حسب دراسة أشرف عليها المعهد الوطني للإحصاء في 2016 –ولم يتم نشرها في تونس- فإن نسبة الفقر متعدد الأبعاد في مدينة سيدي بوزيد قد بلغت 58.78 بالمائة سنة 2014، وهي النسبة الأكثر ارتفاعا على المستوى الوطني، تليها القصرين بنسبة 56.24 بالمائة. هذا المؤشر يتم قياسه استنادا إلى جملة من الأبعاد من بينها التعليم والصحة والشغل وظروف العيش، وفي هذا السياق توصّلت الدراسة المذكورة إلى بعض الإحصائيات من بينها أن 49.7 بالمائة من مجموع سكان سيدي بوزيد لا يتزودون بالماء الصالح للشرب، علاوة على أن نسبة الانقطاع المدرسي بلغت 20.3 بالمائة.

هذا وتظل معضلة البطالة أحد أبرز مظاهر الهشاشة الاجتماعية في المنطقة، إذ خلُصت آخر إحصائية رسمية -من خلال التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014- إلى أن نسبة البطالة بسيدي بوزيد تصل إلى 17.7 بالمائة. ولئن كان مطلب التشغيل أحد أبرز المحاور المحرّكة للاحتجاج الاجتماعي في سيدي بوزيد منذ سنة 2010، فإن السياسات العامة لم تتجه نحو إيجاد حلول هيكلية لهذه الظاهرة أو على الأقل محاولة الحد منها، وإنما حافظت على سمات التهميش والاختلال الجهوي. لم تبرز سياسة هيكلية جديدة للقضاء على الفقر والبطالة، وإنما غلُب على الاتجاه الحكومي الخيار الاحتوائي الذي يبرز في اللجوء إلى آليات التشغيل الهشة من بينها آلية عمل الحضائر، التي بلغت 18 بالمائة في سيدي بوزيد وهي النسبة الأكثر ارتفاعا على المستوى الوطني.

استمرار الحراك الاجتماعي

ظلّ الاحتجاج الاجتماعي في سيدي بوزيد محافظا على استمراريته طيلة السنوات الفارطة، وحسب الإحصائيات التي أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن مجموع الاحتجاجات الاجتماعية بسيدي بوزيد لسنة 2017 بلغت 957، كما سُجّلت العديد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار سنة 2017 بنسبة 49 حالة. هذا وأشارت تقارير المنتدى إلى أن مجموع الاحتجاجات الاجتماعية في سيدي بوزيد بلغت 859 سنة 2016 و549 سنة 2015.

تعكس هذه الإحصائيات استمرار الرهان الاجتماعي على الانخراط في منظومة الاحتجاج من أجل تغيير السياسات العامة. ومن أجل مواجهة الضغط الاحتجاجي تلجأ الحكومات إلى الحلول الأمنية والتتبعات القضائية. وحسب تقارير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن سيدي بوزيد من أكثر المناطق التي شهدت محاكمات للفاعلين في الحراك الاجتماعي، إضافة إلى منطقتي قفصة والقيروان، وفي هذا السياق شهدت معتمدية المكناسي التابعة لولاية سيدي بوزيد أوّل نوفمبر المنقضي وقفة احتجاجية أمام مركز الأمن للمطالبة بإطلاق سراح الناشط فاروق قاسمي الذي اعتقلته الشرطة على خلفية مشاركته في الاحتجاجات التي شهدتها المكناسي طيلة شهر جانفي 2017.

بالتوازي مع المحاكمات تنشط دعاية إعلامية قوية للتشكيك في مشروعية الحركات الاحتجاجية وتجريدها من سياقاتها الاقتصادية والاجتماعية وربطها باستهداف الأمن القومي و”ضرب الاستقرار السياسي”. هذا وتُستخدم الأزمة الاقتصادية كلازمة في الخطاب الرسمي من أجل إدانة الحركات الاجتماعية وتحميلها مسؤولية فشل السياسات التنموية.

وهم الاستثمار في المناطق الداخلية

تعد ولاية سيدي بوزيد من أكثر المناطق التي تشكو ضعفا تنمويا، وقد بلغ مؤشر التنمية فيها 0.27 بالمائة سنة 2015، حسب الوثيقة التوجيهية لمخطط التنمية 2016-2020. هذا المؤشر يعكس استمرار سياسة التهميش الاقتصادي التي حافظت على واقع التفاوت الجهوي، رغم ما يزعمه الخطاب الحكومي من سعي إلى دفع الاستثمارات نحو المناطق الداخلية. وقد جاءت الندوة الدولية لدعم الاقتصاد والاستثمار تونس 2020 التي التأمت أواخر نوفمبر 2016 -والتي صاحبتها دعاية مكثفة حول إنعاش التنمية في المناطق الداخلية- لتكشف حصيلتها المالية والاستثمارية عن استمرار واقع الاختلال التنموي، إذ أنه من مجموع 145 مشروعا استثماريا لم ينتفع الشريط الغربي للبلاد سوى بـ25 بالمائة، في حين تم توجيه 75 بالمائة منها للشريط الشرقي.

الشريط الغربي الذي يضم أكثر المناطق فقرا من بينها سيدي بوزيد والقصرين وقفصة وسليانة، ظل يشكل حزاما هامشيا، تتجدد داخله ديناميات الغضب والاحتجاج بشكل دوري. وتسعى السياسة المركزية إلى محاصرته عبر المعالجات العابرة التي يفرضها الضغط الاحتجاجي، والتي تتمثل أساسا في تعميم أشكال التشغيل الهشة، أو عبر المحاصرة الأمنية من خلال قمع الاحتجاجات ومحاكمة النشطاء. هذه العلاقة بين منظومة الاحتجاج وأنظمة الحكم أصبحت تشكل سمة هيكلية للحالة التونسية، إذ لم تفلح الحركة الاحتجاجية في فرض التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وفي الأثناء حافظت الحكومات المتعاقبة بعد 2011 على الخيارات التنموية القديمة ولم تقدم برامج جديدة مواكبة للوضع الجديد.