يضطلع مجلس نوّاب الشعب وفق أحكام الدستور ونظامه الداخلي بدور رقابي إلى جانب دوره التشريعي المتمثّل في سنّ القوانين. ويتمثّل هذا الدور في متابعة أداء الحكومة وإخضاع برامجها في مختلف المجالات والمستويات إلى المساءلة من قبل البرلمان. وحتى لا نجد أنفسنا في مربّع انفراد السلطة التنفيذية بعمليّة أخذ القرار وتقييمها ومراجعتها، عمد دستور جانفي 2014 إلى تركيز آليات الرقابة البرلمانية في بابه الرابع متمثّلة في رقابة قبلية على برامج الحكومة من خلال منح الثقة، ثمّ آليات الرقابة البعدية متمثّلة في مختلف جلسات الحوار والاستماع وتوجيه الأسئلة الكتابية والشفاهية.

الحكومة مسؤولة أمام مجلس نوّاب الشعبالفصل 95 من الدستور

من جهة أخرى نصّ الدستور على إمكانية توجيه لائحة لوم للحكومة، كما “يمكن للمجلس سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة بعد طلب مُعلّل يقدم لرئيس المجلس من ثلث الأعضاء على الأقلّ، على أن يتمّ التصويت على سحب الثقة بالأغلبية المطلقة” (الفصل 97 من الدستور) ولم يلجأ المجلس لهاتين الآليتين خلال هذه السنة. هذا ولم يخصّ القانون مجلس النوّاب بدور رقابي على الحكومة فقط وإنّما نصّ الباب الثاني من نظامه الداخلي على تخصيص جلسات لرئيس الجمهورية لم يتمّ العمل بها للسنة الثالثة على التوالي.

السياسات المالية وشبهات الفساد تحظى بالنصيب الأوفر

تحظى الأسئلة الكتابية والشفاهية التي يوجّهها النوّاب إلى أعضاء الحكومة بالنصيب الأوفر ضمن العمل الرقابي للمجلس. حيث توجّه النوّاب خلال هذه السنة البرلمانية التي امتدّت من بداية أكتوبر 2016 إلى موفى جويلية 2017 بأكثر من 190 سؤالا شفاهيا خلال 32 جلسة ضمن أشغال المجلس. كما تمّت الإجابة على 66 سؤال كتابي تمّ نشرها على الموقع الرسمي لمجلس نوّاب الشعب، مقارنة بـ 87 سؤال شفاهي و31 سؤال كتابي خلال الدورة البرلمانية لسنة 2016. ويُذكر أنّ السنة البرلمانية الأولى لم تعرف توجيه أي أسئلة كتابية.

ضلّت أغلبية الأسئلة مجرّد استفسارات يتقصّى من خلالها النوّاب حول ملفّات متفرّقة على غرار الاستشارات والدراسات المُنجزة لفائدة عدد من الوزارات وتصرّف عدد من الهياكل والمنشآت العمومية وقانون الاستثمار وقد تصدّرت ملفّات الفساد وشبهات سوء التصرّف في المال العامّ اهتمامات النوّاب. وقد كان لتوجّهات الحكومة تأثير كبير على الدور الرقابي للمجلس، إذ ارتبطت الأسئلة الكتابية والشفاهية للنوّاب بجدول أعمال الحكومة. وقد شهدت هذه السنة البرلمانية انشغالا كبيرا بالسياسات المالية لحكومة يوسف الشاهد وخططها في محاربة الفساد. إذ شهدت هذه السنة البرلمانية –على سبيل الذكر- 21 سؤالا موجّها لوزيرة المالية السابقة خلال جلسة عامّة يوم 31 جانفي 2017.

بقيت هذه الجلسات  ظرفية ومرتهنة للسياق السياسي والاجتماعي ممّا يتعارض مع مبدأ الرقابة البعدية الدورية الذي ينصّ عليه النظام الداخلي في الفصل 147:

يُخصّص المجلس جلسة للحوار مع أعضاء الحكومة حول التوجّهات العامّة والسياسات القطاعية مرّة كلّ شهر وكلّما دعت الحاجة بطلب من المكتب أو بأغلبية أعضاء المجلس.

هيمنة التفكير الحزبي على الدور البرلماني

تشي مُداخلات المُعارضة البرلمانية بحرص على لعب دورها الرقابي عبر التشهير الكلامي بالسياسات الحكومية. من جهتها طرحت كُتلتا حركة نداء تونس وحركة النهضة 39% من الأسئلة خلال الجلسات العامّة، وقد تقاسمت بذلك مسؤولية مساءلة السياسات الحكومية مع المعارضة البرلمانية. فهي من جهة تتحكّم في المآل التشريعي من خلال نظام التوافقات الذي يفرض نتيجة التصويت على مشاريع القوانين، ومن جهة أخرى تمارس دورا في الدفاع عن أعضائها في الحكومة عبر توظيف أدوات الرقابة. يُلاحظ في هذا السياق إفراط النوّاب في الخلط بين دورهم الحزبي ودورهم البرلماني. كما شهدت هذه الدورة الثالثة ذروة التوافقات الحزبية التي انعكست على الأداء التشريعي والرقابي.

وفي سياق قريب تجسّد ضعف الدور الرقابي للمعارضة البرلمانية أيضا من خلال تخالف مداخلات النوّاب خلال جلسات الحوار مع الحكومة مع نتائج التصويت. ففي حين أبدت بعض المداخلات معارضة كبيرة خلال الجلسات العامّة انتهت نتائج التصويت أكثر من مرّة بالموافقة. وهو ما انتبه إليه التقرير السنوي لجمعية البوصلة لسنة 2016 الذي ورد فيه:

إنّ الرقابة على العمل الحكومي لا تعدو أن تكون سوى إجراء شكلي لإضفاء شرعية ومشروعية على الاختيارات السياسية.

تمّ التنصيص على رقابة المجلس للأداء الحكومي كصمّام أمان أمام تغوّل الحكومة والأحزاب التي تدعمها. إلاّ أنّ تأجيل تنقيح النظام الداخلي وعدم تفعيله لثلاث سنوات من إقرار دستور 2014، يُعتبر تعطيلا واضحا لسلطة المجلس صلب النظام السياسي.