مؤخرا، طالب نجل الرئيس بأن يكون حزبه الأكثر تمثيلا في الحكومة التي انطلق رئيسها في مشاورات حول تحوير وزاري جديد. وقد أشار في تدوينة له على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك إلى أن التمثيلية الحكومية يجب أن تراعي نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2014، مطالبا في نفس الوقت بتشكيل “حكومة سياسية” تسمح للأحزاب الفائزة بتنفيذ برامجها. مواقف حافظ قايد السبسي ترمي في عمقها إلى تقويض المسار الذي تشكلت من داخله حكومة يوسف الشاهد (الوحدة الوطنية ووثيقة قرطاج)، وبالتالي إعادة الوضع السياسي إلى نقطة الصفر (نوفمبر 2014) رغم أن الحياة السياسية شهدت منذ ذلك التاريخ تقلبات جذرية، أهمها الأزمة الداخلية التي شهدها نداء تونس.

نجل الرئيس يطالب بحصة الأسد

تَصدر التصورات السياسية لنجل الرئيس من داخل الإيهام بأن حزب نداء تونس –بنسخته الحالية- يشكل القوة الحزبية الأولى في البلاد. ولكن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفارطة سرعان ما تحول إلى حالة انقسامية، جعلت إرثه الانتخابي يتوزع على عدد من الأفراد والكيانات، وتناسلت منه بعض الأحزاب على غرار حركة مشروع تونس التي يتزعمها محسن مرزوق، أحد مؤسسي نداء تونس في 2012. كما شهدت الكتلة البرلمانية للحزب انقساما أثّر على تصدّرها لترتيب الكتل، وجعلها في مرتبة لاحقة لكتلة حركة النهضة.

استعراض القوة الانتخابية التي يبديها قايد السبسي الابن في الآونة الأخيرة لا تأخذ بعين الاعتبار كل هذه التغيرات في أحجام القوة. حتى أن الحزب –الذي يشغل مديرا تنفيذيا له- يُعد بصيغته الحالية امتدادا لأحد أجنحة الصراع، التي سعت إلى السطو على “رأس المال الرمزي” للحزب من خلال الالتفاف حول نجل الرئيس، باعتباره الأقرب في تصورها لوراثة “الباتيندا” بعد والده. وقد سعى هذا الجناح إلى إعادة تجديد التركيبة القيادية للحزب لسد الفراغ الذي تركته معارك الإزاحة والتصفية عبر استقدام عناصر جديدة، بعضهم جِيء به في إطار احتياجات دعائية على غرار برهان بسيس، وبعضهم الآخر قَدِم من تجارب حزبية أخرى على غرار محسن حسن القيادي السابق في الاتحاد الوطني الحر. هذه التركيبة الجديدة -التي استحوذت على الوعاء الحزبي بزعامة نجل الرئيس- لم تُخف مطامعها السلطوية عبر الدعوات المتكررة إلى تحوير وزاري على مقاسها. وبالتوازي مع ذلك تسعى إلى إقامة تحالف “مقدس” مع حركة النهضة على قاعدة تقاسم السلطة، ويَلوح هذا التحالف متماسكا في المرحلة الحالية نظرا لالتقاء المصالح حول تحجيم التوسع السياسي ليوسف الشاهد والحزام الوزاري المحيط به.

يوسف الشاهد وحافظ السبسي: صداقة بددتها السلطة

طيلة الفترة السابقة، كانت التغييرات الحكومية تُنظم على وقع حرب المواقع التي يعيشها حزب نداء، حتى أن ما يطلق عليها “حكومة الوحدة الوطنية” كانت تداركا سياسيا لمخلفات تلك الحرب. من داخل هذه المعادلة انبثقت تجربة الصعود في مراتب السلطة لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، الذي كان تعيينه وزيرا للشؤون المحلية –في أول تحوير وزاري خضعت له حكومة الحبيب الصيد في 11 جانفي 2016- مكافأة له على نجاحه في عزل خصوم نجل الرئيس أثناء ترأسه للجنة الـ13، التي تحولت من إطار لحل الخلافات إلى أداة تصفية حزبية.

هذا الدور جعل يوسف الشاهد يحظى بثقة قايد السبسي الابن، حتى أنه لم يعترض على ترشيحه لترؤس “حكومة الوحدة الوطنية”، آملا في أن يتحول إلى أداة له داخل القصبة. ولكن الأيام كانت كفيلة بذرف قصر الأوهام الذي شيده نجل الرئيس، إذ سرعان ما جَنح الحاكم الجديد نحو مراجعة ولاءاته القديمة بسبب الضغوطات المتزايدة التي أصبحت تُمارس عليه من طرف قيادة نداء تونس، خصوصا كلما اتصل الأمر بالتعيينات الكبرى في أجهزة الدولة. هذا التناقض كشفته بأكثر وضوح “الحملة الحكومية على الفساد”، التي مَثلت بالنسبة لقيادة نداء تونس استهدافا لقاعدة المصالح الاقتصادية والمالية التي تُسندها وبالتالي لم تنخرط في مساندتها، كما اعتبرتها إثراءا رمزيا وسياسيا لرئيس الحكومة على حساب قيادة الحزب، خصوصا وأن هذا الأخير أحاط نفسه بحزام وزاري من خارج بيت التحالف الندائي- النهضاوي.

بَلَغ التناقض بين حكومة يوسف الشاهد وبين شبكة المصالح الجديدة التي يتزعمها نجل الرئيس حدود المطالبة بإعادة تشكيل التركيبة الحكومية برمتها من خلال الدعوة إلى “أن تكون الحكومة المقبلة سياسية بامتياز” (مثلما ورد في تدوينة حافظ السبسي) وأن تكون تركيبتها صدى لبرامج وسياسات الأحزاب الفائزة في انتخابات 2014، خصوصا نداء تونس. هذه المطالبة تهدف إلى إعادة ترتيب الاستفادة من الإرث الرمزي لنداء تونس ومؤسسه الباجي قايد السبسي، الذي يعتقد الابن بأنه أحق به من يوسف الشاهد، وبالتالي يسعى إلى حشد الأنصار والحلفاء من أجل الحصول على منابه كوريث “شرعي” ووحيد.