّسة الأمنية فإنّ القانون يجب أن يُطبّق.

في هذا السياق، يشير الأمين العام للمنظّمة التونسية لمناهضة التعذيب، منذر الشارني إلى أن “الاعترافات التي يتمّ انتزاعها تحت وطأة التعذيب ليس لها أيّ قيمة قانونية. وأكبر دليل هو عدد الناس الذّين يتم إيقافهم والاشتباه فيهم لتفرج عنهم المحاكم لعدم كفاية الأدلة. العديد من المشتبه بهم يتراجعون عن اعترافاتهم ما إن يرفع عنهم التعنيف وسوء المعاملة في مراكز التحقيق والإيقاف. كما ينبغي ألا تكون الاعترافات العامل الوحيد لإدانة أو تبرئة أحد المشتبه بهم. بل يجب توفّر أدلّة ملموسة لضمان المحاكمة العادلة “.

وقد أكدّت منظّمات الدفاع عن حقوق الإنسان على غرار المنظّمة التونسيّة لمناهضة التعذيب والمرصد الوطني للحقوق والحريات أن حجم الانتهاكات والاعتداءات ضد اسر المشتبه بهم ازداد منذ الأحداث الأخيرة في باردو وسوسة.

ليضيف السيّد منذر الشارني قائلا:

بذريعة مكافحة الإرهاب يعمد بعض أعوان الأمن إلى ممارسات اشبه بالانتقام من المواطنين. ونحن نسجّل بقلق الصمت المتواطئ من جانب كبار الضباط الذين يشرفون على تجاوز الأعوان العاملين تحت إمرتهم. وإذا استمر الوضع الحالي دون رقابة وتواصل إفلات المتجاوزين من العقاب، سوف نعود مرة أخرى إلى المربع الأول في مجال حقوق الإنسان.

للنذكير، فقد دعت العديد من مكوّنات المجتمع المدنيّ في مناسبات عديدة إلى إنشاء الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب وفق القانون الأساسي عدد 43 المؤرّخ في 21 أكتوبر 2013 وتماشيا مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليه تونس في سنة 2011.

وفقا لمجلس النوّاب، تم تجميد إنشاء هذه الهيئة بسبب عدم توفّر العدد الكافي من المرشحين المناسبين لإدارتها. وفي انتظار تحقيق تقدّم ما في تأسيس الهيئة المنتظرة، فإنّ العديد من القضايا المتعلقة بالتعذيب والتي لا تزال دون حل تزيد من تأجيج الشعور بالظلم والنقمة والقمع. ليستطرد السيّد نوفل جمّالي قائلا؛ “لدينا إدارة القضائية بطيئة ومرهقة”.
في نفس الوقت الذّي تتزايد فيه الانتهاكات والتجاوزات الأمنيّة بحقّ المواطنين، ما تزال سياسة انكار استخدام قوات الأمن للتعذيب تتزايد بنفس النسق التصاعدي والمتسارع.