gouvernement-union-nationale-tunisie-essebsi-ghannouchi

شكّلت مبادرة حكومة ”الوحدة الوطنية“ التي أطلقها الرئيس السبّسي يوم الخميس الفارط المحور الأبرز في المشاورات الجارية بين الأحزاب السياسية، سواءا في الحكم أو في المعارضة. وفي هذا السياق اجتمع صباح أمس الاثنين وفدان عن حركة النهضة وحزب نداء تونس لتفعيل هذه المبادرة حسب تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عقب الاجتماع.

هذه المبادرة رغم إقرارها الضّمني بفشل منظومة الحكم في معالجة الأزمة العامّة التي تعيشها البلاد، فإنها لم تستعرض بدائل واضحة، وربطت نجاحها من عدمه بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في تركيبتها.

 تحكّم النهضة والنداء في التركيبة الجديدة

رحيل حكومة الحبيب الصيد بات أمرا مقضيًّا، جَرى الإعداد له منذ أسابيع في مؤسسة الرئاسة، ولم يتبقى سوى إعلان الرّجل استقالته التي تأخرت عن موعدها المقرّر ليوم الاثنين، وهذا الرحيل القريب بشّر به بيان الهيئة التأسيسية لحزب نداء تونس الصادر يوم أمس، والذي ورد فيه ”إن مبادرة سيادة رئيس الجمهورية تستوجب لتفعيلها تكليف شخصية جديدة لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية على أن تترجم هذه الحكومة أوسع وفاق وطني منشود“.

هكذا يظل التشاور حول التركيبة الحكومية الجديدة محور التفاوض بين الأحزاب السياسية التي عبّرت عن دعمها للمبادرة. ورغم تأكيد الباجي قايد السبسي أن كل مكوّنات الائتلاف الحاكم معنيّة بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، فإن العديد من المعطيات والتصريحات تشير إلى أن حركة النهضة ونداء تونس يتحكّمان في مسار المفاوضات وطبيعة التركيبة المحتملة، وهو ما انعكس في اللقاء الثنائي الذي جمع الحزبين الحاكمين واستُثنِي منه ”الحليفين“ الآخرين، حزبي آفاق والاتحاد الوطني الحر. وتتجه كل تصريحات قادة النهضة نحو التنصيص على أن الحكومة ستأخذ بعين الاعتبار الأحجام الانتخابية للأحزاب، وهو ما عبّر عنه رئيس الحركة راشد الغنوشي قائلا ”الحكومات تُبنى على ضوء نتائج الانتخابات“. ولعل فرض هذا التوجه -الذي يستحسنه نداء تونس في ظل التقارب الكبير بينه وبين النهضة- سيفضي في نهاية المطاف إلى حكومة بتمثيلية حزبية يسيطر عليها الحزبين الفائزين في انتخابات 2014، بمشاركة الاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس إن قبلا بمعيار التمثيلية الانتخابية، وقد عبّر كلاهما إلى حد الآن عن دعمه الأوّلي لمبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية.

توسيع قاعدة الحكم من خارج الأحزاب السياسية يظل أمرا مُستبعدا، خاصة وأن الاتحاد العام التونسي للشغل نأى بنفسه عن المشاركة في الحكومة الجديدة مع التنصيص على دوره في المشاورات، ولعل هذا الدور هو ما تطلبه رئاسة الجمهورية للإيهام بأن الحكومة الجديدة أفرزها الحوار وليست نتاجا للمحاصصات الحزبية. أما بالنسبة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية فدعوته للمشاركة في الحكومة الجديدة تواصل في استراتيجيات الخطاب الرئاسي الذي يهدف إلى شرعنة الحكومة الجديدة. إلا أن الأعراف ليسوا في حاجة للمشاركة في الحكومة تحت يافطة منظمتهم لأنهم يحظون بتمثيلية برلمانية و في الحكومات المتعاقبة وخصوصا في الوزارات الاقتصادية: وزارة المالية، وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وزارة الصناعة، وزارة التجارة، وزارة السياحة.

رئيس الحكومة الجديد: أية مواصفات؟

رغم مزاعم قيادات الائتلاف الحاكم بأن المشاورات لم تتضمن نقاشا حول الأسماء، فإن العديد من التصريحات تشير إلى أن هناك بعض الأسماء يجري تداولها في الكواليس، ويبدو أن هناك شروطا بدأت تتبلور بخصوص خَلف الحبيب الصيد، وفي هذا السياق يبرز توجه قوي يدفع نحو تكليف شخصية حزبية من نداء تونس لترؤس الفريق الجديد الحاكم، ولا تمانع حركة النهضة في السّير وراء هذا التوجه شريطة أن يكون المترشّح لهذا المنصب صديق للحركة ويحظي بثقة الرئيس السّبسي الذي يعدّ خيط التوافق السميك بين النهضة والنداء. وبالمقابل تبدو الدعوة لتكليف رجل إدارة على رأس الحكومة الجديدة ذات صدى ضعيف ولا تحظى بتأييد من معظم الفاعلين في الحزبين الكبيرين، لأن التخلي عن الحبيب الصيد يغلّفه قادة من نداء تونس بأن الرّجل لا يحمل مواصفات سياسية، وهو ما عبّر عنه القيادي العائد مؤخرا إلى نداء تونس، لزهر العكرمي، عندما وصف الحبيب الصيد بأنه ”رجل تسيير وليس رجل حوكمة“.

إن التوجّه الدّاعي إلى تكليف شخصية حزبية سيصطدم ببعض العقبات، وهو يتضارب مع العنوان السياسي الذي وضعه الرئيس السبسي ”الوحدة الوطنية“، وبالتالي فإن رئيس حكومة من الحزب الأول قد لا يخدم هذا العنوان، وسيعزّز الموقف السياسي للمعارضة، خاصة الجبهة الشعبية وحزب حركة تونس الإرادة، اللذان رفضا الالتحاق بمبادرة الرئيس بوصفها مناورة لإنقاذ الإئتلاف الحاكم. إضافة إلى هذا فإن حظوظ دعم الاتحاد العام التونسي للشغل لشخصية حزبية قد تكون ضعيفة، نظرا للعلاقة السيئة التي خلفتها تجربة حكومة الصيد بين منظمة الشغالين والوزراء المتحزبين -خصوصا وزراء نداء تونس- وقد عبّر الأمين العام حسين العباسي عن هذه العلاقة في وقت سابق قائلا ”بدأ يوجد شعور أن بعض الوزراء المتحزبين خارجون عن إطار النقد ويعملون بمعزل عن رئاسة الحكومة، ويتمّسكون بآرائهم ولو كانت خاطئة…البعض يرى أن وراءه حزبا يسنده، ويتصرف من هذا المنطلق“.

أشارت أولى تصريحات الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري بخصوص الموقف من رئيس الحكومة الجديد إلى أن الاتحاد يرفض تدخل القوى الخارجية في حسم المكلف الجديد برئاسة الحكومة، وقد عبّر عن ذلك قائلا ”نأمل أن لا يكون رئيس الحكومة الجديد أوف شور“. ولعل القيمة السياسية لموقف الاتحاد العام التونسي للشغل قد تدفع رئيس الجمهورية إلى الدفع بشخصية مستقلة للبعث برسالة طمأنة لمنظمة الشغالين، ولكن هذا الخيار سيعيد إنتاج التناقض القديم بين وزراء الائتلاف الحاكم ورئيس الفريق المتملّص من أي مسؤولية حزبية، وهو لا يحظى بتأييد كبير من قادة النداء. من جهة أخرى فإن الحديث عن تكليف شخصيات من أحزاب أخرى يبدو مستبعدا على غرار أحمد نجيب الشابي، القيادي بالحزب الجمهوري أو كمال مرجان رئيس حزب المبادرة. وهكذا تظل هوية رئيس الحكومة مرهونة بمسار المفاوضات التي سيلعب فيها القصر و”مونبليزير“ دورا كبيرا، ومن الثابت أن هناك إجماع حول المواصفات السياسية لرئيس الحكومة الجديد وليس ”تكنوقراط“، ليُطرَح الجدل بعدها حول مدى استقلاليته عن حزب نداء تونس، ولعلّ هذا الجدل يعد من باب تربيع الدوائر، لأن مرشح الحزب الحاكم الذي سيكون رجل سياسة في المقام الأول، لا يمكن له سوى الالتزام بالبرنامج السياسي للحزب الذي رشحه.